إنها ليلة العرس بعد انتظار. والزغاريد تصدى بها كل دار. بسمات تملأ بالحب أحداقاً وأفواهاً فى زمن كانت الجيران والأصحاب أقرب من الأهل فى جميع المناسبات. دروب مرصوفة بأنوار ساطعة. نجوم تداعب ليل الهنا. إنه قدوم الربيع وفيض الكؤوس. ليلة فرح تطل فيها العروس بعد أن خاطت الشمس لها فستان الزفاف ثم رصّعته ببعض النجوم فأشعل الكون نورها الربانى. سواء اقتنته جاهزاً من محلات شيكوريل وصيدناوى.. أو قامت بتفصيله عند الخياطه.. فإنها ملكة بثوبها الأبيض وطرحتها الطويلة.. ترقص الأطيار حول تاجها بتمائم التغريد.. ويزفّها الأطفال للقمر حاملين الشموع وورود التلال. كنا أطفالاً صغارا نراقب هذا الحدث السعيد بكل تفاصيله من الشرفات، فغالبا تقام حفلات العرس يوم الخميس داخل البيوت أو فوق الأسطح الواسعة التى تتسع لجميع افراد الحيّ. فبات الفرح فرصة للقاء الجيران وحلقة تعارف للجيل الجديد من الشباب والشابات. من أجمل العادات المتبعة فيه، كانت رشّ الملح والنقود المعدنية على رأس العريس والعروس وذلك اثناء جلوسهم أو مشيهم.. اعتقاداً بأن الملح يمنع الحسد، أمّا النقود المعدنية فتجلب لهما الخير الوفير. تبدأ فقرات الحفل بفقرة المطربة التى تشدو: دقوا المزاهر يلا.. ياأهل البيت تعالوا جمّع ووفّق والله.. وصدقوا اللي قالوا عين الحسود فيها عود يا حلاوة عريس قمر وعروسته نقاوة واحنا الليلة دى كدنا الأعادي وعند توصيل العروسين إلى بيت الزوجية، تزف العروسة ب: طالعة السلالم يا مشا الله عليها ست العرايس والعريس في أيديها فيما تتهادى مجموعة العوالم المكتنزات أمام موكب العروسين فى مشهد مهيب لا تكتمل الزفّة إلّا به. من ناحية أخرى، يحظى كل فرد من المعازيم كبير أو صغير بعلبة كرتون فيها سندويتشات جبن رومي وبسطرمة وقطعة جاتو، دون أن نشهد تدافعا على «البوفيه» كما هو الحال اليوم. كانت النفوس طيبة ومرتاحة، لم يكن هناك فرق كبير بين عرس الشاب الفقير أو الشاب الغنى، فالتفاصيل كانت نفسها فى الحالتين.. باستثناء فقرات الحفل. عادة تتفق الأسرة الفقيرة مع فرقة حسب الله -التى يمر على تأسيسها 154 عاما- والتى اشتهرت بتقديم الأغانى الشعبية مثل: «طالعة السلالم»، و«البت بيضة بيضة»، و «يانجف بنور ياسيد العرسان»،.. إلى جانب فقرات يحييها مطربون وراقصات مجهولون من شارع محمد على. بينما تشهد أفراح الأغنياء فقرات يقدمها كبار الفنانين، مثل: المطرب عبدالعزيز محمود الذى اشتهر بلقب «ملك الأفراح»، ومطرب المنولوجات شكوكو، وعمر الجيزاوى، والراقصة كيتى ونجوى فؤاد،.. تراث شعبى وبعيداً عن أفراح المدينة، تعتبر الأغنية فى البيئة الشعبية أحد عناصر الإشهار والإعلان عن الزواج، وهى من شأنها إظهار تقاليد وعادات اجتماعية معينة. كما تؤلف تلك الأغنيات باللهجة العامية المحلية. علماً بأن الفرح فى الريف لا يقتصر على ليلة واحدة، بل إنه يمتد لأربعة أيام أو أكثر، ولكل يوم من هذه الأيام طقوسه وأغنياته الخاصة النابعة من تراثنا الشعبى الأصيل. الليلة الأولى هى «ليلة التنجيد»، وفيها