يانغ يي فو تقع شيامن على الساحل الجنوبي الشرقي للصين، ومنذ العصور القديمة كانت تُعرف بجزيرة لو (السنقيل)، وذلك لكثرة طيور البلشون الأبيض(السنقيل) فيها. في كل مساء، يجتمع حوالي ألفين من طيور البلشون بجانب بحيرة يوندانغ الشهيرة في شيامن، تقف على الأغصان بهدوء وتراقب المواطنين وهم يعزفون الموسيقى أو يرقصون أو يمارسون الرياضة. شيامن اليوم هي مدينة حدائق بيئية. يأتي الناس إلى هنا، لنزول البحر أو ركوب الدراجات على طول الساحل، أو التجول بجانب غابات المانغروف الخضراء الكثيفة، ليستمتعوا بالمشاهد الجميلة للتعايش المتناغم بين الإنسان والطبيعة. المفارقة هي أنه قبل أكثر من ثلاثين عاما فقط، كانت البيئة البيئية في شيامنمصدر إزعاج كبير للسكان المحليين. على سبيل المثال، كانت بحيرة يوندانغ البديعة اليوم، مليئة بالنفايات والأعشاب الضارة. قال ويليام براون، وهو أستاذ الأمريكي في جامعة شيامن ويعيش في شيامن منذ سنوات عديدة: "كنت كلما مررت بجانب بحيرة يوندانغ بالدراجة الهوائية، أغطي أنفي وفمي، ولكن اليوم أصبحت بحيرة يوندانغ هي 'رئة المدينة الخضراء'، ومركز الثقافة والتجارة في شيامن، وهي أيضا مقر العديد من الشركات والمؤسسات. يرغب الصينيون والأجانب في القدوم إلى بحيرة يوندانغ للاستمتاع بمسابقات التجديف وغيرها من الأنشطة المائية، أو التنزه في المسارات الخضراء على شاطئ البحيرة. بحيرة يوندانغ مثال يثبت أنه يمكن تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة." فما الذي جعل بحيرة يوندانغ والبيئة الإيكولوجيةلشيامن تتحول بهذا الشكل الكبير؟ 36 عاما من الإدارة المتواصلة كانت بحيرة يوندانغ في الأصل ميناء يوندانغ، وهو ميناء صيد داخلي يمتد إلى جزيرة شيامن. في سبعينات القرن العشرين، كانت التنمية الاقتصادية في الصين لا تزال متأخرة نسبيا، ومن أجل حل مشكلات معيشة السكان المحليين، بدأت شيامن في استصلاح الأراضي من البحر وبناء السدود حول البحيرة، فانقطع ميناء يوندانغعن البحر وأصبح بحيرة شاطئية مغلقة نسبيا بمساحة 1.6 كيلومتر مربع فقط. ومع التنمية المتسارعة حول منطقة البحيرة والنمو السكاني السريع، تجمعت العديد من مصانع الكيماويات المسببة للتلوث، كما كانت مياه الصرف والفيضانات في موسم الأمطار تصرف من المنطقة الحضرية في بحيرة يوندانغ، مما أدى إلى تلوث منطقة البحيرة بشدة. "لا ينبغي أن يكون هذا هو الثمن لتنمية شيامن." في عام 1988، قدم شي جين بينغ، الذي كان يشغل آنذاك منصب عضو اللجنة الدائمة للجنة الحزب الشيوعي الصيني في مدينة شيامن، والنائب الأول لرئيس حكومة مدينة شيامن، فكرة الإدارة الشاملة لبحيرة يوندانغ،والتي تتمثل في "إدارة البحيرة بالقانون، معالجة التلوث، تنظيف الرواسب، تعزيز حركة المياه، وتجميل البيئة". ومنذ ذلك الحين، بدأت بحيرة يوندانغ في التحول. وفي غضون ثلاث سنوات فقط، حققت بحيرة يوندانغ هدف "اختفاء رائحة المياه الكريهة". وعلى مدار ستة وثلاثين عاما، ومن خلال خمس مراحل متتالية من الإدارة الشاملة، أصبحت البحيرة اليوم بطاقة تعريف ذهبية لشيامن و"قاعةالاستقبال للمدينة". وباتخاذ الإدارة الشاملة لبحيرة يوندانغ نموذجا رائدا، أطلقت شيامن تدريجيا الإدارة الشاملة للعديد من مناطق الخلجان والإدارة التعاونية لحوض نهر جيولونغ وغيرها من الأحواض المائية، مع الالتزام بمبدأ "لكل خليج خطته"، حيث تنفذ عمليات إصلاح بيئي شاملة من قمم الجبال إلى البحر. أطلقت شيامن سلسلة من المشروعات مثل فتح السدود البحرية، وتنظيف الرواسب البحرية، وأتمت تنظيف الرواسب في حوالي 170 مليون متر مكعب، مما جعل المناطق البحرية التي صارت منفصلة بسبب النشاط البشري تتصل مرة أخرى، فحدث تحسن كبير في جودة