تغمرنا ورقة فساد تلو الاخري وتترك مرارة في حلوق الناس لا تستشف منها سبيلا لمغادرتها نهائيا حتي يشفي الجميع من هذا الداء المزمن في حياتنا أوراق جنينة عن حجم فساد مدمر طال المجتمع في فترة قصيرة من الزمن أزكمت النَفَس والنَفْس حتي ضاقت صدور الناس من انسياب الفساد في بلدنا بشكل مخيف وكأن الضمائر اخذت اجازة طويلة سواء من قاموا بالفساد او من سهلوا لهم الاستمرار فصاروا مثل الشيطان الذي يبخ سمومه في أرجاء المجتمع. ليس هناك ادني شك في أن بتر الفساد من جذوره أصعب من بتر أصابع الإرهاب فالفساد يسير مجري الدم في الفاسدين والمتعاونين معهم ويدمرون ليس مجتمعهم فقط بل اناسا آخرين ليس لهم حول ولا قوة والأخطر أنهم يزرعون اليأس في قلوبهم لضيق افق الحياة أمامهم وأعتقادهم بأن الحياة صارت بأيدي الفاسدين والمفسدين في الأرض والذين لا يسمحون لغالبية الناس بأي بادرة لفتح آفاق المستقبل أمامهم وأمام أولادهم. الفساد تسبب في خروج أولادنا إلي عرض البحر مضحين بحياتهم من أجل حفنة دولارات.. كيف تولد هذا الإحساس لديهم؟! شبابنا فضلوا المغامرة الخطيرة لعلهم يصلون إلي شاطئ يبتغون منه رزقا حسنا.. ورغم زيادة اعداد الغرقي من رحلات الهجرة فإنها استمرت دون انقطاع.. لقد صار تحدي الموت والظروف الصعبة أن لم تكن المستحيلة أهون عند شبابنا من البقاء في الأرض التي ضربها الفساد من كل حدب وصوب. ووجدنا ضالتنا في كشف الفساد عند تشكيل لجنة تقصي الحقائق لدراسة ملف وتقرير المستشار جنينة عن الفساد المفزع الذي بلغ ٦٠٠ مليار جنيه.. هذا بخلاف الأموال المتعلقة بالكسب غير المشروع والأموال المهربة والتي لم يتم استردادها حتي الآن. جاء تقرير لجنة تقصي الحقائق الخاص بتقرير المستشار جنينة يخبرنا انه فساد قديم من بيع أراض الدولة بثمن أقل من قيمتها وليس خلال أربع سنوات بخلاف انه يجمع في بنوده بعض المديونيات التي لا تعد فسادا وانما لم تسدد.. وهنا انطلقت الحناجر من داخل البرلمان بان تقرير جنينة اضر بالوطن ومصالحه وضرب الاستثمار في مقتل كما ضرب الارهاب السياحة وكأننا نسمع لحن «حسرة عليه حسرة عليه ما جت رجليه» ينطلق من اروقة مجلس النواب لمحاكمة جنينة لما ارتكبه من أخطاء من خلال تقريره.. ولا ادري ماذا سيفعل اثناء رده علي الاتهامات بعد ٢٥ يناير.. فعدنا نعد أوراق الالم والحزن مرة اخري بعد ان اعتقدنا اننا بدأنا حربنا الفعلية علي الفساد من خلال الأجهزة الرقابية وعادت ابتسامة باهتة إلي الظهور عندما قررت سويسرا أن تضم حكم الادانة بحق آل مبارك إلي ملف استرداد الأموال المنهوبة المهربة في بنوكها إلا أننا فوجئنا بخبر يفيد بأن فتحي سرور رئيس مجلس الشعب الأسبق يقدم أوراقاً لمحامي آل مبارك يمكن أن تعيد المحاكمة مرة أخري وتبرئته من جملة الاتهامات الخاصة بقصور الرئاسة.. الحيرة تزداد في متابعة أوراق الفساد الذي ضرب جسد الوطن وأننا حتي الآن لم نحقق أي نصر عليه أو حتي في جزء منه رغم وضوح صور كثيرة تخبرنا من داخلها بأنها تحمل في طياتها فساداً كبيراً. لا يستوي الفرح والحزن لحظة واحدة فلا يمكن أن نزرع الخير في الأرض وهناك فاسدون يخربون في المجتمع وأسوأ انواع الخراب.. تخريب النفس البشرية التي تري إناسا يتمتعون بترف الحياة من خلال فسادهم علي حساب الناس الغلابة. اجعلوا تقرير جنينة وتقرير تقصي الحقائق والتعقيب عليه بداية للقضاء علي الفساد حتي وان كان قليلا حتي يشعر المواطنون اننا بدأنا مشوار الالف ميل بخطوة جريئة.