فى رأيى أن دونالد ترامب يملك ذكاء من نوع خاص، يجعله دائمًا منتصرًا فى الوقت الذى يتوقع له الكثيرون الخسارة. «لقد نجا الرئيس ترامب من هذا الهجوم.. لقد فاز للتو فى الانتخابات». هذا ما صرح به النائب الجمهورى ديريك فان أوردن تعليقًا على محاولة الاغتيال التى تعرض لها الرئيس السابق للولايات المتحدةالأمريكية دونالد ترامب أثناء تجمع انتخابى له مع أنصاره فى ولاية بنسلفانيا. كلام النائب الجمهورى هو الأقرب إلى التوقع كنتيجة لهذا السباق الانتخابى المحموم بين رجلين، أحدهما يملك شعبية كاسحة رغم اختلاف الآراء حوله، والثانى يبدو ضعيفًا، تائهًا، مشوشًا، فاقدًا السيطرة على كلامه وانفعلاته، يعيش الآن فى رأيى أصعب لحظات حياته. الحادث الأخير الذى شهده العالم كله على شاشات التليفزيون ومواقع الإنترنت صنع من ترامب بطلًا حقيقيًا، تحمس أتباعه أكثر لدعمه، وارتفعت درجة حرارة التحدى ونبرة الإصرار عندهم من أجل أن يصعد مرشحهم الجمهورى ويفوز بمقعد الرئاسة لمدة أربع سنوات قادمة. أبرز هؤلاء الملياردير إيلون ماسك الذى قررالتبرع ب45 مليون دولار شهريًا حتى موعد الانتخابات الأمريكية فى الخامس من نوفمبر 2024 لمجموعة تدعم حملة دونالد ترامب الرئاسية وتساهم فيها شخصيات أخرى فى مجال التكنولوجيا. كذلك أظهرت استطلاعات الرأى أن حظوظ دونالد ترامب قد ازدادت بعد محاولة الاغتيال لتصل إلى 69%. دفعت محاولة اغتيال ترامب يوم السبت الماضى حملة بايدن إلى سحب إعلاناتها التلفزيونية وإلغاء الهجمات اللفظية على الرئيس السابق والتركيز بدلا من ذلك على رسالة الوحدة. وكانت استراتيجية الحملة فى السابق هى التركيز على الانتقادات الشديدة لترامب باعتباره تهديدًا للديمقراطية الأمريكية. فى رأيى أن دونالد ترامب يملك ذكاء من نوع خاص، يجعله دائمًا منتصرًا فى الوقت الذى يتوقع له الكثيرون الخسارة. المناظرة التى جرت بينه وبين جو بايدن فى الثامن والعشرين من شهر يونيو الماضى فى مدينة أتلانتا، بولاية جورجيا أظهرت ذلك بوضوح. عندما بدأت المناظرة لم يصافح أحدهما الآخر، كما هى التقاليد فى مثل تلك المناظرات، لكن ترامب بدا قويًا، يسيطر على محاولات استفزازه حتى لا يبدو أمام الخمسين مليونًا الذين كانوا يتابعون المناظرة فى العالم كله سليط اللسان، أو متوترا. كان واضحا أنه الأقوى، وأنه درّب نفسه على ألا ينظر فى اتجاه بايدن حتى لا تخونه قدرته على ضبط النفس، فى الوقت الذى لم يستطع منافسه بايدن أن يفعل ذلك رغم التدريبات الطويلة التى خضع لها مع فريقه قبل المناظرة. بدأ الديمقراطيون من أنصار حزبه يطالبون بايدن بالتنحى، فقد صدمهم الأداء الضعيف، الباهت الذى يظهر به فى التجمعات الانتخابية وغيرها من اللقاءات العامة، توقعوا خسارته المخجلة أمام ترامب، لذلك طالبوه ولا يزالون بالتنحى عن خوض السباق الانتخابى، لكنه حتى الآن يكابر، فقط أعلن مؤخرا بعد أن يأس من المقاومة أنه سوف يتنحى فى حالة واحدة، إذا قال الأطباء إن حالته الصحية لن تحتمل ضغوط العمل الشاق، والمسئولية الكبيرة التى تقع على عاتق رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية. الغريب أن عمر المرشحين ترامب (78 عامًا) وبايدن (81 عامًا) متقارب جدًا. لكن القدرة النفسية والصحية لكليهما مختلفة تمام الاختلاف، فبينما يظهر ترامب فى ثوب الزعيم، المتحدى، المقاتل وهذا يلاقى هوى عند الشعبويين خاصة من الشباب المتمرد على سوء الأحوال الاقتصادية وتصاعد نسبة البطالة وفقدان الولاياتالمتحدةالأمريكية للكثير من قوتها باعتبارها القوة العظمى الأولى فى العالم لصالح قوى أخرى على رأسها الصين، يظهر بايدن فى صورة الرجل العجوز، المشتت التفكير، الذى يقع كثيرًا فى زلات لسان غير مقصودة ولا محسوبة، وليس هناك أقوى من غلاف مجلة التايم الأمريكية تعبيرًا عن اللحظة التعيسة التى يعيشها، فقد جعله مصمم الغلاف على طرف الصورة، وكأنه يستعد للخروج منها، وكتب على الغلاف كلمة واحدة «Panic» رعب!.