د. طارق فهمى ستواجه إسرائيل فى التعامل ليس فقط عناصر مقاومة أو مواجهة فقط، بل أيضا وجودا فصائليا غير منضبط مع قرب الإعلان الإسرائيلى عن انتهاء العمليات الرئيسة فى قطاع غزة، والتحول تدريجيا إلى مرحلة جديدة من المواجهات النوعية والتكتيكية الخاطفة، فإن السؤال المطروح كيف سيكون إطار وشكل التعامل الإسرائيلى فى القطاع، وكيف ستنتقل إسرائيل من العمليات الكبيرة التى حققت فيها حضورا سياسيا واستراتيجيا، وفرضت ترتيبات أمنية نهائية من خلال مخطط الاستمرار فى القطاع والعمل على إدارته لاحقا فى ظل ما تردده اليوم التالى الذى بدأ فعليا على أرض الواقع عبر الاستراتيجية الراهنة التى تعمل عليها الحكومة الإسرائيلية دون إفصاح- منعا لإثارة الرأى العام الدولى عما يجري، وهو ما سيعطى لإسرائيل الفرصة الجيدة للانتقال للتعامل، والذهاب إلى مسافات تحت الأرض عبر محاولات اختراق الأنفاق القائمة بتكنولوجيا ترتب لها عبر الحصول على شاحنات نوعية محددة، ومنضبطة لها دورها فى الوصول إلى قيادات حركة حماس تحت الأرض، وفى المناطق المكتظة بالسكان والتى تحاول إسرائيل الانتقال تدريجيا إلى التعامل معهم ويفسر كيف ذهبت إسرائيل إلى مواصى خان يونس داخل منطقة محددة سبق أن ارتحل إليها آلاف الفلسطينيين العزل من رفح ما قد يثير علامات استفهام حيث تعمل فرق أمنية واستخباراتية تضم عناصر أمريكية وبريطانية هدفها الرئيس الوصول إلى أكثر من 120 عنصرا قياديا من حركتى حماس والجهاد متوقع أن يكونوا داخل الأنفاق. وبالتالى فإن إسرائيل تركز على عدة أمورها أولها: الانتقال تدريجيا إلى إقرار الترتيبات الأمنية بالفعل بعد أن قلصت مساحة القطاع بالفعل وشطرته عبر إنشاء ممرى نتساريم وديفيد وإغلاق معبر رفح الأمر الذى سيؤدى إلى تبعات أمنية واستخباراتية فى حال بقاء الأوضاع عليها لبعض الوقت خاصة أن الاستمرار فى ممر صلاح الدين لأطول مدة معينة سيكرس بالفعل بقاء إسرائيل وسيقر بواقع أمنى واستخباراتى سيكون لاحقا جزءا من تفاوض على إدارة القطاع مدنيا وإداريا وهو ما لم يحسم بعد. ثانيها: من الواضح أن إسرائيل لم تضع أولوياتها على تحمل إدارة القطاع أو التعامل مع سكانه فى ظل بقاء مؤسسات حركة حماس أو ما تبقى منها خاصة القطاعات المدنية والخدمية والتى توفر بعض متطلبات السكان الفلسطينيين إضافة إلى الأونروا التى ما تزال تعانى مشكلات حقيقية فى ظل شيطنة ما تقوم به من إجراءات منذ سنوات، وهو الأمر الذى قد يدفع إسرائيل كما طرحت للاستعانة بمؤسسات بديلة مانحة تحت إشرافها فى حال استمرار احتلالها للقطاع وعدم تركه فى ظل الرهانات على بقاء الاحتلال لأطول مدة ممكنة لحين استقرار الأوضاع وإنهاء حكم حركة حماس على الأرض. ستواجه إسرائيل فى التعامل ليس فقط عناصر مقاومة أو مواجهة فقط، بل أيضا وجودا فصائليا غير منضبط يريد استمرار المواجهة وعدم التسليم بما يجرى ولهذا فإن إسرائيل ستضع بعض خياراتها الأخرى فى صنع قيادات بديلة وعناصر فلسطينية عشائرية محددة بصرف النظر عن رفض رءوس العشائر هذا المخطط مع العمل على استقطاب عناصر من الفصائل الفلسطينية ربما للوصول إلى قيادات أخرى سيتم صناعتها، كما جرى فى مراحل سابقة فى جنوبلبنان ويذكر ب«جيش لحد» وهو ما تتخوف من تبعاته السلطة الفلسطينية لأنه قد يؤدى إلى مواجهات من نوع آخر. ولهذا فإن إسرائيل تعمل فى ظل سيناريوهات غير صفرية وتتحرك فى دوائر محددة منضبطة وبهدف الوصول إلى الهدف المخطط له فى ظل غياب الرؤية الجمعية دوليا بل وإقليميا عن كيفية التعامل مع قطاع سيحتاج إلى سنوات طويلة ممتدة للتعامل فى إطار من مشروعات الإعمار التى تحتاج إلى مليارات ضخمة، وهو أمر ليس على رأس أولويات الحكومة الإسرائيلية التى لا تريد الاقتراب من هذا الموضوع فى الوقت الراهن بل تراه مؤجلا لاعتبارات أمنية وإلى حين أن تتضح الأمور، ويتم حسم مسار التعامل الإسرائيلى فى كل المستويات مع القطاع وهو أمر قد يحتاج إلى سنوات فى ظل رهانات على التغيير المحتمل للمشهد الراهن أمريكيا وإسرائيليا وفلسطينيا وهو أمر قد يتم فى ظل تغير الظروف الراهنة وتوافر الإرادة السياسية للجانبين وبضغط الشركاء ما قد يؤدى إلى تغيير الواقع. ما هو قادم من سيناريوهات ممتدة فى غزة سيكون مرتبطا بالفعل بمقاربة أكثر واقعيةً وحضورًا، أمنيًا واستراتيجيًا فى عمق القطاع مع تأجيل الحديث الفعلى عن إدارة القطاع وحكمه حيث ستبقى إسرائيل هى الطرف الرئيس فى أى معادلة ستشكل فى القطاع سياسيا أو إداريا وفى ظل متغيرات جديدة ستعلن عن نفسها.