مساعدة وزير الخارجية الأمريكية للشرق الأدنى تزور مدرسة STEM للعلوم والتكنولوجيا بالمعادي    سمية الخشاب بتروح له البيت..التيجاني يكشف بالأسماء علاقته بالفنانين    فرق «بداية جديدة» تجوب المحافظات لتوزيع مستلزمات المدارس على الطلاب.. صور    الذهب يفقد مكاسبه بعد ذروة تاريخية إثر قرار الفيدرالي الأمريكي بخفض الفائدة    «المشاط» تبحث مع الاتحاد الأوروبي تكثيف الجهود لمساندة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية    أسعار البيض اليوم الخميس 19-9- 2024 في بورصة الدواجن    إزالة 10 حالات تعدي على الأرض الزراعية بمساحة 2256 متر مربع في بلطيم    حجز شقق الإسكان الفاخر «صبا» بداية من الأحد المقبل.. اعرف الخطوات    هجوم سيبراني جديد من إسرائيل يقتل 20 ويصيب المئات في لبنان    نيويورك تايمز: إسرائيل أنشأت شركة وهمية لإنتاج أجهزة اتصال لاسلكية بمتفجرات    الاحتلال يقتحم قباطية جنوب جنين ويحاصر منزلا    الكويت ترحب بتبني الأمم المتحدة قرارا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين    أيمن الشريعي: الخطيب أفضل رئيس نادي في مصر    معلق مباراة برشلونة وموناكو في دوري أبطال أوروبا والقنوات الناقلة    المشدد 7 سنوات لعامل حاز مواد مخدرة بقصد الإتجار في الشرقية    «راحتله بمزاجها».. أول تصريح من عائلة الاعب أحمد ياسر المحمدي المتهم بالتعدي على فتاة في قطر    ذروة الارتفاع غدًا الجمعة.. متى تنتهي الموجة الحارة الحالية؟ (فيديو)    الجمهور يحتفي بمشهد مؤثر لإيمان العاصي في مسلسل «برغم القانون»    4 مصابين في قصف إسرائيلي استهدف المخيم الجديد بالنصيرات    «الصحة»: ملتزمون بتعزيز سلامة المرضى وتحقيق أعلى معايير الرعاية للمرضى    تقديم 3 ملايين خدمة صحية ضمن حملة «100 يوم صحة» بالمنيا منذ أول أغسطس    «الرقابة الصحية»: نجاح 11 منشأة طبية جديدة في الحصول على اعتماد «GAHAR»    الأوبرا المصرية تقدم العرض الأول لفيلم 'مدرسة أبدية' بنادى السينما    الكهرباء تفسر أسباب تأخر تطبيق خطة تخفيف الأحمال    "قومي المرأة" يتقدم ببلاغ إلى النائب العام ضد صلاح التيجاني ويطلب التحقيق في "اتهامات التحرش"    إزالة 431 حالة تعد على أملاك الدولة والأراضي الزراعية بكفر الشيخ    إطلاق قافلة طبية بالمجان لقرية إكياد البحرية بالشرقية ضمن مبادرة حياة كريمة    «التنورة التراثية» تحصد جائزة أفضل عرض في ختام مهرجان البحر الأبيض المتوسط بقبرص    خلافات سابقة.. حبس المتهم بقتل حارس عقار خلال مشاجرة في الجيزة    وزير الري يتابع جاهزية التعامل مع موسم الأمطار الغزيرة والسيول    إسرائيل تقدم مقترحا جديدا لوقف إطلاق النار بغزة يشمل بندا خاصا بالسنوار    هل يضحي الأهلي بمعلول أو تاو في يناير؟ شوبير يكشف التفاصيل    الاستخبارات الأمريكية: إيران عرضت على حملة بايدن معلومات مسروقة من حملة ترامب    تراجع أسعار الحديد والأسمنت اليوم الخميس في الأسواق (موقع رسمي)    النيابة تستمع لأقوال جيران سوداني لقي مصرعه في حالة سكر بعين شمس    مأساة عروس بحر البقر.. "نورهان" "لبست الكفن ليلة الحنة"    فريق صحة الإسماعيلية يشارك باحتفالية تكريم السيدات بمكتبة مصر العامة (صور)    القصة الكاملة لمحاكمة أحمد ياسر المحمدي.. اللاعب متهم باستدراج فتاة أجنبية واغتصابها.. والمتهم: "اللي حصل برضاها وأنا باخد دواء للأعصاب"    بوريل يرحب باعتماد الأمم المتحدة قرارا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين    جامعة العريش تُطلق أول مسابقة للقيادات الإدارية    الأهلي يعقد مؤتمرًا صحفيًا اليوم لإعلان تجديد الشراكة مع ال«يونيسيف»    بعد نجاح كوبليه "شكمان الصبر مفوت"..ما علاقة أحمد حاتم ب تأليف الأغاني؟    "الراى الكويتية" تبرز تأكيد الرئيس السيسى على دعم لبنان.. وحرص مصر على أمنها    برج القوس.. حظك اليوم الخميس 19 سبتمبر 2024: لا تلتفت لحديث الآخرين    «أيام الفقر وذكرياته مع والده».. ماذا قال الشاب خالد في برنامج بيت السعد؟ (تقرير)    حكم صلاة الاستخارة للغير.. هل تجوز؟    لاعب الزمالك يطلب الرحيل عن الفريق قبل مباراة الأهلي.. عاجل    كيفية الوضوء لمبتورى القدمين واليدين؟ أمين الفتوى يوضح    موعد مباراة مانشستر سيتي وأرسنال في الدوري الإنجليزي.. «السيتيزنز» يطارد رقما قياسيا    إدراج 51 عالما بجامعة الزقازيق ضمن الأكثر تميزًا في قائمة ستانفورد الأمريكية    «افتراء وتدليس».. رد ناري من الأزهر للفتوى على اجتزاء كلمة الإمام الطيب باحتفالية المولد النبوي    اتحاد الكرة: تغيير لائحة كأس مصر وارد ليس لمجاملة الأهلي    عاجل - الأرصاد تحذِّر بشأن حالة الطقس اليوم الخميس 19 سبتمبر 2024    دورتموند يكتسح كلوب بروج بثلاثية في دوري الأبطال    حامد عزالدين يكتب: فمبلغ العلم فيه أنه بشر وأنه خير خلق الله كلهم    بشاير «بداية»| خبز مجانًا وقوافل طبية وتدريب مهني في مبادرة بناء الإنسان    هل موت الفجأة من علامات الساعة؟ خالد الجندى يجيب    الفنانة فاطمة عادل: دورى فى "الارتيست" صغير والنص جميل وكله مشاعر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سفير فلسطين بنيجيريا يكتب: بين العزلة المئوية لجابرئيل و107 أعوام من عزلة الفلسطيني

كتب السفير عبد الله أبو شاويش، سفير فلسطين بنيجيريا، مقالًا جديدًا ل"بوابة أخبار اليوم"، بعنوان "بين العزلة المئوية لجابرئيل و107 أعوام من عزلة الفلسطيني"، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وإليكم نص المقال:
بمهارة مذهلة؛ وفي روايته مائة عام من العزلة، أضاعنا – بحب - الكولمبي جابرئيل جارسيا ماركيز في متاهات كثيرة، حتى لو أنك أعدت قراءة الرواية مرات عديدة فسوف تشعر دائماً بالضياع ولن تستطيع ابداً ربط الاحداث والشخصيات، وباستثناء خوسيه وأورسولا المؤسسين والعقيد أورليانوا - الشخصية المركزية في الرواية - من وجهة نظري طبعاً- فإن باقي الشخصيات وأبطال الرواية تتداخل بطريقة تحتاج معها إلى رسم شجرة عائلة خوسيه أركاريدو بوينديا لتستطيع التسلل بين الاحداث المتداخلة وتفهم القصة وتعقيداتها، تماماً كما تقرأ التوراة فإنك تحتاج أيضا لخريطة وشجرة عائلة لكل من ذكروا فيها كي تستطيع إعادة تركيبها في ذهنك وهضمها.
