تنسيق المرحلة الثالثة 2024 أدبي وعلمي.. رابط تسجيل الرغبات عبر موقع التنسيق (تبدأ خلال ساعات)    «العاصمة» تطلق حاضنة أعمال جديدة لدعم التكنولوجيا العقارية وتعزيز المدن الذكية    محافظ شمال سيناء يستقبل الممثل الأعلى للشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي    جمهوريون ينتقدون كامالا هاريس بسبب أفغانستان.. وقادة عسكريون يدافعون عنها    سياسي فلسطيني: الاحتلال الإسرائيلي يستهدف المرافق كافة في قطاع غزة    مسئولو منتخب مصر يخاطبون الكاف برفض الموعد الجديد للمباراة    ملابسات واقعة عامل دليفري سرق متعلقات من داخل عقار في النزهة    موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد في هذا الموعد.. هل تتجاوز المعدلات الطبيعية؟    «السياحة»: الفلاح كان له دور كبير في تأسيس الحضارة المصرية القديمة    تعرف على أعضاء اللجنة العليا لمهرجان أيام القاهرة الدولي للمونودراما    «ثقافة الإسماعيلية»: بدء مشاهدات نوادي المسرح واستمرار الأنشطة الصيفية    محمود توفيق يودع وزير الداخلية السعودي بمطار القاهرة    معاذ علاء ل في الجول: أنهيت تعاقدي مع أسوان بسبب عدم وضوج رؤية إيقاف القيد    مصرع جزار بسبب مشاجرة مع فكهاني بالهرم    خالد داغر: توفير فرص متكافئة للموهوبين وذوى الهمم في مهرجان الموسيقى    "الإفتاء" توضح حكم التهادي بحلوى المولد النبوي الشريف    حملة «100 يوم صحة»: تقديم أكثر من 62 مليون و287 ألف خدمة مجانية    إعلام فلسطينى: قوات الاحتلال تقتحم قرية سالم شرقى مدينة نابلس    تفاؤل فى ريال مدريد بعودة بيلينجهام قبل موقعة ريال سوسيداد    حصاد الوزارات.. وزير التعليم يصدر كتابا دوريا ينظم صرف 50 جنيها للحصة للمعلم    رؤساء وقادة العالم يهنئون رئيس الجزائر بفوزه بفترة رئاسية ثانية    البنك الأهلي المصري يمنح عملائه المسافرين نقدا حتى 5000 دولار    5 جنيهات للحصة.. «التعليم» تصدر توضيحا هاما بشأن مجموعات التقوية    كريستيانو رونالدو يقص الشريط نحو الهدف رقم 1000 في مسيرته الكروية    صفقة مجانية تشعل سوق الانتقالات فى أوروبا سنة 2025    في خدمتك | شروط الحصول على أرض زراعية من الدولة    الدكتور عبد السند يمامة يهنئ فلاحين مصر بعيدهم    اعرفى السعرات الحرارية الموجودة في حلوى المولد بالجرام    مساعد رئيس هيئة الدواء يلتقي وفد الحكومة الصينية على هامش مؤتمر "فارماكونكس"    جامعة بنها تستقبل وفدًا من خبراء منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية    عريس كفر الدوار: "أنا بياع على باب الله وعدم استطاعتي شراء بدلة شيء لا يعيبني"    مهاجم الزمالك الجديد يجتاز الكشف الطبي    واعظة بالأوقاف: توجه نصائح لكل زوجة" أخد الحق حرفة"    «أوقاف القاهرة» تنظم الاحتفالية السنوية لتكريم 320 طفلا من حفظة القرآن الجمعة المقبلة    صور- بيان من جهاز 6 أكتوبر بتفاصيل حملات إزالة الإشغالات ومخالفات البناء    عاجل | مصر تبحث تنمية التعاون الصناعي مع العراق في صناعات قطاع الكهرباء والمنسوجات والجلود    محافظة القاهرة تطلق حملة عينك أمانة للكشف على