بسبب أزمة قطع الكهرباء.. مكتبة الإسكندرية تفتح أبوابها ل طلاب الثانوية العامة (فيديو)    عباس شراقي: إثيوبيا بتعمل اللي عايزاه وكل لتر مياه يخزن بسد النهضة من حصر مصر (فيديو)    منير فخري: البرادعي طالب بالإفراج عن الكتاتني مقابل تخفيض عدد المتظاهرين    رسميًا.. سعر الدولار اليوم الخميس 27 يونيو 2024 مقابل الجنيه المصري في البنوك    إبراهيم عيسى: أزمة الكهرباء يترتب عليها إغلاق المصانع وتعطل الأعمال وتوقف التصدير    اعتقال قائد الجيش البوليفي الجنرال خوان خوسيه زونيجا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة    شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي على شمال قطاع غزة    الحكم على رئيس هندوراس السابق بالسجن 45 عاما بسبب المخدرات والسلاح    حزب الله ينفذ 6 عمليات ضد إسرائيل يوم الأربعاء    عين على يورو 2024.. فوز قاتل لتركيا وتعادل محبط لأوكرانيا (تحليل بالفيديو)    «الزمالك اتهان».. رد ناري من طارق يحيى على أزمة مباراة القمة    ملف يلا كورة.. حرس الحدود ثالث الصاعدين.. مشاركة محتملة للزمالك.. مواعيد دور ال16 في يورو    رضا عبد العال يوجه طلبا عاجلا لإدارة الزمالك    أول تعليق من كريم عبدالعزيز بعد ظهوره برفقة الملاكمين جوشوا ودوبوا (فيديو)    طفل تونسي يقتل شقيقه لرغبته في "تقطيع اللحم"    ضبط متهم بابتزاز سيدة خليجية ووالدتها بمقطع فيديو في العجوزة    «حرب نفسية».. مكالمة غامضة تُربك الحياة    "الوطنية للإعلام" تعلن ترشيد استهلاك الكهرباء في كافة منشآتها    هل يوجد شبهة ربا فى شراء شقق الإسكان الاجتماعي؟ أمين الفتوى يجيب    العمر المناسب لتلقي تطعيم التهاب الكبدي أ    نوفو نورديسك تتحمل خسارة بقيمة 820 مليون دولار بسبب فشل دواء القلب    شل حركة المطارات.. كوريا الشمالية تمطر جارتها الجنوبية ب«القمامة»    ثورة 30 يونيو.. انطلاقة وطن    حظك اليوم| برج الثور الخميس 27 يونيو.. «يوم لتنمية المواهب»    عن مؤتمر صراعات القرن الأفريقي.. الأحزاب تتفق على دور مصر في تحقيق الأمن والاستقرار    فشل التمرد في بوليفيا.. قوات الجيش تنسحب من القصر الرئاسي بأمر القائد الجديد    عُرس ينتهى بمأساة داخل الترعة .. أم وبناتها الثلاث لقين مصرعهن غرقًا    وزراء سابقون وشخصيات عامة في عزاء رجل الأعمال عنان الجلالي - صور    مدافع الدحيل القطري على أعتاب الانضمام إلى الأهلي    عجائب الكرة المصرية.. واقعة غريبة في مباراة حرس الحدود وسبورتنج    الأهلي يعلق على عودة حرس الحدود للدوري الممتاز    لإنهاء أزمة انقطاع الإنترنت.. توصيل 4000 خط تليفون جديد بالجيزة (تفاصيل)    بسبب عطل فني.. توقف تسجيل الشحنات ينذر بكارثة جديدة لقطاع السيارات    أخبار × 24 ساعة.. "التعليم" تعلن نتيجة الدور الأول للطلبة المصريين فى الخارج    هيئة الدواء المصرية تستقبل وفد الشعبة العامة للأدوية باتحاد الغرف التجارية    مصرع طفل وإصابة شخصين في انهيار حائط بأسيوط    بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم.. والأرصاد الجوية تكشف موعد انتهاء الموجة الحارة    نجاة 43 أجنبيا