الحالة الفلسطينية هذه الأيام بالذات أكثر تعقيداً من أحداث ماركيز وتعاليم العهد القديم، الفرق أن التيه الأصيل في يوميات سلالة بويندا واختلاط الأحداث بعضها ببعض؛ كما رحلة سلالة تارح من اور الكلدانيين؛ فيها متعة غريبة تدفعنا لإعادة القراءة مرات كثيرة أخرى. تيه الحالة السياسية الفلسطينية اليوم بالذات؛ أكثر تعقيداً من تلك التي ألقى بها إلينا صانع العزلة المئوية غابرئيل، وليس فيه متعة بتاتاً بل يوميات تكتب بالدم والدموع والألم.
مع تأَّكد حتمية الفشل الاسرائيلي الغربي في تحقيق أي من الهدفين المعلنين للحرب؛ استعادة الاسرائيليين وتدمير القدرات العسكرية الفلسطينية؛ وعلى مدار أربعة شهور تضاربت فيها التصريحات والمواقف من صُناع ومدّعي صناعة السياسة والمؤثرين في الأحداث، بدا واضحاً تماماً أن لكل منهم نجمه القطبي الذي يستدل به على شماله السياسي، وأضحى جلياً أيضاً أن جميع اسطرلاباتهم فيها عطب؛ هذا باعتبار أننا صدقنا أن وجهتهم الشمال أصلا!
إذا ما تناولنا تصريحاتهم المتضاربة والتي بجميعها تهدف لتحميل المسؤولية للفلسطينيين عن الفشل في صنع سلام مستدام وبدء الحرب، وارتأوا لتصحيح هذا الخطأ جملة شروط لا بد من تحقيقها ووضعوا لها عنواناً عريضاً أسموه "سلطة فلسطينية متجددة"، فيما لا يزالوا يحجزون -لإسرائيل- حصراً مقعد الضحية للابن الرابع للملك شارول داود، ويمدونها بالمقاليع لقتل جليات وسلالته باعتباره حقاً اصيلاً ومباركاً للدفاع عن النفس، أما أبناء الإقليم فلقد تكرَّم الشماليون بتحميلهم تكاليف اليوم التالي للحرب، اي إعادة الإعمار باعتباره دوراً مركزياً أصيلاً من نصيب الطائيين، وبشروطهم ومحدداتهم؛ أي الشماليين طبعاً، ووكيلهم داوود بالمطلق سيما أنه المورد لبضائع إعادة الإعمار.
في زيارته الأخيرة للمنطقة؛ لبنان تحديداً؛ قال وزير الخارجية البريطاني "لغواً أو قُل كلاماً" لا يمكن أن يفهم منه جملة مفيدة واحدة، قال أن بلاده مستعدة أن تعترف بفلسطين بعد الحرب شرط أن هذا الاعتراف لن يتم بينما حماس في غزة، وأن هذا الاعتراف لا يمكن أن يكون في بداية المحادثات بين المسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين وكذلك لا يمكن ان يكون في نهايتها باعتبار ان هذه خطوة حقيقية في اتجاه حل أكثر واقعية للقضية الفلسطينية.
اليهودي الصريح بلينكن أيضاً قال كلاماً غير مهم في موضوع الدولتين حيث "أعطى تعليماته لطاقم وزارته لدراسة الخيارات الممكنة للاعتراف بالدولة الفلسطينية". الطامة انه وفي الوقت الذي تحدث فيه بلنكن عن دراسة خيارات الاعتراف بالدولة يقوم مجلس النواب الامريكي بإقرار قانون يمنع بموجبه أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية من الدخول إلى الأراضي الأمريكية. الأمر الخطير في الموضوع هو استكمال محاولات قديمة غربية وبالتعاون مع البعض في الإقليم لتقويض دورها القانوني كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني في الطريق بالتأكيد لترتيبات ما بعد الحرب ودولة غزة. ناهيك طبعاً عن الدعم غير المشروط عسكرياً وسياسياً الكفيل باستمرار المقتلة والمجاعة والهدم الممنهج لحياة الفلسطينيين، هدماً سيعيش معهم أجيالاً قادمة في مئوية التيه والعزلة والاضطهاد القادمة.
