حين اُتهم الرئيس الراحل «أنور السادات» في شبابه بمقتل «أمين عثمان», تم احتجازه في مستشفي قصر العيني، لسبب صحي، وقرر الهرب إلي مكان آمن, وساعده معاون المستشفي « محمد علي ماهر» الفنان والمخرج الإذاعي الذي كان يقدم برنامجاً رمضانياً بعنوان «أحسن القصص»، ومعه الدكتور «ياسين عبد الغفار» الذي صار بعد ذلك طبيباً للفنان «عبد الحليم حافظ»، وكان صديقاً للحجاوي، وقاما بتهريب السادات في ملابس ممرض، واصطحبه الحجاوي وابن شقيقه عزت، وسافروا معا إلى مدينة المطرية في صندوق عربة نقل، في عز البرد، واستضافاه في بيتهما بالمطرية. وكان الحجاوي معتادا علي استضافة أصدقائه من الفنانين والأدباء, في المطرية لقضاء إجازاتهم بين الصيادين في حيرة المنزلة. ووفق رواية «الحاجة عائشة الشهيرة بعائشة الريس»، قالت: كان زكريا يأتي ببعض أصحابه من القاهرة، وينزلون عندنا في بيت والدي، مثل الصحفي «محمود السعدني» والممثل «محمد رضا», وذات يوم جاء «زكريا الحجاوي» ومعه شاب أسمر يرتدي زيا فلاحيا، وعلي رأسه عِمَّة، وقدمه إلي والدي وإخوتي علي أنه صديق, وسيقيم عندنا بعض الوقت ضيفا عزيزا. وكان زكريا يصطحبه إلي البحيرة, ويركبان المركب مع الصيادين طوال النهار, يصطادان ويطبخان مع الصيادين, وعند عودتهما في المساء كنا نُعد لهما السمك بأنواعه, خاصة «الصيادية» التي كان يطلبها، ثم يسهران مساء في قهوة علي شاطيء البحيرة مع الصيادين, واستمر هذا الحال لعدة أشهر, وبعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 كشف زكريا الحجاوي لنا الحقيقة, وعرفنا بأن من ضايفناه هو البطل محمد أنور السادات الذي كان متهما بقتل أمين عثمان. وتعود علاقة« أنور السادات» ب «زكريا الحجاوي» إلى الوقت الذي كان فيه السادات مغرما بالتمثيل، وفي لقائهما الأول رآه الحجاوي منهمكاً بقراءة إحدي روايات الجيب، وبدأت صداقتهما من تلك اللحظة، حين تبادلا الحديث عن الأدب والفن. ويروى الناقد الراحل «رجاء النقاش»: «كنت أسكن في حارة مهدي الصغيرة الضيقة في شبرا, ولم يكن زكريا الحجاوي يعرف عنوان بيتي ولكنه كان يعرف اسم الشارع, وكنا في أواخر سنة 1953 وكان يعرف أنني أعاني مع أسرتي من محنة صعبة, وكان الحل الوحيد هو أن أترك الجامعة, وألا أستكمل تعليمي, وأن أبحث عن أي عمل أخرج به أنا وعائلتي من المحنة! وذات صباح فوجئت بزكريا الحجاوي في بيتي سألته كيف وصلت إلي البيت يا أبي، كان هذا هو اللقب الذي ينادي به رجاء أستاذه الحجاوي فقال: «إنني أعرف اسم الشارع الذي تسكن فيه, جئت إلي الشارع وطرقت كل الأبواب, وسألت في كل الشقق عنك حتى عثرت عليك أخيرا إنني منذ ساعات أبحث عن شقتك». لماذا تعبت يا أبي كل هذا التعب في البحث؟ عندي لك خبر سعيد لقد عرضت مشكلتك علي «أنور السادات» المسئول عن جريدة الجمهورية, وقلت له إنك طالب جامعي مجتهد, وإنك مهدد بأن تتوقف عن تعليمك بسبب ظروفك, فقرر تعيينك في أرشيف جريدة الجمهورية بعشرة جنيهات في الشهر, وعليك أن تبدأ العمل منذ اليوم, وقبل صدور الجريدة, وسيكون العمل في المساء, فلن تتعطل عن دراستك». وكان هذا القرار طوق النجاة لعائلتي في وقت كانت النجاة فيه صعبة, بل ومستحيلة». ويحكي النقاش أن زكريا لم يستمر طويلا في جريدة الجمهورية لأنه تعامل بالعفوية المعتادة مع السادات، لكن الأخير لم يكن مرتاحا لتلك الطريقة لأنه اصبح عضو مجلس قيادة الثورة، وترك الحجاوي الجريدة بعد عدة أعداد من صدورها. وبالرغم من كل ما قدمه الحجاوى لصديقه «أنور السادات»، عانى الأمرين في فترة تولي السادات حكم مصر، فقد تم طرد زكريا من وزارة الثقافة، واستبعد من الإذاعة، وخاصة من البرامج التي أسسسها، وأزيل بيته في الجيزة ولم يستطع الحصول على شقة بديلة، واضطر إلى السفر إلى قطر، وأخلص في عمله هناك في جمع التراث، وتصنيفه، لكن القدر لم يمهله كثيرا وتوفي فجأة عام 1975. وفوجئ الرئيس السادات بالخبر الذي آلمه، وأصدر قرارا بإعادة جثمانه من الدوحة، وأمر عمل جنازة عسكرية له،وتعيين ابنه أسامة في الحرس الجمهورى، واعترف للمرة الأولى بفضل زكريا عليه،وشهامته حين استضافه في بيت «السوداني الريس» والد زوجة زكريا. وفي 18 نوفمبر من عام 1979 زار الرئيس السادات مدينة المطرية، وزار أرملة زكريا الحجاوي وشقيقه، وزار كل الأماكن التي عاش فيها أيام هروبه من قضية أمين عثمان في المطرية، وأصدر قرارا بتحويل البيت الذي أواه هو وزكريا إلى متحف،ولم ينبهه أحد إلى أن ذلك البيت لم يكن ملكا لزكريا، إنما يعود لأسرة زوجته، لذا توقف مشروع المتحف قبل أن يبدأ، واختفى المنزل من الوجود بالبيع والهدم والبناء.