ومصريًا بعد شحوط لنش فى «مرسى علم»    الطاعة.. معارك زوجية أمام محاكم الأسرة    ملخص وأهداف مباراة جورجيا ضد البرتغال 2-0 فى يورو 2024    إجراء جديد من جيش الاحتلال يزيد التوتر مع لبنان    الحكومة تحذر من عودة العشوائية لجزيرة الوراق: التصدى بحسم    أحمد سعد يطرح أغنيته "الكيميا راكبة" مع شقيقه عمرو سعد (فيديو)    3 أبراج تتوافق مع «العذراء» على الصعيد العاطفي    أبطال مسرحية «ملك والشاطر» يقرأون الفاتحة قبل دقائق من بداية العرض (فيديو)    أصحاب ورش باب الشعرية: إنتاجنا تراجع 40٪.. واضطررنا لتسريح عُمّال    انقطاع الكهرباء عرض مستمر.. ومواطنون: «الأجهزة باظت»    رئيس قضايا الدولة يُكرم أعضاء الهيئة الذين اكتمل عطاؤهم    الاستعلام عن شقق الاسكان الاجتماعي 2024    تعرف على سبب توقف عرض "الحلم حلاوة" على مسرح متروبول    حدث بالفن | ورطة شيرين وأزمة "شنطة" هاجر أحمد وموقف محرج لفنانة شهيرة    بالفيديو.. أمين الفتوى: العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة عليها أجر وثواب    حكم استرداد تكاليف الخطوبة عند فسخها.. أمين الفتوى يوضح بالفيديو    سماجة وثقل دم.. خالد الجندي يعلق على برامج المقالب - فيديو    في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات- هل الأدوية النفسية تسبب الإدمان؟    بتكلفة 250 مليون جنيه.. رئيس جامعة القاهرة يفتتح تطوير مستشفي أبو الريش المنيرة ضمن مشروع تطوير قصر العيني    الكشف على 2450 مواطنًا وتقديم الخدمات مجانًا بقافلة القومى للبحوث فى أطفيح    هل يجوز الرجوع بعد الطلاق الثالث دون محلل؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كنوز| اللقاء الأول بين «صانع البهجة» والسادات فى منزل الحجاوى
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 19 - 06 - 2024

بدأت علاقة صانع البهجة الكاتب الكبير محمود السعدنى تسوء مع نظام الرئيس جمال عبد الناصر عند عودته من زيارة عمل فى سوريا قبل توقيع اتفاقية الوحدة بين مصر وسوريا، السعدنى عندما عاد للقاهرة كان يحمل رسالة مغلقة من أعضاء بالحزب الشيوعى السورى لتوصيلها للرئيس جمال عبد الناصر، ولم يكن السعدنى يعرف أن الرسالة تحتوى على تهديدٍ مبطن للرئيس عبد الناصر، وسلمها بحسن نية
كما يقول - لأنور لسادات فور وصوله للقاهرة، وبعدها تم إلقاء القبض عليه والتحقيق معه وتم سجنه لمدة عامين !
محمود السعدنى مع أنور السادات
واعُتقل السعدنى فى عهد الرئيس أنور السادات ضمن ما عُرف بثورة التصحيح، وتم محاكمته أمام محكمة الثورة التى أدانته وحكمت بسجنه! واليوم نعيد نشر المقال الذى يروى فيه محمود السعدنى كيف التقى لأول مرة بالبكباشى أنور السادات فى منزل الفنان زكريا الحجاوى قائلاً :
« وقع بصرى على أنور السادات أول مرة فى نهاية الحرب العالمية الثانية، فى بيت الفنان الشعبى زكريا الحجاوى، كان زكريا يسكن فى الدور الثانى بمنزل صغير يطل على شارع سعد زغلول فى مواجهة ضريح سيدي أبو زيد بالجيزة، قدمنى الحجاوى إليه، كان شاباً فتياً أسمر اللون مفتول العضلات، يتحدث بطريقة مُميزة، وكأنه ممثل على خشبة مسرح.