المياه البيئية. منذ عام 2007، قامت شيامن أيضا بإصلاح 1.65 مليون متر مربع من الشواطئ الساحليةحيث حافظت على بقاء الشواطئ، وذلك منعها من التحول إلى مستنقعات أو تعرضها لتعرية الرمال. ومن خلال مواصلة تحسين الظروف الهيدروديناميكية للخلجان، وزراعة أشجار المانغروف وحماية الشواطئ ومكافحة التلوث وحماية التنوع البيولوجي، تحسنت البيئة البحرية لشيامن بشكل كبير. وكما قال ويليام براون، فإن الاستثمارات في تحسين البيئة البيئية لم تعرقل التنمية الاقتصادية في شيامن أبدا، بل أصبحت أساسا قويا للنمو الاقتصادي السريع. اجتذب منطقة بحيرة يوندانغ عددا كبيرا من الشركات الخدمية الحديثة، وأصبحت مركزا للتمويل والتجارة والسياحة والإسكان في شيامن. تطبيق خبرة شيامن في دول مشاركة في بناء "الحزام والطريق" حصلت شيامن، المدينة النموذجية في إصلاح البيئة الإيكولوجية على العديد منالجوائز المرموقة، مثل "مدينة الحدائق الدولية" و"جائزة الإنجاز البارز في إدارة الساحل الشرقي لآسيا". وقد زارت شيامنمؤسسات بيئية من دول متقدمة مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية وألمانيا وجمهورية كوريا والاتحاد الأوروبي، لإجراء الدراسات التفقدية. وتم تطبيق تقنية التي استخدمتها شيامن للمحافظة على الشواطئ، في مشروعات حماية السواحل في تايلاند وسريلانكا وغيرهما من دول مشاركة في بناء "الحزام والطريق". السيديوشينغقوانغ، المدير السابق للمعهد الثالث لبحوث المحيطات التابع لوزارة الموارد الطبيعية في الصين، والذي قدم العديد من المقترحات المهنية لإدارة البيئة البحرية في شيامن، يرىأن "تجربة شيامن" تشمل العديد من الخبرات الناجحة والممارسات المبتكرة التي تستحق التعميم على مستوى العالم، مثل الإدارة البيئية المتكاملة للبحار بتنسيق إقليمي، والتنسيق بين إصلاح البيئة البحرية وتنمية المدن الساحلية. لا يشتمل بناء الحضارة البيئية في شيامنعلى إصلاح وتحسين البيئة فحسب، وإنما أيضا حماية الكائنات الحية. فقد أصدرت شيامن أول قانون محلي لحماية دلافين الصين البيضاء، وأنشأت أول قاعدة في الصين لإنقاذ وتربية دلافين الصين البيضاء. ولحماية "أجمل طائر في الصين"؛النحلة ذات الحلق الأحمر، التي تأتي من جنوب شرقي آسيا إلى شيامنللتكاثر وتتجنب الحرارة، وأنشأت شيامن محمية طبيعية لها في وسط المدينة. "نحن نواجه نفس التحديات أمام نفس المحيط، ومدن مثل شيامن التي تحتل الصدارة في إدارة المحيطات تلعب دورا رائدا في مواجهة التحديات البيئية البحرية العالمية." في عام 2018، ترك منتزه غابات المانغروف في شيامن، الذي كان لا يزال في مراحل التطوير المبكرة، انطباعا عميقا لدى بيتر طومسون، المبعوث الخاص للأمم المتحدة لشؤون المحيطات. ومنذ ذلك الحين، أشار في العديد من خطاباته حول العالم إلى شيامن كنموذج عالمي لاستعادة غابات المانغروف. تعكس إنجازاتشيامن في بناء الحضارة البيئية جهود الصين بأكملها لتعزيز التحديث الصيني النمط، المتمثل في التعايش المتناغم بين الإنسان والطبيعة. ومن خلال الجهود الطويلة الأمد، تم التعرف على خبرة شيامن في إدارة المحيطات واعتمادها من قبل المزيد من الدول حول العالم. ومنذ عام 2007، نظمت الصين دورات تدريبة وترويجية لتجربة إدارة بحيرة يوندانغ لأكثر من مائة دولة نامية، وحوالي ألفي مسؤول وفني من جميع أنحاء العالم. وفي مؤتمر المنتدى العالمي للمناطق الساحلية لعام 2023، تم اختيار حالة الحد من الكوارث البيئية لغابات المانغروف في شيامن لتكون جزءا من "مجموعة الحالات الدولية للتعاون الفعال للحد من الكوارث البيئية الساحلية"، للاقتداء بها من قبل دول العالم. الرؤية الجميلة لعالم نظيف وجميل يبدأ من هذا الساحل ويمتد إلى العالم.