أمراض العيون مجانا    طنطا يواصل استعداداته لمواجهة وادي دجلة في افتتاح دوري المحترفين    مارس الرذيلة مع 99 امرأة.. الحكم بإعدام طبيب روض الفرج    عاجل.. تأجيل محاكمة مضيف طيران و6 آخرين في تهريب دولارات للإخوان بالخارج    الخميس .. مؤتمر صحفي لإعلان تفاصيل الدورة 17 لمهرجان سماع للإنشاد والموسيقى الروحية    المشدد 5 سنوات لمتهمين و7 سنوات غيابيا لآخرين لشروعهم في سرقة ماشية من حظيرة بطوخ    «المشاط» تؤكد أهمية الاستفادة من تقارير وإصدارات معهد التخطيط القومي    منح دراسية وتخفيضات 20% على المصروفات.. كل ما تريد معرفته عن جامعة «باديا»    انتخابات أمريكا 2024| جورج بوش يستبعد دعم كلا المرشحين بالانتخابات    ديشامب يفاجئ مبابي بقرار ناري قبل مواجهة بلجيكا    انطلقت فعاليات اليوم الثانى والختامى gمنتدى الإعلام الرياضى    حيثيات إعدام عاطل قتل صديقه داخل مسكنه بسبب خلافات بينهما فى الجيزة    الرئيس الصيني يتعهد بتعزيز العلاقات مع كوريا الشمالية    وزير الصحة: نعمل على خفض الوفيات بسبب الدرن بنسبة 90% في 2030    عالم: ليس كل أزهري مؤهل للفتوى.. واستحلال الحرام «كفر»    باحث أزهري: الله وعد المؤمنين بشفاعة الرسول يوم القيامة (فيديو)    برج الدلو.. حظك اليوم الإثنين 9 سبتمبر: قلل التوتر    أوكرانيا: ارتفاع حصيلة قتلى جيش روسيا ل 626 ألفا و410 جنود منذ بدء العملية العسكرية    المشاط: اتفاقية «تمويلي» تُمثل تخارجا استراتيجيا للشركات الحكومية يتسق مع توجه الدولة    وزير الاستثمار: لدينا 7500 شركة في قطاع الصناعات الغذائية تمثل 14% من التصدير    وزارة الصحة: انطلاق برنامج تدريب المعلمين بمدارس التمريض على المناهج الجديدة    الآن.. تنسيق المرحلة الثالثة 2024.. الموعد الرسمي لتسجيل الرغبات عبر الرابط المعتمد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«هوارية» رواية أزمة.. وأزمة رواية
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 05 - 08 - 2024


بشير مفتي
لم يكن أى أحد يتوقع فى ظل الركود السائد فى المشهد الثقافى الجزائرى منذ سنوات أن تنفجر فجأة أزمة كبيرة بسبب فوز رواية هوارية» للكاتبة إنعام بيوض بجائزة آسيا جبار للرواية المكتوبة بالعربية فى دورتها الأخيرة 2024، أزمة انطلقت شرارتها الاولى من متنافسين لم يكن لهم نصيب فى الجائزة من نشر بعض الصفحات من الرواية الفائزة، كدليل على أن الرواية سيئة أخلاقيا، وتافهة جماليا، وأن لجنة التحكيم تحيزت للكاتبة بيوض لأن لها اسما معروفا، وتشغل مركزا مهما فى المؤسسة الثقافية الرسمية، هذا إلى جانب اتهامهم للذين منحوها الجائزة أنهم يعرفونها جيداً، لأنها زميلة لهم فى الجامعة، وأن الروايات التى لم تفز أفضل منها بمسافات ضوئية، ولكنها أقصيت لأن أسماء كتابها وكاتباتها من الجيل الشاب الذى ظهر فى السنوات الأخيرة مع موجة النشر على حساب المؤلف، حيث أغلب الأعمال الشبانية اليوم تنشر فى دور نشر تعتبر عند بعض الكتاب دكاكين تجارية لا غير، وهذا ما خلق فى السنوات الأخيرة زيادة كبيرة فى عدد كتاب الرواية، وتراجع كبير فى المقروئية.