يجتمع أهل العروسين للإعلان عن بداية الأفراح واقتراب موعد الزفاف، لينشدوا: ما تعلّي باب الأوضة يا واد يا بنّا.. وعلّي باب المندره يا واد يا بنّا.. وعلّي باب القاعة يا واد يا بنّا.. ثم تأتي الليلة الثانية، ليلة «نقل الأثاث» من دار العروسة إلى بيت الزوجية.. حيث يحمّل الأثاث على ظهر سيارات النقل الكبيرة وسط سيل من الزغاريد والأغانى: افرحي يادي الأوضة.. جياكي عروسه موضة افرحي يادي المندرة.. جياكي عروسه سكرة افرحي يادي القاعة.. جياكي عروسة الساعة لا تنتهى أغنيات الفرح.. ولا تنقطع الزغاريد.. الكل يشارك بأغانى بسيطة يسهل حفظها وترديدها من الجميع و تعتمد على التكرار اللفظي: رشوا الشارع ميه.. عروسة الغالي جاية رشوا الشارع «كاكولا».. عروسة الغالي منقولة ايوة يا حارة ضالمة .. أحنا اللى نورنا أيوة يا حارة هس هس .. أحنا اللى عمالنلكم حس لا شك أن للنساء - فى مجتمعات الفلاحين والصعايدة- دورا مهما فى اشاعة البهجة نظراً لأنهن أجمل وأحسن ايقاعاً وأداء من الرجال. تسهر النساء فى بيت العروس فى الليلة الثالثة «ليلة الحنة» حيث تتولى إحدى السيدات رسم الحناء على يديها. وبمصاحبة الطبلة الفخارية والتصفيق، يرقصن ويغنين أغانى متوارثة: مدّي ايدك يا عروسة.. مدّي ايدك للحنة مدّي ايدك يا عروسة.. مدّي ايدك واتحني كل واحده من الحاضرات تساهم وتشارك فى الاحتفاليه إما بصوتها أو بهزات راقصة على إيقاع الطبلة وتصفيق الباقيات: بس الوله يجي.. بس الولة يجي يجي عالمحطة. وادبحلوا بطة يجى عند دارنا .. وادبحله حمامنا ، واشاورله يجى يجي عالتسريحة.. وأحطلوا ريحه ولوالد العروس أيضاً نصيب من غناء السيدات: يحيا أبوها يحيا.. يحيا أبوها يا جدعان يحيا أبوها وشنبه.. اللي ما حدش غلبه فى المقابل، يقيم أصدقاء العريس فى منزله «حفلة وداع العزوبية»، ينشدون فيها: حلال عليك ست الحلوين.. عرفت يا عريسنا تنقي رشوا الملح يا ناس م العين.. ورقصوني ده أنا من حقي الليلة ليلة هنا وسرور.. وكوبيات في صواني بدور وأخيراً، نصل إلى اليوم الموعود «ليلة الدخلة» .. فيه تعلق الأنوار على بيت العروسين. بينما أصدقاء العروسة يحيطون بها في إحدى غرف المنزل حيث تجلس بين يدي «الكوافيرة «ليغنين لها: ما تزوقيني يا ماما.. قوام يا ماما ده عريسي هايخدني.. بالسلامه يا ماما وفى بيت العريس، يتكرر نفس المشهد حيث يغنى له أصدقاؤه وهو يرتدي ملابس الفرح: ادلع يا عريس يا بو لاسه نايلون ادلع يا عريس وعروستك نايلون عند بيت أم فاروق.. هاي هاي والشجرة طرحت برقوق.. هاي هاي واللي بحبه جدع مرزوق وبلاسه لاسه نايلون عند بيت أم حنان.. هاي هاي والشجرة طرحت رمان.. هاي هاي واللي بحبه جدع عجبان واللاسه لاسه نايلون شوفوا البت القداره.. هاي هاي رايحه المحطة بنضارة..هاي هاي تدي لحبيبها اشارة واللاسه لاسه نايلون سبحة للزمان كرت ما بين عرس وبين عرس.. كم ليلة بالزهور أغنت عن ضوء بدر ونور شمس. صور قديمة لأعراس زمان تشرح القلب وتبث البهجة لبساطة ناسها.. فما أحسن الجمع بين صنو وصنوه من كريم جنس.