أثار أحد عروض افتتاح دورة الألعاب الأولمبية «أولمبياد باريس 2024» التي تستضيفها العاصمة الفرنسية باريس، بظهور مجموعة من الفنانين المتحولين جنسياً في عرض فيديو مطول تجسد الشخصيات المرسومة في لوحة «العشاء الأخير» التي رسمها ليوناردو دافنشي أواسط القرن الخامس عشر ردود أفعالا عالمية، إذ أظهر المشهد قيام أحد المتحولين جنسياً بتجسيد شخصية السيد المسيح، وكان يرقص ويتمايل ويطلق إيماءات جنسية لا تمت بأي صلة للدين أو الفن أو الموسيقى أو مناسبات الأولمبياد الرياضية التي يجب أن تمثل منذ تأسيسها رقي وحضارة الإنسانية. الحماية الواجبة لسيرة الأنبياء وفي دراسة قيمة أعدها المفكر والمؤرخ القضائي القاضي الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي - نائب رئيس مجلس الدولة بعنوان «الحماية الواجبة لسيرة الأنبياء دراسة مقارنة بين الشرائع السماوية والتشاريع الوضعية»، ذكر فيها أن المجتمع الدولى والتشريعات الوطنية قد استقرت على حق الإنسان في حرية التعبير، ولكن مهما كانت حرية التعبير مقدسة فلا بد لها من ضوابط تنظم ممارستها وذلك حماية للمجتمعات من الفتن والصراعات واحترام الشعوب لثقافة تقاليدها الدينية، وتزداد الحاجة لتلك الضوابط عندما يتعلق الأمر بالحديث عن الأديان والمقدسات وسيرة الأنبياء، وعندما يتكون المجتمع الدولى من عدة ثقافات وأديان وقوميات فيلزم احترام عقائد البشر ومعتقداتهم وهويتهم الدينية خاصة فى المناسبات الرياضية.. ونعرض للدراسة فى 7 نقاط: الأنبياء صفوة الخلق والإساءة إليهم انحطاط حضاري يذكر القاضي الدكتور محمد خفاجي، أن الأنبياء هم صفوة الخلق اختارهم الله عز وجل ليكونوا مصابيح الهدى للبشرية وحفظهم الله عما لا يليق بمكانة من يتلقى مثل هذه الأمانة، فهداهم للخيرات وعصمهم من المنقصات وهم القدوة والمثل.. قال اللهُ تَعالى ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ ) سورة الأنبياء الاَية (73) ومن ثم وجب على البشرية أفرادا وجماعات احترامهم ووقارهم وتقديرهم في سبيل طريق الهدى والرشاد، والإساءة للأنبياء سعياً في الإيذاء المعنوى أو تحقيقاً لمكاسب زائلة هي في جوهرها انحطاط أخلاقي وحضاري. حظر التمييز على أساس الدين ويشير نائب رئيس مجلس الدولة، إلى أنه بعد حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في باريس 2024 قرر المحامون المسيحيون أن يخاطبوا اللجنة الأولمبية الدولية للتنديد بالمشهد المسئ، ونظموا التماسًا للحصول على توقيعات لتنفيذ عقوبة الاستهزاء بالدين المسيحى بالتمثيل المذكور. ذلك أنه وفقًا للميثاق الأولمبي الحالي محظور التمييز على أساس الدين.. المنظمين للحفل سخروا من الثقة المشروعة للرياضيين والمهنيين المشاركين في تطوير الحدث، وكذلك إيذاء المتفرجين والمتابعين حول العالم، مما يستدعى تفعيل إدانة وعقوبة للمنظمين الذين شاركوا فى هذا الجرم وتلك الإساءة للسيد المسيح عليه السلام. أولمبياد باريس 2024 خرقت السلام الديني يقول الدكتور محمد خفاجى: إن حفل افتتاح أولمبياد باريس 2024 خرقت الحفاظ على السلام الديني الذي دافعت عنه المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بالمخالفة لما يتوافق مع حرية التعبير المنصوص عليها في إعلان حقوق الإنسان والمواطن لعام 1789، والذي أصدرته الجمعية التأسيسية الوطنية في 26 أغسطس 1789، والذى يعد وثيقة حقوق من وثائق الثورة الفرنسية الأساسية وتُعرَّف فيها الحقوق الفردية والجماعية للأمة. الحفاظ على السلام الديني ويضيف: «يعد الحفاظ على السلام الديني نوع من تجسيد الحفاظ على النظام العام فى فرنسا، وقد طبقته العديد من قرارات المحاكم في فرنسا بشأن الجرائم الدينية، وإن كان بنسب متفاوتة وقليلة التطبيق إذ انحصرت بصدد الإهانة أو التشهير أو التحريض على الكراهية أو العنف أو التمييز على أساس الدين، كما تم استخدامه أيضاً في قضايا أخرى تتعلق بحرية التعبير، منها تلك المتعلقة بعرض الممثل الكوميدي المثير للجدل ديودوني في عام 2015». إساءة الغرب للأديان شملت الدين الإسلامي والمسيحي ويذكر الدكتور محمد خفاجي، في دراسته أن إساءة الغرب للأديان شملت الدين الإسلامى والدين المسيحى, فالذاكرة الدولية تستحضر بعض الأعمال المدعى بأنها فنية التى أساءت للرسل وفى أعمال تعدت أثارها للدين المسيحى ففي سنة 1996 حكمت المحكمة الأوروبية بعدم قانونية عرض فيلم يسئ للسيد المسيح عليه السلام، وفى 11 أبريل سنة 2007 قررت إحدى صالات العرض للأعمال الفنية في حي مانهاتن في نيويورك, إلغاء عرض لعمل نحتي من الشوكولاتة يجسد السيد المسيح عارياً والذي نحته الفنان كوزيمو كافا لارو، وقد سماه: إلهي الحو. وهنا احتج أتباع المذهب الكاثوليكي فاضطر جيمس نوليس- رئيس مجلس إدارة فندق روجر سميث لإلغاء العرض الذي كان مقرراً أن