ما أجملها معانٍ، والرائعة من ذكريات ثورة 23 يوليو التى نحتفل بذكراها ال72، وكانت نقطة فارقة فى تاريخ المصريين شدنى صوت كوكب الشرق أم كلثوم وهى تشدو برائعة وطنية، الكلمات كتبها الشاعر عبد الفتاح مصطفى ولحنها الموسيقار رياض السنباطى فى ستينيات القرن الماضى، تستمع للكلمات العبقرية و»تحتار» لمن تشدو «الست» وماذا يقصد الشاعر، هل كتبها للثورة؟ هل يقصد الجيش؟ أم للنيل، أو للزعيم جمال عبد الناصر؟، كلمات فى مجموعها تقصد الوطن، فما أجمل أن يكون لك وطن تحبه. اللحن والكلمات والشدو «الكلثومى» يجعلك تردد بالشموخ «يا حبنا الكبير الأول والأخير، يا ضممنا تحت ضلك وفى خيرك الكتير، يا حبيب كل الحبايب، الحاضر واللى غايب، ملايين لكن فى حبك، كلنا أهل وقرايب، تجمعنا كلمتك، تجمعنا ثورتك، والفرحة فرحتك، وفى أعيادك نهنى، ونغنى غنوتك». ما أجملها معانٍ، والرائعة من ذكريات ثورة 23 يوليو التى نحتفل بذكراها ال72، وكانت نقطة فارقة فى تاريخ المصريين. أنا من أبناء 23 يوليو ولدت بعدها ب 4 شهور، عشت أفراحها وأتراحها مع جيلى، عاصرت «فورانها» الثورى، وانكسر القلب مع ألمها، مصر هى الحب هى الوطن هى الحياة. تخطفنى أى أغنية وطنية تتغنى ببلدى، أعيش معها بكل مشاعرى، فرحة، وبكاء، وسقفة، وترديد من القلب بإحساس صادق يصل لحد «التمايل» على الأنغام، لأنها صوت الوطن، المصرى منذ ولد ومنذ عرف التاريخ مصر تحتوى «جيناته» على عشق لامحدود لمصر، وأحلى ما فى الثورة، إنها رسخت وعبرت بصدق عن مشاعر المصريين وارتباطهم بها، فى كل أنشودة أو لحن، هل ننسى البدايات وعبد الوهاب يشدو بنسمة الحرية مفتاح الثورة، وتسلم يا غالى للجيش، والفجر الجديد لأم كلثوم، وصورة لعبد الحليم، وعدى النهار مع انكسار النكسة، ويا حبيبتى يا مصر مع عودة الوعى، سجل حافل من الروائع الغنائية تحكى «حكاية شعب»، لك أن تتخيل كمصرى كم يفعل فينا النشيد الوطنى بلادى بلادى، أتحداك ألا تحركك «القشعريرة» التى تسرى فى جسدك، وأنت تردد الكلمات، شعور يخرج من القلب تعانقه النفس، هل ترى وجوه المصريين وكيف يتعايشون مع شادية صوت مصر وهى تردد «يا حبيبتى يا مصر»، والعندليب وهو يردد «بالأخضان». اختلف أو أيد ثورة 23 يوليه ولكنها ثورة شعب قضت على الاستعمار والاحتلال وحررت القرار المصرى، وعبرت عنها الأغنية الوطنية بصدق فالتف الناس حولها ولازالوا. أبى والماء نعانى من نقص المياه، رغم المناشدات بترشيد الاستهلاك، ولكن الإسراف لايزال بلا حدود. جمعتنى الصدفة بأحد المسئولين عن قطاع المياه بالرى، وحديث عن الماء، وكان رده أننا تربينا غلط، فلم نتعلم المحافظة على قطرة الماء، الأمر كان سهلا قديما، فكمية الماء التى تصلنا، كانت مناسبة لعدد السكان ولذلك لم يخطر ببالنا الترشيد، فصار الإسراف عادة أدمناها، انظر لأى منا لو دخل للاستحمام، كم حجم الماء الذى يستخدمه؟ بعضنا يترك ماء الدش ينساب وهو يدخن سيجارة أو يقرأ الجورنال وقد يطول الوقت به، كذلك نهدر الماء فى حلاقة الذقن، وتختلف المدة من إنسان لإنسان. شدنى الحديث لذكريات عشتها مع أبى عليه رحمة الله، وكان شديد الحكمة، كان يهم بحلاقة ذقنه كل صباح للذهاب لعمله، وله طقوس خاصة وربما تربى عليها لما كان فى بيت العائلة فى الريف، كانت المياه شحيحة قبل أن تدخل للمنازل فى أنابيب. تعود بعد أن تزوج ألا يقف أمام حوض الحمام، كان يملأ قنينة صغيرة بكوب ماء، ويجلس على كرسى التسريحة، «يرغى» الصابون بقليل الماء ثم