جميعها تخرصات للتغطية على التصريحات الرعناء التي يطلقها قادة القاعدة العسكرية الغربية اسرائيل في الشرق الاوسط، والتي يرفضون فيها قيام دولة فلسطينية في الوقت الذي هم - أي الغربيون- أحوج فيه للحديث نظرياً عن دولة فلسطينية بشروطهم طبعاً. وزير الخارجية البريطاني لم ينسى أن يضع شرطاً تعجيزياً لقبول أحفاد بلفور الاعتراف بالدولة الفلسطينية وهو خروج قادة حماس من غزة، وحتى بافتراض أنهم أي القادة من الصف الاول والثاني ارتقوا جميعاً بالغارات الاسرائيلية، فهناك صف ثالث سيصعد تدريجياً ليأخذ مقعد القيادة، انه صف قادم من وحل ساحة المعركة على الأغلب أكثر من قيادة الصف الأول، وهؤلاء بالتأكيد لم يستمعوا يوماً للنواب ومع ذلك فلن "يشاركوا بالحل السلمي قليلاً" أو كثيراً، ببساطة هم ليسوا أبناء هذا الميدان بتاتاً. موظف التاج البريطاني يضع وصفات تعجيزية غير قابلة للتطبيق بتاتاً ولا أعلم إن كان يعلم ذلك أم أنه يريد أن يملأ فراغ يوميات وظيفته فيقول كلاماً مجرد كلام. لم يتعلم أبداً أن هناك تغيرات عميقة حصلت منذ زمن "الكُبّانِيّة" إلى زمن الذكاء الصناعي. ما زال يحضر إلى الشرق بنفس العقلية القديمة وإملاءاته منتظراً منا فقط Yes sir.
لقد نبههم الرئيس عباس مراراً وتكراراً بأن الوقت يمضي، وأن عليهم الاعتراف بالدولة الفلسطينية كلوح خشب أخير من حطام سفينة حل الدولتين الغارقة، على أمل أن يوصلنا إلى اليابسة لإعادة البناء، ما الذي منعكم منذ زمن من هذا الاعتراف؟ لا شيء سوى التأجيل والمماطلة للتأكد من أن إسرائيل فرقة استطلاعهم تتم مهماتهم الكلاسيكية في الشرق وشمال إفريقيا، وتنتهي أي إمكانية لهذا الحل باتخاذها خطوات عملية في هذا السياق.
اليوم هناك 138 دولة تعترف بالدولة الفلسطينية، وعلى أهميته بالتأكيد؛ يبقى السؤال ما الذي سيضيفه اعتراف بريطانيا وأمريكيا وغالبية دول الاتحاد الأوروبي إن لم يترافق هذا الاعتراف مع خطوات عملية لإجبار إسرائيل على الدخول في مسار مفاوضات حدد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية مسبقاً نتائجه النهائية؟ من وجهة نظري علينا أن لا نفرح أبداً بهذه الإعلانات غير الممولة، ويجب أن لا يكون مبهراً وحلماً لنا الاعترافات هذه حتى لا ندخل في تيه الجيل الثاني من سلالة بوينديا كما دخل الجيل الأول من سلالة العائدين عقب اتفاقية أوسلو. لا معنى بالمطلق لأن تزداد عدد الدول المُعترفة بفلسطين دولاً اخرى بدون خطوات عملية لتجسيد هذه الدولة فلسطين على الأرض، وهذا لن يحصل ألا بتقليم مخالب الاستيطان على الفتات المتبقى من خرائط خطة تقسيم فلسطين للعام 1948.
ما الجديد الذي سيضيفه الشماليون بالاعتراف بهذه الدولة التي استخرجت الامم المتحدة شهادة ميلادها على نفس الورق الذي كتبت فيه شهادة ميلاد اسرائيل أي القرار 181؟ اعترافهم ليس مِنّة بالمطلق فهو بالقانون حق أصيل ارتبط باعترافهم بدولة إسرائيل المولودة قانونياً بشهادة "قرار تقسيم فلسطين" والتي هي بالضرورة أيضاً شهادة ميلاد دولة فلسطين. لا منّة بالمطلق في اعترافكم المتأخر 75 عاماً وبضع أشهر أيضاً.
