هذا الرجل أحترمه، شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، إمام الوعى والتنوير، الذى أضفى على منصبه الرفيع سمات المحبة والتسامح والانتصار لقيم الحياة. تذكرته وأنا أقرأ خطاب تكليف الرئيس للحكومة، وأهم فقراته هى الخطاب الدينى المعتدل وترسيخ مفاهيم المواطنة والسلام الاجتماعي، واستطاع الإمام أن يخلق حواراً ثرياً بين دعاة تجديد الخطاب الديني، وبين المتمسكين بالتجميد، والالتقاء على أرضية المصلحة المشتركة بين الأديان والأوطان والوسطية والتسامح. وأتذكر جيداً يوم زرت الإمام الأكبر فى مكتبه منذ عامين، وكان غاضباً جداً من بعض الصحفيين والإعلاميين، معترضاً على تناول شخصه بما لا يليق، ويراوده شك بأن هناك من يحرك حملة الهجوم ضده. وأكدت لفضيلته كل معانى التقدير، وأننى كتبت مقالاً أثناء الهجوم عليه، وكنت يومها رئيساً للهيئة الوطنية للصحافة، أدعو فيه إلى احترام الإمام الأكبر الذى يمثل واحداً من أعظم الأئمة فى تاريخ المشيخة. وقلت للإمام الطيب إننى ألمس تقدير الدولة والرئيس لفضيلته، وبلغته الصعيدية المحببة قلت "حجك علينا"، وكان على حق فى غضبه وهو يرى تيارات التفكير والتطرف تنتشر كالنار فى الهشيم، بينما يلقى أئمة الاستنارة والوعى ظلماً وتهجماً. وعودة إلى خطاب التكليف فربما كانت المرة الأولى فى تاريخ الحكومات المصرية، التى ينص فيها على الخطاب الدينى المعتدل وترسيخ مفاهيم المواطنة والسلام الاجتماعي، وللإمام الأكبر ورغم ان التكليف للحكومة إلا أن المؤسسات الدينية لها دور كبير فى المرحلة القادمة. وبشأن مفاهيم المواطنة، فقد كانت لنا فى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام حوارات ودراسات حول قضايا كثيرة أهمها الأديان والأوطان، وأنهما مكملان لبعضهما بعد أن سادت مفاهيم شديدة التخلف تروج بأن مصلحة الأديان تتعارض مع الأوطان. وخطاب التكليف يحتم الاستمرار فى ترسيخ السلام الاجتماعي، حيث تعتبر السنوات العشر الماضية هى العصر الذهبى للوحدة الوطنية، وأصبح الاحتماء بالهوية المصرية هو العباءة التى تجهض دعوات الفتن الطائفية، بعد أن عشنا سنوات طويلة فى أحداث تحركها مؤامرات داخلية وخارجية. نحتاج جهوداً كبيرة لإزالة بقايا الغبار على دور المرأة فى المجتمع، بعد أن حاولت فتاوى التطرف حبسها فى خيام الرجعية والتخلف، فداستها المرأة بالظهور الفعال فى المجتمع وتبوؤ المناصب والوظائف العامة، ولم يعد فى استطاعة أحد أن يردها للوراء مرة ثانية. أما السلام المجتمعى فقد ترسخت دعائمه من اعتماد الدولة قاعدة العدالة التصالحية، للتعامل مع المشكلات والأزمات، وكان مقدراً لمصر أن تدخل نفق الثأر وتصفية الحسابات والحرب الأهلية منذ أكثر من عشر سنوات. كان هناك من يدعو لمحاكمات الشوارع والميادين، والقتل خارج إطار القانون، ومحاكاة أساليب الفوضى الخارجية واستدعاء نماذج محاكمات النازى فى نورمبرج وجنوب أفريقيا. ولو أريقت دماء الثأر والانتقام ما كانت لتجف حتى الآن، ولكن احتوتها العدالة التصالحية للدولة، تحت مظلة القضاء، فأحدثت مصالحة اجتماعية غير مسبوقة فى تاريخ الأمم، وساد مفهوم السلام المجتمعى تحت عباءة الهوية الوطنية المصرية. خطاب التكليف لأول مرة يتناول قضايا الأمن القومى الاجتماعى وأهمها الوعى الوطني، بعناصره المختلفة، وفى رقبة الحكومة إعلاء شأن هذه القضايا.