زكريا الحجاوى
ثم اختفى أنور السادات واختفى زكريا الحجاوى أيضاً، وعلمت أن زكريا سافر إلى مسقط رأسه فى بحيرة المنزلة برفقة صديقه محمد على ماهر الذى كان يعمل كاتباً فى مستشفى قصر العينى، واشُتهر بعد ذلك من خلال برنامجه الشهير «من قصص القرآن».
وعرفت بعد ذلك بسنواتٍ أن زكريا الحجاوى لم يسافر إلى المنزلة مع محمد على ماهر فقط، ولكن سافر معهما أيضاً أنور السادات واختفى فى جزيرة معزولة داخل البحيرة هرباً من البوليس.
ورأيت أنور السادات بعد ذلك عدة مرات عندما كان يتردد على مجلس زكريا الحجاوى فى قهوة «شهريار» التى تقع فى مواجهة كوبرى عباس بالجيزة، وعندما انتقلت شلة الحجاوى إلى قهوة «كازينو» أسفل كوبرى عباس كان أنور السادات يأتى إليها أحياناً ومعه ضابط طيار يدعي حسن عزت، كان يقدمه للناس على أنه أستاذه فى الوطنية.
وكانت هذه الجلسات تضم: الكاتب بكر الشرقاوى، ورسام الكاريكاتير أحمد طوغان، واذكر أننى ذات يوم انتقدت طريقة السادات فى الجلوس والمشى والحديث وقلت ساخراً: «ده زى ما يكون شارب نشا»، واحتج أحمد طوغان على هذا الوصف قائلاً «اللى انت شايفه ده يا ابني ح يبقى ملك مصر».
وقد سبق للعبد لله تسجيل هذه الواقعة فى الجزء الثانى من كتاب «الولد الشقى»، ثم جاءت ثورة 23 يوليو واستمعنا إلى بيان الثورة الأول بصوت أنور السادات، وتصورت أنا وطوغان أن السادات هو زعيم الثورة، وبعد تلاوة البيان تأكد لديّ - أنا وطوغان أن أنور السادات هو قائد الثورة، وفى آخر النهار قلت ل «طوغان»: «لقد صحت نبوءتك، وصاحبك صار ملكاً على مصر» !
فى تلك الأيام كان الحجاوى يعمل موظفاً بمجلس بلدية الجيزة صباحاً، ويعمل محرراً بجريدة «المصرى» بعد الظهر، وصار الحجاوى يتحدث كثيراً عن أنور السادات عندما يجتمع بنا فى القهوة، وفهمنا من حديثه أنه يتردد كثيراً على بيت السادات فى الروضة، وبعد فترة عرفنا منه أن ثورة يوليو فى طريقها لإصدار جريدة يومية سيكون السادات مشرفاً عليها، وبالفعل صدرت جريدة «الجمهورية»..
وكان السادات رئيس مجلس إدارتها، وحسين فهمى رئيس تحريرها، واستقال زكريا الحجاوى من «المصرى»، ومن وظيفته الحكومية، وصار مديراً لتحريرها، ولم ألتحق بهذه الجريدة برغم من أن مدير تحريرها هو أستاذى وصديقي زكريا الحجاوى، والسبب أننى كنت قد التحقت بجريدة «القاهرة» اليومية التى صدرت فى بداية الثورة برأس مال عربي.. وترأس تحريرها أحمد قاسم جودة، وأسعد داغر اللبنانى، وإبراهيم الشنطى الفلسطينى، وتعثرت هذه الجريدة بعد عام واحد وتحولت لجريدة مسائية، ولذلك تركتها وعملت محرراً بمجلة «التحرير» مع أحمد قاسم جودة، واضطررت إلى تركها عندما تولى رئاسة تحريرها محمد صبيح، وذهبت للعمل بجريدة «الجمهورية».
