علي عكس الفشل الكبير الذي رافق استطلاعات الرأي في انتخابات الرئاسة الأمريكية واستفتاء بريطانيا حول الخروج من الاتحاد الأوروبي.. جاءت نتائج الجولة الأولي من انتخابات الرئاسة في فرنسا لتتوافق تماماً مع توقعات استطلاع الرأي هناك. وليكون الصراع في الجولة الثانية والحاسمة بين المرشح المستقل »ماكرون» وبين ممثلة اليمين المتطرف »فارين لوبان» لا مفاجآت، ولكن تغيير شامل في المشهد السياسي. اختفي لأول مرة منذ قيام الجمهورية الخامسة قبل نحو ستين عاما ممثل اليمين المعتدل في الجولة الثانية. واختفي - للمرة الثانية- ممثل اليسار المعتدل .التياران الاساسيان اللذان حكما فرنسا طوال هذه العقود تراجعا إلي حد مذهل. وفي المقابل يواصل اليمين المتطرف صعوده وقد تحدث المفاجأة وتكون »لوبان» في قصر الاليزيه بعد أسبوعين رئيسة لفرنسا. واذا كان هذا مازال احتمالا ضعيفا إلا أن المؤكد أن حزبها اليميني المتهم بالفاشية قد أصبح رقماً أساسياً في الحياة السياسية الفرنسية والمؤكد انه سيكون موجودا في البرلمان الفرنسي بقوة في الانتخابات القادمة. هذا التحدي دفع كل قوي اليسار واليمين والوسط التي تمثل الاعتدال وترفض الفاشية، إلي إعلان دعمها للمرشح المفاجأة »ماكرون» لانقاذ الموقف والارجح أن يتكرر سيناريو انتخابات 2002 حين فاجأ لوبان الأب مؤسس حزب الجبهة الوطنية ووالد المرشحة الحالية الجميع باحتلال المركز الثاني في الجولة الأولي من انتخابات الرئاسة علي حساب مرشح اليسار،لتتوحد كل القوي السياسية وراء شيراك ليحقق فوزاً ساحقاً في الجولة الثانية. ومع عدم استبعاد المفاجآت فإن الارجح أن يتكرر هذا السيناريو وأن تتكاتف كل القوي المعتدلة وراء »ماكرون» لقطع الطريق أمام وصول »لوبان» الابنة لرئاسة فرنسا كما حدث مع أبيها قبل خمسة عشر عاماً.. لكن الاسئلة الاصعب ستكون بعد ذلك !!.. فماذا سيفعل هذا الشاب القادم من عالم البنوك بخبرة سياسية محدودة للغاية مع الاوضاع المعقدة في فرنسا؟! وكيف سيحكم بلا حزب وبلا أغلبية برلمانية تسانده؟! وإذا كانت الجمهورية الخامسة تعلن نهايتها.. فكيف ستكون معالم الجمهورية السادسة في فرنسا؟! أسئلة مؤجلة إلي أن تنتهي مهمة الانقاذ التي توحد القوي السياسية الرئيسية وراء »ماكرون» وبعدها تبدأ فرنسا في مواجهة الأصعب مع جيل جديد قد لا يحمل الخبرة لكنه يحمل الأمل ويجسد التحرر من الماضي والرغبة في التغيير.