مدونة السلوك والأخلاقيات الصادرة عن مجلس أمناء الحوار الوطنى، تُجيب عن سؤال مُهم: ماذا ننتظر من الحوار؟. تقول المدونة أن أساس الحوار الأول والرئيسى هو الدستور والانتماء للوطن واحترام مؤسسات الدولة، واستكمال المسيرة الإصلاحية، وإطلاق روح جديدة لتحديد أولويات العمل الوطنى المشترك. وهذا معناه أن الحوار يأتى بمنطق البناء وليس الهدم، وليس للتفتيش والتنقيب عن الخلافات وتصفية الحسابات وإعادة انتاج مُخرجات قديمة، تفرق ولا تُجمع، تشتت ولا توحد. حوار ينطلق إلى بناء الدولة الجديدة بمكوناتها التى ترسخت فى السنوات الثمانية الأخيرة، وأهمها لم الشمل ورأب الصدع والخروج من نفق الثأر السياسى، والتطلع للمُستقبل بروح مُتسامحة ونفس راضية. وتقول مدونة الحوار أن غايته النهائية هى زيادة القواسم والمساحات المشتركة نحو تأسيس الجمهورية الجديدة، وتحكم مناقشاته وقراراته وتوصياته الموضوعية والمصلحة العامة فى مفهومها الأعم والأشمل. وهذا معناه أن الحوار ليس بصدد وضع كعكة على المائدة ليأخذ المتحاورون نصيبهم منها، فلا مائدة ولا كعكة ولا سكين لتقطيعها، وإنما المصلحة العامة فوق المصالح الشخصية، ولا مجال للمطالب الخاصة التى تميز فئة أو أفراداً على آخرين، فلم يكن الحوار أبداً من أجل توزيع الغنائم. وتقول مدونة الحوار إنه ليس ساحة للمناظرات، يحاول كل شخص إثبات صحة وجهة نظره أياً كانت الوسيلة، بل هو مساحة للالتقاء والاتفاق، على قاعدة الموضوعية والتجرد، والانتهاء إلى توصيات ومقترحات عملية قابلة للتطبيق الفعلى. وهذا معناه أن الحوار لن يكون بمثابة «توك شو» لصراع المتناظرين، ولن يكون مسموحاً استخدام السباب أو الألفاظ النابية أو المُسيئة، وعلى المتكلم احترام أصول اللياقة مع غيره من المتكلمين. وتقول المدونة إن إعلاء المصلحة العامة للدولة والمواطن هو الأرضية التى ينطلق منها الحوار، بضمان حرية الرأى والتعبير أياً كانت الاتجاهات والانتماءات، طالما كانت فى إطار احترام الدستور. وهذا معناه عدم المساس بهيبة الدولة، لأنها المظلة التى يلتقى تحتها الجميع، إضافة إلى ضرورة المحافظة على كرامة المؤسسات الدستورية واحترامها، والإلمام بالموضوع بقدر الإمكان. وهذا معناه أيضاً أن نحافظ على بلدنا، ولا نعرضه للعواصف والأعاصير التى كادت أن تعصف به، الدولة التى تتكون من الشعب والسيادة والمؤسسات والأرض، وكلها ضمانات أساسية للأمن والسلامة والطمأنينة، ولا تزال تتذكر كيف حاولت جماعة الشر أن تمحو هوية الدولة وتستبدلها بعباءة الخلافة. الشواهد تؤكد أن الحوار الوطنى لن يكون فى الهواء الطلق، تعبث به الرياح، وإنما غاية نبيلة انطلقت فى توقيت مهم وحاسم، لرسم صورة المستقبل بمكونات حقيقية، تنطلق من إنجازات حقيقية على أرض الواقع، تتحدث عن نفسها، ونراها بعيوننا وعيون الآخرين.