رغم أن أغلب الروايات التى تصدر مؤخرا على حساب كتابها تطبع بنسخ محدودة، وساعدت وسائط التواصل الاجتماعى على إعطاء هذه الأجيال الشابة ثقة فى النفس رغم غياب فادح للنقد بسبب عدم وجود مجلات ثقافية وأدبية ونقدية فى الجزائر، وهذا ما يجعل عملية التمحيص والغربلة لمعرفة الجيد من الرديء أمرا صعباً إن لم نقل مستحيلاً، وكانت أغلب هذه الأعمال تتلقى الاحتفاء والاعجاب من طرف رواد المواقع وليس من طرف النقاد أو الكتاب المكرسين، لقد ظهرت الكثير من هذه الأعمال فى ظل ساحة ثقافية يتيمة من النقاد والقراء الحقيقيين ومن غياب إعلام ثقافى نوعى يلعب دورا فى إضاءة الطريق لهؤلاء، وتراجع دور نشر مهمة بسبب ما يعرفه العالم العربى برمته من أزمة كتاب بسبب ظروف كثيرة لعل أهمها القرصنة التى جعلت الشباب يميلون لقراءة الكتب على شاشة الموبايل من شراء الكتب.
عندما قام هؤلاء الكتاب الذى لم يكن لهم نصيب فى الجائزة بنشر تلك الصفحات، لم تكن الرواية الفائزة موزعة فى المكتبات بعد، وسمعنا أن الناشرة السيدة المثقفة أسيا على موساى لم تطبع منها إلا مئتى نسخة، كمرحلة أولى، ظهرت فى تلك الصفحات المصورة الكلمات «الفاحشة» المستعملة فى الحوار بين الشخصيات، تلك الكلمات التى اعتبرت خادشة للحياء ومناهضة للقيم المجتمعية وزاد الطينة بلة أنها مكتوبة بلغة شعبية، أى لغة الشارع والرعاع، ولم يهتم أحد إن كان ذلك مبررا فنيا، أو يستجيب لسياق الرواية، ويندرج ضمن رغبة الكاتبة أن تكون وفيّة لواقع محدد تريد أن تكشف عن خفاياه وتستغور مجاهيله وتحدثنا عنه بلغته العارية وليس بلغة المجتمع الفاضل المتخيل أو المتوهم، لأن الواقع فى رواية «هوارية» هو واقع فئة هامشية تسكن فى المناطق السفلية من المجتمع، أى سمتها الأساسية أنها لا تتقيد بنفس القيم الأخلاقية الرسمية، والتى تتحدد معاييرها من خلال اللغة التى تتحدث بها وتؤسس عبرها مشروعيتها فى واقعها المادى الذى تعيش فيه، وهنا كانت الصدمة عند المتلقى غير المتكون أدبيا والذى ليس له لا مرجعية أدبية أو ثقافية تسمح له بالفصل بين الرواية كمتخيل ينقل الواقع فى لعبة مرآوية ليس بالضرورة هى تشجيع على هذا النوع من الكلام، وبين الواقع المادى الحقيقى الذى يعيشه كل يوم.
هذا المتلقى الذى يثور لأتفه سبب على الفايس بوك، وهو يقرأ ما يستمع له فى الشارع كل يوم على صفحات رواية، كانت ردة فعله عنيفة على النص الروائى واعتبره خارجا عن الأخلاق، لا يمثل قيّم المجتمع، ويصطدم مع ثوابت المجتمع الأخلاقية، ولكن حتى هنا كان الأمر سيكون طبيعياً، أو عاديا لمتلقى ليس له علاقة بالقراءة، وغير متصالح مع الكتاب منذ فترة طويلة، وكان يمكن أن يمر كل ذلك مرور العاصفة العابرة فى صيف ساخن للغاية، لولا تدخل بعض الأطراف التى وجدت فرصة سانحة ليس للنيل من الرواية فقط بل لتصفية الحسابات بين تيارات أيديولوجية متضادة بينها، بين العلمانيين والإسلاميين، اليساريين والدينين، الحداثيين والتقليدين، إلى جانب فئات مصالح تريد أن تضعف جهات فى المؤسسات الثقافية الرسمية لتأخذ مكانها، زد على ذلك بعض السياسيين الذين يركبون مثل هذه الموجات لاستدرار عاطفة الحشود، والصعود على رقابهم.