وأثناء عملى بجريدة «القاهرة» اليومية حدث لى مع أنور السادات موقف فريد للغاية، فبعد مرور ثلاثة أشهر فقط من التحضير لإصدار جريدة «الجمهورية»، أصدر أنور السادات قراراً مفاجئاً بفصل زكريا الحجاوى ! وبعد عدة أسابيع كلفنى الحجاوى بأن أفاتح أنور السادات فى أمره، حيث لم يعد له دخل بعد أن فقد وظيفته الحكومية، وكان السبب فى اختياره للعبد لله لمفاتحة السادات أن السادات عضو بمحكمة الثورة التى تحاكم زعماء الأحزاب المنحلة، وكان العبد لله مندوباً للجريدة فى المحكمة، وكنت التقى به يومياً فى فترات الاستراحة وبعد انتهاء الجلسات، ولأن العبد لله مدب ويخطئ فى أحيان كثيرة فى قياس المسافات بينه وبين البشر، فقد تصورت أن السادات هو نفسه الذى كان يجلس معنا على القهوة، ويناقشنا ويمزح معنا، ولم أدرك حجم التغيير الذى حدث لمصر، التغيير الذى جعله يوقع على قرار فصل الحجاوى وهو من أعز أصدقائه ! تقدمت من أنور السادات فى فترة الاستراحة وكان يقف مع أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة وآخرين، وبعد أن صافحنى بمودة قلت له: «زكريا الحجاوى يا أفندم».
ولم أتفوه بكلمة واحدة بعد ذلك، فقد صرخ فى وجهى صرخة عنترية وهو يقول: «ما تتكلمش عن حد يا محمود.. خليك فى نفسك»!
محمود السعدنى «روز اليوسف» - 15 مايو 1995
زكى طليمات يعالج «لدغة» فاتن حمامة فى حرف الراء !
جاءت الطفلة المعجزة فاتن حمامة إلى الدنيا فى 27 مايو من عام 1931، أطلقت صرختها الأولى مثل كل مولود فى مدينة المنصورة، وبدأت مشوارها الفنى وهى ما زالت طفلة تملك من الجرأة انتقاد المطرب محمد عبد الوهاب الذى يتسبب فى إعادة تصوير المشاهد المشتركة بينهما فى فيلم «يوم سعيد» أكثر من مرة، وطلبت من مخرج الفيلم محمد كريم أن يستبدل عبد الوهاب بممثل آخر يستطيع حفظ دوره !
واليوم نستعيد المشهد التالى الذى حدث فى اليوم الأول من بدء الدراسة بالمعهد العالى لفن التمثيل العربى، المشهد لم يكتبه مؤلف لكنه جرى بين الأستاذ زكى أفندى طليمات مؤسس المعهد وأصغر تلميذاته فاتن حمامة فى الدفعة التى كانت تضم: نعيمة وصفى وفريد شوقى وحمدى غيث وشكرى سرحان وعبد الرحيم الزرقانى، كان الطلبة يطلقون على زكى طليمات لقب «الجرادة» لأنه عندما كان يراقب عليهم فى امتحانات القبول التحريرية كان يتنقل بينهم بقفزات الجرادة لكى يضبط من تسول له نفسه جريمة الغش.
اقرأ أيضا| عانى من الإفلاس وتلقى علقة ساخنة في أول فرح.. حكايات من حياة إسماعيل ياسين
وقد أراد الأستاذ المعروف عنه الصرامة والجدية أن يذيب الرهبة والجمود من نفوس تلاميذه من الحصة الأولى، فتعمد أن يتفكه معهم واحداً وراء الآخر إلى أن وقعت عينه على «العروسة» التى وصفها فى كتابه «وجوه وذكريات» بأنها كانت تجلس خلف تلميذٍ فى حجم الفيل ينمو فيه كل شيء من غير حساب، بينما هى كانت شيئاً صغير الحجم ينمو بحساب دقيق ويؤلف قطعة من فتاة وسيمة، وجه صغير بالغ الوسامة كوجه العرائس الغالية، تتحرك فيه وبلا انقطاع عينان واسعتان يختفى وراءهما قلق وفضول لا ينقطع.
أشار لها زكى طليمات بيده وهو يقول لها: «تعالى هنا يا عروسة»، وقفت وهى تحتج قائلة: «أنا مش عروسة يا أستاذ»، فقال مندهشاً من جراءتها: «طب ما تزعليش بكرة تبقى عروسة، اسمك إيه بقى؟»، أجابته «فاتن حمامة»، تفكه معها قائلاً «على كده بتعرفى تطيرى يا شاطرة؟»، قالت بجدية: «يعنى إيه؟».