يعلم الشماليون وإسرائيل نفسها أنهم لن ينجحوا بالمطلق في اجتثاث من سينجو من المسلحين الفلسطينيين أو أتباعهم بتاتاً، وأنهم وبعد سبعة عشر عاماً في الحكم صاروا هم مفاصل الحكم نفسها في غزة، وأما الضربات المؤلمة التي تلقوها فإنها لن تمنعهم من الخروج من بين الأنقاض لحكم غزة تانية في اليوم التالي للحرب، أو لتقويض حكم غيرهم لها - وهذا اضعف الايمان- ؛ ولهم القدرة المطلقة على ذلك بالتأكيد. لديهم عشرات الملايين من المعجبين بتجربتهم حول العالم وسيدفعون لهم -مالا- ويسخرون من أجلهم – اعلاما - كل ما يلزمهم لذلك.
إسرائيل وحلفاؤها يتحدثون كثيراً عن حاكم غزة في اليوم التالي ويستبعدون إما بشكل مطلق أو يقبلون بشكل مشروط عودة السلطة للحكم هناك مع طرحهم لخيارات بديلة كثيرة كقوة عربية وأخرى دولية، وغير ذلك من أفكار غير قابلة للتطبيق، فالقوة العربية التي ستنزل لغزة لن تستطيع رد غارة إسرائيلية بعد إطلاق رشقة صاروخية من غزة باتجاه إسرائيل، وهذا سيحث بالتأكيد، وبالتالي فإن موت الفلسطينيين حينها سيكون تحت سمع وبصر القوات المسلحة العربية التي لن تستطيع بالمطلق منع اطلاق الصورايخ ولهم في فشل اسرائيل في ذلك عِبَر. وإذا ما حاولوا منعهم بافتراض أنهم اكتشفوهم؛ وهذا سيحصل بالتأكيد، فإن أي رصاصة تطلقها القوات العربية تجاه المشاكسين الفلسطينيين ستكون وبالاً سياسياً واجتماعياً عليهم إن لم يكن في دولهم قمعاً فمن العالم الاسلامي بالتأكيد شتماً جهراً. لا تحتاج القوات العربية المُقترح دخولها الى غزة الى تهمة؛ كما تتهم قوات الأمن الفلسطينية زوراً، بالتنسيق الأمني وحماية المُحتلين؛ تهمة تضاف الى رصيدهم غير المريح من الحرب التي تطحن عظام ولحوم أطفال ونساء غزة الآن. العرب بالتأكيد وبدون اتفاق سياسي شامل مقبول من كل الأطراف سيما الطرف الحاكم على الأرض في غزة والمسيطر على عقول الناس حول العالم لن ينجحوا، وعليهم ألا يغامروا بتاتاً ويغرقوا في رمال الشريط الساحلي المغضوب عليه.
اذا ما استبعدنا مشروع دولة غزة وهو لا يزال قائما وهناك شواهد عدة على ذلك، فان السلطة الفلسطينية هي الخيار الأنسب وكل ما يقولونه عن اليوم التالي بدون السلطة الفلسطينية هو مجرد تخاريف مصممة بعناية لأن تصبح عودة السلطة هي مطلب السلطة نفسها. حكم السلطة لغزة بدون مشروع سياسي مقبول ومبارك أولا وثانياً وثالثاً من حماس، وانتخابات مستقبلية نتائجها مقبولة مسبقاً من العالم، وبدون سيولة نقدية مضمونة لإعادة الاعمار كلياً وفوق كل هذا وذلك مشروعاً سياسياً واضح النتائج مسبقاً؛ دولة على حدود 67 وعاصمتها القدس مع سقف زمني محدد مسبق أيضاً، فإن عودة السلطة لغزة "وهي رغبة إسرائيلية حقيقية بعيداً عن هرطقات نتنياهو في العلن". بدون ما تم الاشارة اليه يعني إضعافها أكثر، ويعني كذلك دخولها والشعب الفلسطيني أربعة عقود أخرى في معالجة قضايا يوميات حياة المنكوبين في غزة ولن تَفلح. أربعون عاما من التيه يكون الذين لا ينتمون بالجينات لسلالة الذين تاهوا أربعين عاماً في سيناء قد هودوا تماماً وضموا كلياً الضفة الغربية بما سيبقى من سكانها، فيما سيفرض علينا دولة غزة بعد كل هذا التيه كحل نهائي.