واشتعلت المواقع فجأة بمنشورات كثيرة تدين الرواية وتتهم كاتبها بالسوقية والسفالة وقلة الأدب، وكان رد الفعل الطبيعى من الكتاب المعروفين وطنياً وعربياً أن يدافعوا عن الكاتبة حتى لو كان أغلبهم لم يطلع على الرواية بعد، لأن القضية تجاوزت كونها قضية رواية بل قضية تدخل فى حرية الإبداع وصلاحيات الكتابة، وهو الأمر الذى لم يحدث من قبل، حتى لو كانت هنالك اعتراضات قديمة متجددة من طرف الفئات التقليدية فى الأدب ضد ما يسمى بالأدب الجزائرى الواقعى والذى يربطونه باليسار الثقافي، وهى التهمة السهلة، فكل من يكتب بطريقة تكشف ما يخفيه الواقع أو تفجر ما يضعونه فى خانة الطابوهات المسكوت عنها تلصق به تهمة الشيوعية، الى جانب تهم كالخيانة والعمالة للغرب، وفرنسا بالخصوص، ونشر الانحلال والأخلاق الفاسدة، لكن لم تصل الأمور يوما إلى هذا الحد من العنف والصخب والضجيج والكلام السيء.
ومن المفارقات الغريبة أن البعض استعمل حتى كلمات سوقية وغير أخلاقية فى التهجم على رواية يتهمونها أنها غير أخلاقية، فأصبح قاموس الفحش مقسما على الرواية ومن ينتقدونها، غير أن الرواية لا تقدم الفحش كما يسمونه للدفاع عن أو لتبريره بل تكشف عن حضوره فى البيئة الاجتماعية من طرف الفئات الهامشية والهدف غير المعلن عنه لتدينه، أو تضع المجتمع أمام مرآة نفسه، على عكس من ينشرون ردودا نقدية بكلمات فاحشة فهم يؤسسون لقاموس نقدى جديد محشو بلغة الجنس والاقصاء والعنف.
بعد انتشار هذه الجدالات الساخنة فى المواقع الاجتماعية قام البعض بقرصنة الرواية ونشرها فى صيغة «بى دى اف» وهو ما مكن العديد من قراءتها، وكانت ردود النقاد متباينة، بين من استحسن العمل ووجده يملك شرعيته الأدبية والجمالية ولا يوجد فيه ما يستحق هذه الهجمات الهستيرية والمتشنجة، وبين من اعتبروا أن الرواية ليست عملا أدبيا كبيرا يستحق كل هذا الضجيج، بل هى رواية بسيطة، وأن الروايات التى لم تفز كانت أحسن منها على الرغم من تأكيدهم على أن الكلمات الفاحشة والسوقية قليلة، وليست بالصورة التى أظهرها من لم يقرأ الرواية كاملة، وأن وراء هذا الهيجان العنفى أشياء مستترة لم تظهر بعد خفاياها وأسبابها الحقيقية، لأنه لم يحدث من قبل أن أثارت رواية مثل هذا اللغط الكبير.
وحسب ظنى يوجد فراغ ثقافى كبير فى السنوات الأخيرة، ولم يعد الكتاب الكبار، مثل رشيد بوجدرة مثلا المنسحب من الساحة، يتدخلون كثيرا ويعيشون فى عزلة شبه تامة، بوجدرة الذى طاله هو أيضا منذ سنوات نقد عنيف بسبب تصريحه فى قناة إعلامية أنه ملحد ولكنه يحترم الثقافة والحضارة الإسلامية التى ينتمى إليها، لكن على عكس قضية بوجدرة التى التفت حولها كل النخب الثقافية وساندته، وجدت رواية «هوارية» لانعام بيوض نفسها عرضة لكل أنواع التهجمات وقلة من دافعت عنها، وهذا ما يجعلنا فى الختام نطرح أسئلة كثيرة نتمنى أن نجد لها إجابة مشروعة: هل المشكلة فى الكاتبة نفسها؟ أم فى الجائزة ولجنة تحكيمها؟ أم فى احباطات من نوع آخر وجدت لها تصريفا فى الهجوم على هذا العمل الأدبي؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.