فقال: «مش انتى حمامة؟»، ردت بحزم: «لأ.. أنا فاتن»، واصل تفكهه متسائلاً: «وأزاى يا فاتن أفندى يبقى نصف اسمك الثانى مؤنث؟»، ضجت القاعة بالضحك فنهر الأستاذ تلاميذه وعاد ليسألها عن سنها فلم تجب، كرر السؤال فصمتت.
قال الأستاذ فى نفسه: إن الصغيرة على حداثة سنها أدركت بغريزة جنسها ما يجب أن تفعله أمام سؤال كالذى وجهه لها، فطلب منها أن تصعد إلى المنصة لتمثل أى دور مما تحفظ، وجاءت النتيجة وفقاً لتقييم الأستاذ كالتالى: «لم يكن فيما قدمته فاتن شيء من الحذق الفنى، من الصنعة فى أحسن حالاتها، ولكن كان هناك أشياء تنبئ عن فطرة سليمة، صوتها ضعيف لكنه ثاقب وساخن ينفذ إلى القلب، تحس ما تقول إحساساً عميقاً يرتسم على كل أعضاء جسمها، مثل صندوق آلة الكمان أو العود الذى يهتز بكل كيانه عندما تلامسه ريشة العازف».
ولاحظ الأستاذ أن حرف الراء يتحول على لسانها إلى حرف «الغين» على طريقة أهل باريس، وهذا عيب جوهرى من عيوب النطق بالنسبة لأساتذة فن الإلقاء، للأسف العروسة الجميلة فاتن تأكد أنها «لدغاء» وعلى الأستاذ معالجة هذا العيب، لذا صرخ فيها قائلاً: «طلعى لسانك»، وجمت فاتن ثم فتحت فمها ثم أغلقته وهى تحتج على هذه المعاملة وتؤكد أن «لسانها مش ناقص حتة!».
ويقول زكى طليمات: «كنت أعرف أن لدغة فاتن لا ترجع إلى نقص فى الخلقة بدليل أن بقية الحروف تجرى على لسانها سليمة، لدغتها ترجع إلى كسل فى طرف لسانها، فهو لا يتذبذب بالسرعة اللازمة لتكوين حرف الراء ونطقه سليماً، فجعلتها تتعرض لهزات من الانفعالات والغضب التى يثور معها الدم وصحت بها: «مفيش يا فاتن غير الفرنسيين اللى عندهم اللدغة دى»، فبادرتنى بتحدٍ قائلة: «لكن أنا مصرية ومش فرنساوية» وتعمدت أن أستفزها أكثر فقلت: «طيب اسألى أبوكى»، ردت منفعلة: «أبويا مصرى وجدى مصرى».
واصلت استفزازها أكثر قائلاً: «طب اسألى والدتك»، وضج الطلبة بالضحك وأدركت فاتن المعنى المختبئ وراء ما قلت فانتفضت يرتجف كل ما فيها، وهنا صحت بها قائلاً: «كان لازم تخلى الجزمجى ياخد لك غرزة فى لسانك قبل ما تيجى تدرسى بالمعهد»!
كتب الأستاذ زكى طليمات على السبورة عبارة طويلة تحتوى على عددٍ من حروف الراء وأمر فاتن بأن تقرأها بسرعة وفى مرات متتابعة، واندفعت فاتن وهى غاضبة تنفذ ما أمُرت به ووقعت الأعجوبة، بدأت اللدغة تفقد حدتها تدريجياً ثم تلاشت، فصفق لها الأستاذ وهو يقول: «أحسنت يا فاتن، هذا التمرين تباشرينه كل يوم عشر مرات مع بقية التمارين الأخرى التى سنعالجها فى الدرس القادم»، وانتهى المشهد الذى صنع لنا سيدة الشاشة العربية وخلصها من عيبٍ أساسى فى آلة النطق على يد الصارم زكى طليمات أستاذ هذا الجيل ومؤسس أكثر من معهد للفنون المسرحية بالمنطقة العربية.