يعرض في إحدى قاعات الفندق وقال روجر: قمنا بإلغاء العرض ونؤكد على التزام الفندق بالمسئولية. وضع قيود على الحرية حال الإساءة للأديان ويوضح الدكتور محمد خفاجي، أنه يمكن القول أن قضاء المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قد استقر على أن الحق في حرية التعبير حتى في الدول العلمانية ليس مطلقاً والدول ملزمة بوضع قيود على تلك الحرية في حالة الإساءة للأديان والمساس بسيرة الأنبياء على نحو يؤذى السلام الدينى بين البشر.. ففى أكتوبر 2018 قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأن إهانة رسول الإسلام محمد لا تغطيها حرية التعبير وجاء في حيثيات الحكم أن التشهير بالنبي محمد يتجاوز الحدود المسموح بها للنقاش الموضوعي ويمكن أن يثير التحيز ويعرض السلم الديني للخطر وأن هذه الإهانة من المرجح أن تثير استياءً مبررًا لدى المسلمين و تصل إلى حد التعميم دون أساس واقعي. الاستخفاف بالعقائد الدينية ويضيف المستشار خفاجي: كان ذلك بسبب مواطنة نمساوية تدعى (ECHR) عقدت ندوتين في عام 2009 أساءت فيها للنبى محمد بأنه يحب القاصرات، وقد أدانتها محكمة نمساوية بتهمة الاستخفاف بالعقائد الدينية في عام 2011 وغرمتها 480 يورو ، وهو حكم تم تأييده من محكمة الاستئناف في فيينا في ديسمبر 2011 وأيدته المحكمة العليا فى النمسا وهو ما لاقى تأييداً من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ، وقد وازنت المحكمة بعناية حقها في حرية التعبير مع حق الآخرين في حماية مشاعرهم الدينية بهدف الحفاظ على السلام الديني في النمسا. ومن ثم فإن حظرالإساءة للأديان أوسيرة الأنبياء بما يؤذى السلام الدينى بين البشر يسرى حتى فى المناسبات الرياضية بل لعها أوجب لأنها تؤدى إلى تعارف الشعوب. القضاء على أشكال عدم التسامح والتمييز على أساس الدين يقول الدكتور محمد خفاجي: على المستوى الدولي فى مجال حرية الأديان لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية، ومن الوثائق الدولية المهمة فى هذا الشأن الإعلان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن القضاء على جميع أشكال عدم التسامح والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد بتاريخ 25 نوفمبر1981 برقم 55/36 ، والذى حذر فى ديباجته من خطورة عدم مراعاة أو التعدى على حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وبوجه خاص الحق فى حرية المعتقد والدين. أسس جوهرية لحياة الإنسان ويشير المستشار خفاجي، إلى أن الإعلان شدد على خطورة ذلك التعدي؛ لما يمكن أن يؤدى إليه من صدامات ومعاناة للإنسانية، كما نص الإعلان على أن حرية الاعتقاد والديانة يجب أن تحترم احتراماً كاملاً ، باعتبارها أحد الأسس الجوهرية لحياة الإنسان، وأنه من المهم جدا الترويج لمبادئ التسامح والاحترام فيما يتعلق بالأديان وأبانت الجمعية العامة فى الفقرة الثامنة من ديباجة هذا الإعلان عن خطر مظاهر عدم التسامح أو التمييز فى الأمور المتعلقة بالأديان الموجودة فى بعض أنحاء العالم كما الزمت المادة الرابعة من الإعلان نفسه فى فقرتها الثانية جميع الدول بأن تتخذ جميع التدابير لمنع والقضاء على أى تمييز يقوم على أساس من الدين أو العقيدة، فى كافة المجالات الدينية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. القضاء على جميع أشكال التعصب الديني ويذكر الدكتور محمد خفاجي في دراسته، أنه فى 6 مارس 1996 كانت نقطة فارقة لحماية الأديان فقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 50/183 بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب الدينى والتى أكدت فى ديباجته أن التمييز ضد البشر على أساس الدين أو المعتقد يشكل إهانة للكرامة البشرية. وأكدت الفقرة السابعة من الديباجة 4/14 ضرورة اتخاذ الدول ما يلزم لمواجهة التعصب وما يتصل به من عنف قائم على أساس الدين أو المعتقد ، بما فى ذلك تدنيس الأماكن الدينية بينما حثت فى البند الخامس من القرار الدولى على اتخاذ جميع التدابير لمكافحة الكراهية والتعصب. مكافحة إهانة ازدراء الأديان ويختتم: أن تشجع التفاهم والتسامح والاحترام فى المسائل المتصلة بحرية الدين أو المعتقد، وأخذاً بالمبادئ والقواعد السابقة ، ونتيجة تزايد التمييز العنصرى بسبب الدين فى الغرب وما واكبه ذلك من تعد على المقدسات الدينية ورموزها ، فقد أصدرت لجنة الأممالمتحدة لحقوق الإنسان بتاريخ 12 أبريل 2005 قراراً بشأن مكافحة إهانة ازدراء الأديان، ويبقى فى النهاية قيام الدول الأعضاء فى المجتمع الدولى بالتنفيذ العملى لقرارات الأممالمتحدة فى الشأن الدينى هو جوهر المعالجة الدولية للحفاظ على المقدسات الدينية وسيرة الأنبياء. (*) تحفظت بوابة أخبار اليوم على نشر صور من حفل افتتاح أولمبياد باريس 2024 حفاظاً على مشاعر قرائها