يقوم بحلاقة الذقن باستخدام ماكينة الحلاقة القديمة، وبعد الانتهاء، يهم بغسل وجهه بقليل من الماء. من واقع تجربة أبى ومعايشتى لما كان يفعله اتفق مع صديقى أن المسألة تربية وسلوك ننشأ عليهما منذ الصغر وهذا مع الأسف لم نرب عليه أنفسنا ولا علمناه لأجيالنا ولذلك نشعر بالأزمة مع أن حلها فى إيدينا. البنتاجون من تربى مثلى فى أخبار اليوم، يعرف قيمة أن تعيش وسط أسرة اسمها أخبار اليوم، الكبير والصغير، الأستاذ والتلميذ، كانت هناك شخصيات عاشوا بين جدرانها، لها من الوهج ما يجعلها علامة من علامات الدار، أشهرها صاحب «البنتاجون» الراحل الكبير فاروق الشاذلى، صديق الكل، صاحب صاحبه، له صوت جهورى، حاسم، تجده فى ظهرك وقت الفرح والشدة، اكتسب ذلك من كونه على مدى سنوات وسنوات، عمل وعاش من أجل زملائه، بجانب كونه المحرر العسكرى للأخبار، حضر وغطى الحروب والمعارك الحربية فى ميادين القتال، مما أكسبه قوة وصلابة. أتذكر صورة فاروق «الشجاع» يوم استشهاد الرئيس الراحل أنور السادات ظل واقفا والمنصة كلها على الأرض. عشنا أسرة واحدة مكتب فاروق كان كدوار العمدة، مقرا لتجمعنا فى السراء والضراء، وكان فاروق كحاتم الطائى فى كرمه، ثلاجته تحتوى على كل شيء افتح وشيل، المكتب لا يهدأ دقيقة واحدة الساعى ما يكاد يفرغ من إعداد قهوة لضيف إلا ويسارع بإعداد شاى أو ساقع لضيف آخر، هنا تستقبل الخال الأبنودى، والكابتن الجوهرى، وكبار الصحفيين والمذيعين، كان الشاذلى من أحببنا فى الدار وأن نعيش عيشة الأسرة الواحدة فرحنا واحد وحزننا يجمع، كان حلالا للمشاكل، ولم يكن فقط عمدة الصحفيين ولكن للعمال والإداريين، كنا نجلس فى المكتب حتى الخامسة أو السادسة مساءً، وبعد يوم عمل شاق نتوجه إلى «البنتاجون»، والبنتاجون هذا هو قهوة عم عبد الوهاب أمام باب المؤسسة القديم، المكان «ملتقى» الكل عمال وصحفيين وإداريين، تناقش أمور المؤسسة والمشاكل بكل حرية، لإيجاد الحلول، وكان فاروق الصوت الذى يثقون فيه لقوة اتصاله بالإدارة أو الجهات الخارجية، كنت تعرف من البنتاجون - على كوباية شاى أو سميطة - كل شيء، خاصة الأرباح والعلاوات والتعيينات، ومن هنا صار البنتاجون مجلس أمة المؤسسة مجلس الأسرة. هنا القاهرة منذ أيام كان العيد التسعون للإذاعة، فى كل عام أفرغ نفسى دائما للاحتفال، الذى يوافق 31 مايو، أصحب جهاز التسجيل الخاص بى وأجلس متنقلا بين المحطات حتى أظفر بالتسجيلات النادرة، ومنذ أعلن المذيع لأول مرة فى الخامسة والنصف بعد الظهر هنا القاهرة لم ينقطع الصوت حتى لما حاول الأعداء إسكاتها. 90 عاما، ولازالت بموجاتها، تجذب مستمعيها لبرامجها خاصة الأغانى والقرآن الكريم، أرشيف الإذاعة الذى تربينا عليه ومازلنا نستمتع به يحتوى على كنوز يجب أن ننقلها للأجيال لأنها تحكى تاريخ مصر، يجب أن يعرفوا حجم القوة الناعمة المصرية قدرا وقدرة، فنا وثقافة فى كل المجالات، أحاديث مع أساطين العلماء والفلاسفة والفنانين والموسيقيين والسينمائيين، ونوادر ومسرحيات وحفلات وخطب للزعماء والقادة وأحداث من التاريخ سجلها الميكروفون، ومن منا ينسى دورها فى مساندة الثورات، ومن منا ينسى مواقفها من ثورة مصر نفسها، وانتصاراتها ونكساتها، أرشيف يجب الحفاظ عليه ضد الزمن والإهمال وضد محاولات من يريد «استنساخه» ليجد لنفسه موقعا على خريطة الزمن. الأرشيف به نوادر لا مثيل لها فى أى مكان، وهو يجعل للإذاعة سحرها الذى لا يقاوم رغم سطوة الفضائيات بالصوت والصورة .