عاطف النمر
الدنيا لما «تكشر» فى وجه ملك ملوك الضحك
52 عاماً مرت على رحيل ملك ملوك الضحك والفكاهة إسماعيل يس الذى رحل عنا فى 24 مايو من عام 1972بعد رحلة طويلة مع المنولوج والمسرح والسينما عانى خلالها شظف العيش وقلة الرزق وضيق الحال حتى وصل لقمة المجد الذى لم يصله ممثل آخر، وتدهورت به الأحوال فى نهايات حياته بما هو غير متوقع، وفى ذكرى رحيله نستدعى المقال الذى كتبه لمجلة « الفن » ويروى فيه صعوبات البداية وآلامها قائلاً :
فى ليلة شتوية من ليالى الكفاح الأولى فى سبيل الوصول الى المجد، ليلة تذكرنى بأيام الفقر والبؤس التى كنت أعيش فيها عندما بدأت جهادى فى ميدان الفن، كنت قد غادرت السويس وأقيم عند أحد اقاربى بالقاهرة ريثما يتيسر الحال وأستطيع أن أسكن بمفردى، وفى هذه الليلة كنت عائداً منهك القوى متعب الأعصاب فقد ظللت طوال اليوم أبحث عن عمل، لكننى فشلت وكنت كمن أقُفلت الأبواب فى وجهه، وأبت الأقدار أن تحاربه فى الحصول على لقمة العيش، كنت أحمل فوق رأسي هم الدنيا.
ولست أدرى ما الذى حدث بيني وبين قريبى الذى أسكن عنده، دخلنا فى نقاش لم أطق السير فيه، وقررت فى لحظة غضب أن أترك منزل قريبى وأسافر الى السويس، توجهت الى المحطة وكان القطار يقف على الرصيف، وفى أحد صالونات الدرجة الثانية تمددت على الكرسى كأى مسافر يحمل تذكرة، ومع الأفكار والخيالات داعبني سلطان النوم فاستسلمت لدعابته ورحت فى سباتٍ عميق .
استيقظت على هزات خفيفة وصوت يرن فى أذنى كأنه قصف الرعد وهو يقول: «اصح يا فندي، تذاكر من فضلك»، كان كمسارى القطار ونزلت علىّ كلمة «تذاكر» كأنها الصاعقة، فنهضت من نومى وملأنى الفلس شجاعة لا عهد لى بها وقلت فى نفسى: «هيه موته ولا اكثر»، وقلت له: «أنا ما قطعتش تذكرة»، أخرج من جيبه دفتراً وأخذ يكتب ثم نظر لى قائلاً: «طيب هات 80 قرش»، ابتسمت قائلاً : «للأسف ما قطعتش تذكرة لأنى ما عنديش فلوس».
وقصصت عليه قصتى مع قريبى مبيناً أننى مضطر للسفر إلى السويس عند أهلى، وقلت فى ختام روايتى «اديني قدامك اهو، عاوز تسلمنى للبوليس سلمنى، أنا مستعد أعطيك ثمن التذكرة عندما نصل للسويس»، وأحسست أن الكمسارى اقتنع بحكايتى التى كنت أرويها بتأثر بالغ حتى يلين قلبه، ثم قال: «طيب يا سيدى لما نشوف».
الله وضع الحنان فى قلب الكمسارى والا كانت العاقبة وخيمة، واطمأن قلبى وعدت لجلستى، ومددت رجلى ووضعتها على الكرسى المقابل فى كبرياء، وفى أول محطة وقف بها القطار، أخرجت القرش اليتيم من جيبى واشتريت جريدة الصباح، وأخذت اقرأ وكأن شيئاً لم يحدث، واقترب القطار من السويس، وكانت الساعة قد قاربت الخامسة صباحاً وإذا بالكمسارى يقف خلفى والابتسامة لا تفارق شفتيه، وقف القطار فنزلت وورائى الكمسارى وأنا أفكر ماذا افعل، هل أجرى، ربما جرى الرجل خلفى، وتبقى مشكلة.
