يستفزنى جدًا شعار النوع الأول ذو الغرور الزائف عندما يبرر أحدهم التهاون أوالتقصير فى أداء عمل أو مهمة مكلف بها بتعبير «كله بالحب». أتذكر أحيانا الكاتب الدكتور جلال أمين رحمه الله، وكتابه المهم الجميل «ماذا حدث للمصريين؟» الذى صدرت الطبعة الأولى له عام 1998 وأعيد طبعه عشرات الطبعات. فى هذا الكتاب حاول أن يرصد التغيرات الكثيرة والعميقة التى طرأت على الشخصية المصرية فى نصف قرن من 1945إلى 1995 شرح كيف تبدلت ملامحها، وتشوهت الكثير من خصالها وطقوسها. أسلوب حياتها وتقاليدها. يقفز إلى ذهنى سؤال افتراضى، ماذا لو أن كاتبنا القدير حيًا لا يزال؟ ماذا عساه أن يكتب عن نوعية غريبة من الشباب -أصبحت منتشرة بكل أسف- لديهم تضخم فى الذات بلا مبرر، واعوجاج فى مراكز النطق يفتعلونه من باب التعالى، وتأكيد انتمائهم إلى الطبقة «الهاى كلاس». التقى أحيانا ببعضهم، ثم يقودنى حظى العاثر للاشتباك فى حوار معه أو معها فأجد خواء فكريًا وثقافيًا مخيفًا، وفوق كل هذا أجد برودًا إذا ما واجهتهم بخطأ أو تقصير يستحق أن يحاسبوا عليه. ينظرون إلى نظرة جامدة، متبلدة، وكأننى أنا المخطئة!. هذه النوعية من الشباب موجودة، لكن الحمد لله هناك الوجه الآخر للعملة، فليس كل شبابنا من تلك النوعية، هناك شباب زى الورد، مجتهد، مكافح، مؤمن أن الحياة رحلة كفاح لإثبات الذات. شباب آخر له هدف، لا يصدر لك شماعة الظروف والحياة الصعبة، وإنما يحاول قهر هذه الظروف والنجاح فى التغلب على الصعاب ليصل إلى هدفه، ويحقق حلمه. يستفزنى جدًا شعار النوع الأول ذو الغرور الزائف عندما يبرر أحدهم التهاون أوالتقصير فى أداء عمل أو مهمة مكلف بها بتعبير «كله بالحب» (يعنى ما تحبكهاش أوى كده وأهى ماشيه بالحب!) ابتسم بمرارة وسخرية وأقول فى نفسى، والله أنتوا ظلمتوا الحب على رأى الست أم كلثوم. لو كان كله بالحب لكانت الدنيا أجمل، لأن الحب هو الصدق، العطاء من القلب، الاتقان الذى يحقق السعادة العميقة لفاعله، والخير لكل الناس، الحب يخرج أجمل ما فينا لو تعلمون!. احذفوا مفردة «الحب» من هذا التعبير السخيف، استبدلوها ب«كله بالفهلوة»، فالحب يسمو بالإنسان ويرتقى، ويحفزه دائما لكى يسعى أن يكون النسخة الأفضل منه، التنظيم، التركيز على الهدف يتطلب احترام القواعد والالتزام بنظام عام، يصبح جزءًا من روتيننا اليومى، وإدراكنا لفن ومعنى الحياة. أما النوع الثانى الذى يعيد إلىّ الأمل فهو شبابنا الذى يفاجئنى دائما بكنوز بشرية تفوق الخيال، الأبطال الثلاثة الذين حصدوا ثلاث ميداليات ذهبية، فضية، وبرونزية باسم مصر فى أوليمبياد باريس، وراء كل منهم قصة كفاح طويلة، شعارها العمل، الإصرار، التصميم، العطاء بلا حدود من أجل تحقيق النجاح والهدف. تحية للبطل أحمد الجندى الحائز على الميدالية الذهبية فى لعبة الخماسى الحديث، والبطلة سارة سمير الحائزة على الميدالية الفضة فى لعبة رفع الأثقال والبطل محمد السيد الحائز على الميدالية البرونزية فى لعبة سلاح السيف. أما ياسمين مصطفى، ابنة دمياط الفذة، فسوف أفرد لها مقالًا كاملًا، لأنها تستحق كتابًا، وليس مقالا يروى قصة كفاحها النادرة، وإصرارها المذهل على الوصول للهدف، ثم نبوغها الذى اخترق حاجز الصوت والضوء، ووصل إلى وكالة ناسا للفضاء بالولايات المتحدةالأمريكية، التى كرمتها وأطلقت اسمها على الكويكب الذى اكتشفته تكريمًا لجهودها فى مجال علوم الأرض والبيئة. ياسمين عمرها 23 سنة.. هل تصدق؟ إنها النابغة، لا تخجل من نشأتها فى أسرة بسيطة فى دمياط، ولا من أن والدها رحمه الله كان عاملا يكد ويكافح من أجل تربيتها هى وأخوتها تربية صالحة ترفع من شأنهم وتعلى من قيمتهم مؤمنا بالتعليم الجيد أولا، ثم العمل الجاد الدؤوب. لا تخفى فى أحاديثها أن شقيقها الأكبر هو الذى تولى إكمال المسيرة بعد وفاة والدهم المبكرة المفاجئة وهم أطفال صغار، اضطر أن يترك التعليم ويعمل حتى ينفق على أمه وأخوته ويقوم بدور الأب ورب العائلة. هؤلاء هم شباب مصر الذين أحبهم وأفخر بهم وتملؤنى السعادة وأنا أكتب عنهم. هؤلاء أيضا آمنوا بجملة «كله بالحب» ولكن أدركوها بترجمة مختلفة!.