إن الاعتراف بالدولة الفلسطينية مهم للحفاظ نظرياً على حل الدولتين، إلا أنه وبدون إسناد عملي؛ أي إجراءات يتم اتخاذها من قبلهم، أي المنادين به، لن يرى النور بتاتاً كما اتفاقية أوسلو نفسها، وهذا الإجراء يجب ان يستهدف علانية تقويض سلطة الاحتلال على الأرض الموعودة للدولة الفلسطينية.
هذه ليست تشاؤمية كما قد يعتقد البعض أبداً. التصريحات الغربية المتعلقة بحل الدولتين ليست أكثر من كروت صفراء ومكابح لتهور الفاسد نتنياهو بإعلان موقفة الرافض لحل الدولتين لتمتين أركان حكومته، وليباعد بين نفسه وبين بوابة السجن، وهذا ليس لأنهم مع حل الدولتين أصلا، لكن تصريحات المتهور بهذا التوقيت لا تخدم مصالحهم بتاتاً، ولتذكير باقي زمرة حكومته بأن عليهم أن يعيدوا قراءة وهضم دورهم الوظيفي كما هو متعارف عليه منذ 2 نوفمبر 1917.
في الشرق وكما أنه مُحرّم علينا التفكير في حل الدولتين كما هو منصوص عليه في قرار التقسيم 181، فإننا أيضاً لا نجرؤ على التفكير بمحاولة التفكير بتفعيل البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة ولذا فإن جل ما يمكن أن نطالب به هو إجراءات قانونية ودبلوماسية تقوض دعائم الاحتلال وتمهد الطريق لتنفيذ حل الدولتين.
ترك الجيل المؤسس لإسرائيل دفة الحكم من زمن، جيل فهم تماماً حدوده وحدود مسؤولياته وقدراته باعتبارها اي اسرائيل محطة استطلاع متقدمة للاستعمار الكلاسيكي على الطريق التجاري القديم بين آسيا وإفريقيا، ولذا ظل ملتزماً بالوصف الوظيفي للكُبَّنية خاصته ودوره الوظيفي فيها، وظلت الخطوط السياسية الكبري تُصَدَّر له. فيما تُرك له مجال صياغة السياسيات الجزئية لإدارة يوميات الكُبَّنية محطة الرادار. الجيل الذي يحكم اسرائيل اليوم والذي نَفَّذ سياسة تكسير العظام في الانتفاضة الاولى وبحكم تجربة في التغلب على الفلسطيني وصياغة يوميات حياته وقصور نظره، أصبح يؤمن تماماً أنه يمتلك الكُبَّنية الدولة المحطة، ويقرر في السياسة العالمية وأنه بإمكانه أن يَفرض شروطه ورؤيته الكلية حتى على المُشغلين أصحاب خط الانتاج أنفسهم. لا يمتلك سموريتش وبن جفير مواهب سياسية بتاتاً كالتي امتلكها المؤسسون الأوائل، يبعبعون كثيرا ويتطاولون ويجترون تعاليم حاخاماتهم الحالمة بعهود العبرانيين الأوائل.