وبينما أنا غارق لأذنى فى هذه الأفكار إذ بمعاون المحطة يقبل علىّ معانقاً وهو يقول: «أهلاً إسماعيل، حمد الله على السلامة، كنت فين يا راجل غايب المدة دى كلها»، وكأننى فى هذه اللحظة عثرت على كنز ثمين، همست فى أذنه «الحقنى أنا وقعت وأنت استلقيتنى» فقال: «خير، أى خدمة»، وفى هذه اللحظة تدخل الكمسارى قبل أن أشرح لصديقى المعاون القصة قائلاً: «صباح الخير يا حضرة المعاون، أنت تعرف إسماعيل»، فقال صديقى المعاون: «ايوه أعرفه كويس قوى، فيه حاجة ؟».
وتصبب العرق بغزارة على جبينى وكدت أسقط من طولى، واستطرد الكمسارى قائلاً: «ابدا، ده إسماعيل ده شخصية لطيفة قوي، دا هلكنى من الضحك طول السكة» ومد لى ذراعه وهو يقول: «فرصة سعيدة قوى يا سي إسماعيل، لازم نشوفك تانى فى ظروف أسعد من دى، سلام عليكم يا حضرة المعاون».
لم أصدق أننى تخلصت من المأزق المحرج، وحمدت الله على أننى لم أشرح القصة لصديقى المعاون، حملت حقيبتى وودعت المعاون، ولم أمكث فى السويس إلا 24 ساعة عدت بعدها إلى القاهرة، وبدأت قصتى مع الكفاح المرير حتى وصلت لما أنا فيه والحمد لله، ولست أتمنى شيئاً فى حياتى إلا أن أقابل هذا الكمسارى مرة أخرى، لعله يقرأ هذه السطور فيأتى لمقابلتى حتى أستطيع أن أرد له الجميل.
إسماعيل يس «الجيل الجديد» - 22 مايو 1956
حتى الأشجار تقاتل
بقلم: يوسف إدريس
وأنا أتلقَّى الدرس الكبير من الطبيعة كنت لا أكاد أصدِّقه، أحيانًا يُخيَّل إليَّ أن بساطًا سحريًّا نقلنى فى الأحلام إلى قلب الغابة، وأحيانًا يُخيَّل لى - رغم واقعية كل شيء ومعقوليته تمامًا - أن الروعة أكبر من أن تكون حقيقة؛ فهو لم يكن جميلًا فحسبُ، كان مروِّعًا موقِظًا مستفزًّا.
«السقوط» هكذا سمَّوه، وهكذا راحوا يتحدثون عنه ببساطة وكأنها مسألة جوٍّ أو وقت، وأنا من فرط الروعة أحس أنى وحدى المنفعل المبهور المتوجس. السقوط، الغابة بأشجارها العالية المشرئبة فى استقامةٍ وتحدٍّ نحو الفضاء، أعواد السنديان مستقيمة كالمسطرة «سرحة» كالبالرينا النحيلة اليافعة، ثم السقوط.
قالوا: غدًا، يوم أول الشهر، سيبدأ السقوط.
وأخذتها ككل الكلام ببساطة أو بلا تصديق حقيقى لما يقولون، ولكن الساعة الكونية البالغة الدقة، كما دقت أول يوم فى الشهر فى ميعاده تمامًا، وبدأ الخريف فى نفس اليوم بالضبط، منذ أوائل ساعات الصباح الأولى بدأت أوراق الأشجار الكثيفة الخضراء تشحب، وفى اليوم التالى بدأت تَصفرُّ وتَصفرُّ.
ثم بدأت تتساقط، والأرض تلك التى كانت جرداء عارية إلا من أعشابها التقليدية بدأت تستقبل الورق الساقط، آلاف، وملايين الأوراق تفرش الأرض، وتهبُّ الريح فتدفعها موَشْوِشة وتتطاير بها أدراج الرياح. وفى أسبوع واحد كانت كل الأوراق قد تساقطت تمامًا من فوق الأشجار، وأصبحت كل شجرة ليست سوى الساق الرفيعة الطويلة ذات الأفرع الصغيرة، واقفةً جرداء غريبةً كثيرةً كجماعة نسوة كبيرة محلوقات الشعر.
