في سبعينيات القرن الماضي وأثناء طفولتي بمدينة مستغانم في الجزائر .. كنا شلة متعددة الجنسيات من الأصدقاء.. أنا والسوري إيهاب أبوشهاب وشقيقته رحاب والعراقية هدي عبد الاله والفلسطيني رياض محمد.. كنا نلهو على شاطئ المدينة وفي جبالها الخضراء وريفها الجميل.. نلعب الاستغماية والقطار.. نمرح ولا نحمل للدنيا هما وكثيرا ما يشاركنا أطفال آخرون اللعب من فرنسا وروسيا وكوبا وغيرها.. لم أكن أفهم ما هو الاختلاف بين أصدقائي هؤلاء.. فلا فرق عندي بين مسلم ومسيحي وشيعي أو سني ولا مصري عن سوري.. كنت أرى صور جمال عبد الناصر في كل البيوت التي أدخلها فأخذت انطباعا مبكرا أن صاحب هذه الصورة هو بمثابة الأب للجميع.. وفي أواخر مرحلة الطفولة عدت إلى مصر حيث بدأت أعشق القراءة.. وأذكر أن ألف ليلة وليلة كانت من أوائل المؤلفات التي قرأتها.. فأخذتني على بساطها السحري إلى بلدان أصدقائي الذين لم أعد أراهم منذ غادرت الجزائر.. سافرت بخيالي إلى العراق .. بغداد .. عاصمة الرشيد الساحرة.. والسياف مسرور.. والجواري الحسان.. ودمشق .. عاصمة الجمال.. والثقافة.. والفن.. والحب.. ومع تقدمي في العمر شغفت بالتاريخ والجغرافيا.. قرأت كثيرا عن الحملات الصليبية والمؤامرات الغربية ضد الشرق العربي.. وتحديدا بغداد ودمشق والقاهرة.. حلقات ممتدة عبر التاريخ.. ولكن أين ومتى بدأت الحلقة الأخيرة؟.. في عام 1928 ظهرت جماعة الاخوان المسلمين إلى الوجود في مصر بدعم من الاستخبارات البريطانية لضرب وحدة الشعب المصري وراء الوفد.. وقدم البريطانيون لحسن البنا 500 جنيه.. وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت.. وقد جنحت الجماعة إلى العنف منذ وقت مبكر.. ومن رحمها خرجت جماعات تكفيرية وجهادية إرهابية.. أبرزها القاعدة.. وفي عام 1948 زرع الغرب ربيبته إسرائيل في قلب الأمة العربية في فلسطين.. وبذلك ضرب عدة عصافير بحجر واحد.. صدر مشكلة اليهود للأبد خارج القارة الأوروبية العجوز.. وضرب إسفينا في قلب أي مشروع مستقبلي للوحدة بين العرب.. وفي أواخر السبعينيات عملت الولاياتالمتحدة على استنزاف الاتحاد السوفيتي في أفغانستان فصنعت الجهاديين وصدرتهم إلى هناك.. ومن أفغانستان أعيد تصديرهم إلى مختلف أنحاء العالم حسب الظروف.. الصومال.. السودان.. البوسنة.. ألبانيا.. العراق.. مصر.. سوريا.. أي مكان في العالم إلا إسرائيل.. وفي عام 1990 أغرت السفيرة الأمريكية في العاصمة العراقية بغداد الرئيس الراحل صدام حسين بغزو الكويت.. ثم حشدت واشنطن العالم لضرب العراق.. ثم حصاره وتجويعه لتركيعه.. وأخيرا غزوه في عام 2003 ليتوج المشهد الدموي باعدام صدام.. وتعذيب العراقيين في سجن أبو غريب.. وتقسيم فعلي للبلاد.. فكردستان في الشمال أقرب إلى الدولة المستقلة بعلمها ولغتها وجيشها.. وذلك فضلا عن التقسيم الطائفي بين سنة وشيعة.. وفي أوائل التسعينيات أيضا فاز الاسلاميون في الجزائر في الانتخابات فخشى الجيش هناك من انهيار الدولة على أيدي من لا يعرف كلمة وطن.. من لا يقدر تضحية مليون شهيد من أجل الاستقلال عن فرنسا.. من لا يعترف بجميلة بوحريد وبن بيلا.. فتدخل الجنرال خالد نزار وأعاد الأمور إلى نصابها.. فشن الارهابيون هناك حربا دومية راح ضحيتها 100 ألف جزائري.. وفي عام 2002 نجح الاسلاميون في تركيا في ضرب دولة أتاتورك في الصميم وركبوا السلطة.. وهم يتوغلون في البلاد هناك كالسم البطئ.. يدفعهم أمل إحياء الخلافة العثمانية ولعب دور إقليمي قيادي.. وفي عام 2011 نجح المتأسلمون بدعم من حلف شمال الأطلنطي بزعامة الولاياتالمتحدة في الاطاحة بالقذافي في ليبيا.. وقتله الاخوان هناك بشكل دموي بشع.. وفي 2012 نجح الاخوان في تونس ومصر في اختطاف ثورات الربيع العربي بالتآمر والصفقات والخداع.. فأغرقوا بلادهم في فوضى عارمة.. فاندلعت في مصر ثورة كاسحة كنستهم من السلطة.. ولكنهم يشنون حملة إرهابية دموية ضد الشعب المصري.. والآن.. وبعد أن دمر الإسلاميون سوريا.. يستدعون الغرب للتدخل هناك والاجهاز على من تبقى من الشعب العربي السوري.. وما تبقى من هذه الدولة الصامدة.. والاخوان مازالوا يلعبون دورهم المفضل.. دور والي عكا الخائن الذي سلم مدينته أثناء حكم السلطان صلاح الدين الأيوبي للصليبيين.. والاخوان تدفعهم أحلامهم وأوهامهم في إقامة دولة الخلافة إلى خيانة أوطانهم ليتحولوا إلى مجرد أداة في يد القوى الاستعمارية إلى جانب أدوات أخرى يستخدمها الغرب وهم الطابور الخامس الذي يقبض بالدولار ويتشدق بالحديث عن حقوق الانسان وهم في الواقع يتحدثون عن حقوق الارهابيين دون سواهم.. ومن إشارة قطر تنطلق الطائرات الأمريكية لتدك قلاع العروبة في بغداد ودمشق.. فهذا الكشك الواقع على الخليج العربي ليس سوى قاعدة عسكرية أمريكية.. ومن إشارة قطر أيضا ينطلق تليفزيون الجزيرة ليبث السم في أنحاء العالم العربي ويغسل العقول وينشر الأكاذيب والخداع خدمة لأسياد قطر في إسرائيل والولاياتالمتحدة.. ووسط كل ذلك تطالعني صور أصدقاء الطفولة.. أين هدى ورحاب وإيهاب؟ ماذا حدث لهم.. هل تحولت لعبة القطار التي كنا نمارسها في طفولتنا إلى لعبة قاتلة " توت توت قطر الموت".. والدور الآن على سوريا.. ثم بعد ذلك مصر.. أتذكر صلاح الدين الأيوبي ومحمد علي وناصر والسيسي.. إننا لم ولن نستسلم أبدا.. وسنظل نقاوم حتى يوم القيامة.. إننا نمر بمرحلة دقيقة وحرجة في تاريخ الأمة.. وكانت خطة الغرب وعملائه تسير على أكمل وجه حتى ضرب الشعب المصري كرسيا في الكلوب.. والآن نخوض حلقة جديدة من الصراع.. وساحة المعركة القادمة هي سوريا.. فلا تتخلوا عنها..