لم يراجعوا بتاتاً كيف كان سيكون حالهم يوم 8 اكتوبر بدون تدخل ممولي المحطة بالسلاح والعتاد والدعم السياسي غير المحدود، وكيف كان سيكون حال الكُبَّنية لو ان جنود المُعَمَّمين هاجموهم من الشمال، وكيف سيكون حالهم لو أن الشرق أخذ دوره الطبيعي؛ أو على الأقل، أدار ظهره لهم وتركهم يصارعون خصومهم في الشمال والجنوب وحراس مضيق باب المندب؟
في الوقت الذي تَحُثُ فيه محكمة العدل الدولية على اتخاذ خطوات في سبيل منع الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، وفيما يضرب الجوع بطون الغزيين جميعاً تقوم بعض الدول المانحة بالمساهمة بشكل عملي ومباشرة في تنفيذ الإبادة الجماعية بتجويع الفلسطينيين بحجة أن مجموعة من موظفي وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين كانوا من بين المشاركين في هجوم السبت الأول من تشرين الأول الماضي. استهداف يأتي في وقت تحذر تقارير الأمم المتحدة من مجاعة وشيكة وفي الوقت الذي لا غنى عن هذه الوكالة الأممية لضمان عدم موت الناس هناك جوعاً ومرضاً في العراء. مجهود آخر يضاف للمجهود الحربي الغربي من نادي الاحتلال لمحق أي مظهر للحياة والتاريخ في فلسطين، فالوكالة الأممية هي أهم الشواهد العملية على النكبة والتي تتنصل منها إسرائيل ومن تبعاتها.
الحقيقية الغائبة في موضوع الأونروا أن الممولين الغربيين لم يعاملونا كلاجئين فلسطينيين كأفراد، وكل منا مسؤول عن أفعاله، عاملونا بطريقة جماعية، فكلنا مسؤولون عن أي عمل فردي يقوم به أي منا. هذا هو التعريف النموذجي للعقاب الجماعي والفعل التقليدي للمستعمرين الكلاسيكيين في بلاد الجنوب.
العالم غير العادل أعلن قطع التمويل بسبب 12 موظف 3 منهم مجهولي المصير والآخرين حرموا وظيفتهم بمجرد الإبلاغ عنهم وهم قيد التحقيق، اثنى عشر موظفاً من بين ثلاثين ألف موظف يعملون بنفس المنظمة في مناطق عملياتها الخمسة ومن بينهم ثلاثة عشر ألفاً يعملون في غزة وحدها. عندما قُتل مائة واثنان وخمسون من زملائهم في غزة لم نسمع كلمة إدانة للقاتل المعروف إسرائيل. هذه الدول نفسها وبعد حوالي سبعة وعشرين ألف ضحية وغيرها الآلاف من المفقودين تحت الركام لم تعلن عن تعليق إمداداتها العسكرية لضمان استمرار المذبحة. أي عالم ظالم هذا وأي مستقبل أسود ينتظر الشرق تحديداً ودول الجنوب عموماً؟!!
زواج خوسيه أركارديو بويندا من أورسولا ما كان يجب ان يتم لأن السلالة كما تنبأ لها الأجداد محكوم عليها بالعزلة والفناء، وأن يولد اخرها بذنب فتنتهي. منذ الماء البلفوري الدافق 1917، فعلقة نكبتنا في العام 1948 فمضغة الاحتلال 1967، وعلى امتداد الأعوام السابقة كلها إذا ما قرأناها في سياق الحتمية التاريخية كما تلاها علينا ماركس في البيان الشيوعي فهذا الحمل دميم، حَمل انبت مخلوقاً بذنب مشروع محطة الاستطلاع الكُبَّنية التي يَشغَلُها ويُشَغّلها مُدعي سلالة يعقوب، حالها كحال عشرات خطوط الانتاج التي أكلها الصدأ عقب بروسترويكا غورباتشوف كما انتهت سلالة العقيد اوريلنانو نفسه بالفناء وماكوندا غارقة بالعزلة والحر والغبار.
شيء واحد اعتقد أنه سيكون مختلفاً بين عزلة ماركيز المئوية وبين تيه عزلتنا، وهي حتى وإن بدا أن هناك بوهيمية سياسية مُجبرين عليها وضياعاً نعيشه، أكثر من ضياع "كولون ويلسون" في سوهو، ونختلف فيه مع النواب فلن "نصبح نحن يهود التاريخ ونعوي في الصحراء بلا مأوى" وهو أن ابناء الفلسطيني أورليانو لن يمت اي منهم، وهو نفسه لن يمت أبداً فالرصاصة سَتَمُرُ قريباً من قلبه وسيعيش خالداً مثل أبيه تحت الشجرة غارقاً في طموحاته واحلامة والذكريات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.