عجبت للسرعة التى تمت بها العملية والدقة والشمولية.
من أين أخذت الأشجار الأمر؟ وكيف نفَّذته كلٌّ منها فى نفس الوقت واللحظة؟
ومَن قال لماء الحياة أن يجفَّ فى الورقة إلى أن تسقط وحدها ومن تلقاء نفسها ميتة؟ أهو الجوُّ قد أعطى الأمر؟ لم يكن الجوُّ تغيَّر كثيرًا. إنه نفس جوِّ الأسبوع السابق. فكيف ومن أين نبعت هذه الدقة الغريبة، هذا الخضوع المطلق لخاصية التغير؟ لم يكن الجو قد تغيَّر أبدًا، ففيمَ هذا التعرى من الأوراق؟ وفيمَ الوقوف هكذا جرداء كأنها قد تحولت إلى جماد؟
أسئلة سرعان ما أجابت عليها الطبيعة ذاتها، فبعد عشرة أيام تمامًا بدأ جو ضواحى موسكو يتغير وينخفض، وكأنما بأمرٍ كونيٍّ آخر إلى 10 ثم 5 ثم الصفر.
كانت الأشجار إذن تستعد لمقدم الخريف ثم الشتاء، وكانت تعرف أن المعركة التى عليها أن تخوضها معركة رهيبة ضد البرد الهالك. ضد الثلج الذى بدأ يتساقط.
كانت تعرف أنها معركة حياة أو موت، وأن عليها أن تستعد لها بحيث لا تترك ثقب إبرة لنقطة ضعف. كان عليها أن تتخلص من حملها الضخم من الأوراق الذى يُعرِّضها لأكبر جرعة من البرد.
وهكذا لم تتعرَّ حسبما تصورت، إنما انكمشت روح الحياة فيها إلى أقصى قدر وبحيث تستحيل الجذوع والفروع إلى ما يشبه الأسلاك الخشبية الميتة وما هى بميتة، إنما هى آخذةٌ وضع الاستعداد، وضع الميدان؛ فالحرب الرهيبة ضد الشتاء مقبلة ولا مكان للهزل، فإما دفاع عن كُنْهِ الحياة فيها إلى آخر رمق، وإما الفناء والموت.
وقفت وسط الغابة الساكنة الصامتة صمتًا مريبًا صمت الجد، صمت المعركة الخفية الدائرة، والثلج يغمر الأرض بعدما كانت تغمرها الأوراق، وآلاف الجنود الشجرية سامقة، عالية، مهيبة، تدافع عن نفسها ضد جوٍّ أصبح تحت الصفر، صامدة فى بطولة، قد تخلصت من كل معوقات المعركة وكست نفسها بزى الحرب الكابى وأخذت تقاتل، وبعنفٍ مستميت بطوليٍّ تقاوم، أبدًا لن ينتصر الشتاء، ورغم الثلج وبرودة الثلاثين تحت الصفر ستبقى.
فما وُجِدَت وما زُرِعَت إلا لتبقى، وليكن بقاؤها بمعركة، ولتكن المعركة رهيبةً أو مفجعة، فلا بد أن تقاتل؛ فالشتاء طويل لن يرحم، ولا شيء فى كل ما يدور بالحياة وتدور به الحياة لا يكون إلا بمعركة، ولا معركة إلا بقتال، وأن تبقى مقاتلًا أو تقاتل لتبقى هو القانون. وقفت وسط الغابة مسحورًا ببطولة الشجر، ببطولة الحياة البكماء الصماء العمياء وهى تدافع عن وجودها.
من كتاب «شاهد عصره»
الإنسان أكثر ما يدهشنى فى الكون، يضحى بصحته من أجل المال، ثمّ يضحى بالمال من أجل استعادة صحته، قلق على مستقبله لدرجة أنه لا يستمتع بحاضره!
الدلاى لاما


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.