ناقشت في مقال الأسبوع الماضي، تداعيات إرهاب تنظيم داعش وجرائمه، ومعاناة أهل سوريا والعراق وليبيا واليمن ومناطق أخري من العالم العربي، وتأثير عملياته في أوربا وأمريكا علي العرب والمسلمين هناك، وهؤلاء من يدفعون الثمن أكثر، من استقرارهم في دول المهجر، مع تصاعد دعوات عنصرية بطردهم، وإغلاق مساجدهم، والخطير أنها وصلت إلي مرشحين للرئاسة في أمريكا، ومنهم دونالد ترامب الأقرب حظا وفقا لاستطلاعات الرأي، للفوز بترشيح الحزب الجمهوري، ومنهم أيضا حكام حوالي 30 ولاية أمريكية، أعربوا عن تحفظهم علي قرار الرئيس باراك أوباما، باستقبال عشرة آلاف من المهاجرين السوريين. وها نحن أمام وجه العملة الآخر، هذه المرة بملامح فرنسية، ولكنها تحمل نفس التوجه، وتعتنق نفس الأفكار، وهي مارين لوبان رئيسة الجبهة الوطنية الفرنسية، خاصة وأنها وريثة حزب قديم في فرنسا، علي عكس ترامب الذي يبدو كما لو كان ظاهرة مؤقتة. ولوبان لم تتوان يوماً عن إظهار كراهيتها وعنصريتها ضد كل ما هو أجنبي، خاصة ما هو عربي ومسلم، وعددهم يصل ما بين 5 إلي 6 ملايين وهي من أشد المعارضين لهجرة السوريين والعراقيين والمسلمين إلي دول أوروبا وأمريكا، ومن المطالبين بضرورة التضييق علي المساجد. ويتذكّر عرب فرنسا لقاءها التليفزيوني في عام 2013، الذي قالت فيه لرئيس الجزائر «بوتفليقة» حين وصل باريس للعلاج: «اذهب وعالج نفسك في بلدك، لماذا تأتي عندنا؟ ألم نعطكم الاستقلال؟» وشبهت الجزائريين ب»الجراثيم». ولم يسلم منها لاعبو منتخب فرنسا لكرة القدم، خصوصا ذوي الأصول الجزائرية ككريم بنزيمة وسمير نصري، بالإضافة إلي فرانك ريبيري المتزوج من جزائرية. وكانت قد وصفتهم بالمنحرفين وعديمي التربية، ولا يحبون منتخب فرنسا، ولا يفتخرون بتمثيل البلاد. وصرحت لوبان خلال حملتها أن «الجنسية الفرنسية يجب إما تكون وراثية أو تستحق». كما أن «لوبان» سبق أن استهزأت بالمتدينين من المسلمين وغيرهم. ويري العديد من المحللين الغربيين، أن أول قرار ستتخذه إذا فازت برئاسة فرنسا في انتخابات عام 2017، هو التشديد علي العرب والمسلمين، وإخضاعهم للرقابة، ومنع بناء المساجد ومصادرة الحريات، وكما تري أن الشريعة الإسلامية غير متوافقة مع مبادئ وقيم وديمقراطية فرنسا. كما أعلنت زعيمة اليمين المتطرف، أمام البرلمان الأوروبي، أن علي بلادها «تغير تحالفاتها» لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية من خلال الابتعاد عن السعودية، والاقتراب من روسيا وإيران. وقالت أمام النواب الأوروبيين في ستراسبورج إنه بعد الاعتداءات التي وقعت في باريس في 13 نوفمبر، من الضروري «تحديد العدو» أي «التطرف الإسلامي» وقد وضعت التصريحات العنصرية، التي أطلقتها زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبان منذ خمس سنوات ضد المسلمين، في قفص الاتهام؛ حيث مثلت أمام محكمة ليون، الشهر الماضي لنظر القضية المتهمة فيها بازدراء المسلمين، بعد التصريحات التي أطلقتها في عام 2010، عندما كانت تخوض حملة من أجل زعامة حزبها وشبهت فيها صلاة المسلمين في الشوارع بالاحتلال النازي. ولعل خطورة مارين لوبان نابعة من أنها غيرت من المشهد السياسي الفرنسي، الذي عاش لسنوات طويلة علي الثنائية السياسية، واقتصر التنافس فيه علي اليمين واليسار، وأصبحت المنافسة الآن ثلاثية، بعد دخول حزب الجبهة الوطنية الصراع، وقدرتها علي تحقيق نتائج مبهرة في الجولة الأولي من الانتخابات البلدية التي جرت في 13 منطقة، مما سبب فزعا ليس للمسلمين في فرنسا فقط، ووصل الأمر إلي تحذير رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس، من انزلاق البلاد إلي «حرب أهلية» في حال فاز حزب الجبهة الوطنية المنتمي لليمين المتطرف في الانتخابات المحلية، التي تحدد نتائجها الأوفر حظاً في انتخابات الرئاسة. مما استنفر معها التحالف بين اليسار والاشتراكيين، الذي أعلن عن سحب قوائمه الانتخابية في الجولة الثانية، لصالح اليمين الكلاسيكي بزعامة نيكولا ساركوزي زعيم حزب الجمهوريين، ليقطع الطريق أمام فوز ساحق لمارين لوبان، وهو ما حدث بالفعل، حيث فاز حزب ساركوزي بسبعة مناطق من ال13، وشهدت المرحلة الثانية هزيمة لها علي المستوي الشخصي، لصالح وزير سابق، دون أن ينفي ذلك ان اليمين المتطرف، حصل علي حوالي 6٫8 مليون صوت. إذاً مازال الخطر قائما، فالفشل لا يعود إلي أسباب تتعلق برفض مواقف لوبان الفاشية ضد العرب والمسلمين، ولكن لتحالفات انتخابية، كما أن لوبان هي مرشحة للرئاسة الفرنسية القادمة، وقد تستفيد من الصراع التقليدي بين الاشتراكيين واليسار من جهة، وبين اليمين التقليدي.