لم أستمع لزغرودة ولا لأغنية راقصة ولا زفة ولا يحزنون، وحين تساءلت مندهشة قيل لي «دي موضة قديمة» بعد التحية والمباركة بأعياد تحرير سيناء لكل أفراد الجيش والشعب المصري، ولأن مظاهرات الأمس مرت علي خير، آثرت أن أتحدث في موضوع مختلف يتصل بالحفاظ علي تراثنا الشرقي الأصيل وهويتنا المصرية المتفردة، فقد شاء قدري خلال الأيام القليلة الماضية أن أُلبي الدعوة لحضور ثلاثة أفراح، اثنين بالعاصمة أحدهما بأحد الفنادق الكبري والآخر علي باخرة تجوب النيل، والثالث بإحدي القري الريفية، ولأنني بسبب العمل لم ألب دعوات منذ فترة ليست بالقليلة، كانت المفاجأة المفجعة لي، فشتان بين ما شاهدته من طقوس في أفراح العاصمة وبين ما شاهدته في الفرح الريفي، لقد اثار انزعاجي وانزعاج كل من هم في سني وجيلي، ليس فقط من الموسيقي الغربية الصاخبة التي تنطلق من هذا المسمي ال « دي جي « والتي أصبحت القاسم المشترك في أفراح العاصمة، بل من دبيب الشباب الذين اجتمعوا يدقون الأرض بأرجلهم ويقفزون في الهواء ويتمايلون ويشلتون « من الشلوت « يرفعون أرجلهم عالياً في وجوه بعضهم البعض مع كل قفزة ووجوههم مغطاه بأقنعة شيطانية وبينهم العروسان يفعلان مثلهما، لم أستمع لزغرودة ولا لأغنية راقصة ولا زفة ولا يحزنون، وحين تساءلت مندهشة قيل لي « دي موضة قديمة «..! وانتهي كل فرح منهم بالمنوال نفسه، نأتي للفرح الريفي الذي أزال الحزن الذي اعتراني من الفرحين السابقين، فرغم تغير التركيبة الاجتماعية بالقري المصرية التي عرفت بأصالتها وهويتها الثقافية المتفردة في ظل موجات التغيير الحضارية المتلاحقة والتي غيرت كثيراً من هويتها الشكلية في البناء والزراعة، إلا أنها ما زالت تحتفظ بالعادات والتقاليد الشرقية المتميزة في أفراح أبنائها وبناتها، فعادات وتقاليد الزواج ما زالت تحتفظ برونقها، الكثير من الأجيال الجديدة وخاصة في المدن لا يعرفونها، لقد بدأ الفرح بالزفة البلدي المعتادة بالرق والطبول، أعقبها افتتاح الفرح بأغنية « تسلم الأيادي « تحية للجيش المصري وهي الأغنية التي أصبحت القاسم المشترك في افتتاح الأفراح الريفية طوال العامين الماضيين، تبعها استكمال مراسم الفرح بالوليمة والأغنيات الخاصة النابعة من تراثنا الشعبي المصري الذي شكل وجدان أجيال متتالية « افرحي يادي القاعة جياكي عروسة الساعة «، « رشوا الملح ياناس م العين «، « الليلة ليلة هنا وسرور وكوبيات في صواني بدور «، ماتزوقيني ياماما أوام ياماما دا عريسي جاي ياخدني بالسلامة ياماما «، « رشوا الشارع ميه عروسة الغالي جاية «، « يا أولاد بلدنا يوم الخميس ها كتب كتابي وابقي عريس الدعوة عامة وها تبقي لمة «، « دقوا المزاهر ياللا يأهل البيت تعالوا جمَع ووفق والله وصدقوا اللي قالوا «، « عين الحسود فيها عود يا حلاوة عريس قمر وعروسته نقاوة «، ويبقي القاسم المشترك بين افراح المدينة والريف هي الزغرودة، وإن كانت في الريف مازالت تحتل المرتبة الأولي في نقاوة الصوت وحلاوته، فهي عادة مصرية متميزة للتعبير عن الفرح والمشاركة في الأفراح، ومن العادات المصرية التراثية القديمة والتي إندثرت كثيراً هذه الأيام ومازال الريف يحتفظ بها ليس في الأفراح فقط بل في كل وقت هي عادة التبخير، أي تبخير العروسين وتبخير البيوت وتبخير المريض بالبخور بهدف الحماية من الحسد، فالبخور له دور كبير في الثقافة المصرية للإبراء من المرض والحسد ودرء الأرواح الشريرة، إنها العادات والتقاليد، الاختلاف والتميز، الذي دثرته المدنية الحديثة في المدن والعاصمة..!