كانت السينما المصرية في السنوات الأخيرة مجرد انعكاس لما يسمى ب"الشباك"، بحثا عن المزيد من المكاسب. ففي فترة طفت على السطح الأفلام الكوميدية ثم تحولنا إلى الأفلام الرومانسية ثم إلى الأفلام التي تصور البلطجة في الأحياء المصرية، إلى جانب بعض الأفلام القليلة التي تجسد معاناة المواطنين، وذلك لأن معظم المنتجين كانوا يكررون الأفلام التي تحقق أرباحا مرتفعة. واختفت الأفلام التي حصدت جوائز عالمية من المشهد ولم تخرج للنور في السينمات حتى يراها المصريين وذلك لعدة أسباب أهمها اعتقاد القائمين على دور العرض بأن هذه الأفلام ليس لها جمهور. وعقد معرض القاهرة الدولي للكتاب ندوة بعنوان "السينما الآن" للوقوف على حال السينما المصرية وكيف يتم تطويرها. وفي بداية اللقاء قال الكاتب الصحفي محمود شرف، إن السينما المصرية ظلت لأكثر من 100 عام موجودة، وشهدت في فترة من الفترات صعود وفي فترات أخرى شهدت هبوط، وهي تلعب دور مؤثر في الحياة الإنسانية، فكان لها ناحية اقتصادية حيث كانت تمثل أهم مصدر للدخل القومي المصري بعد أرباح تصدير القطن قبل ثورة يوليو، كما لعبت دور في التعريف بالثقافة واللهجة المصرية في الدول العربية. وأضاف أن هناك تحديات تواجه السينما الآن منها انتشار وسائط الميديا الحديثة، حيث كان الفيلم السينمائي المصدر الأول لتلقي الفنون البصرية ومصادر الثقافة والمتعة، ثم تحول الأمر إلى أن المشاهد يمكن أن يشاهد كل الفنون في منزله من أفلام ومسلسلات ومسرح، فلماذا إذن يذهب إلى قاعة السينما، بالإضافة إلى تحولات اجتماعية حدثت وأثرت على تعاطي الأمور مع الفن السينمائي المصري. وأكدت الناقدة والكاتبة ماجدة موريس، أن السينما تمر بمأزق شديد، فقد أنتجت في آخر عام 2012 ما يقرب من 28 فيلم ومعظمها لم يعرض على الجمهور، وقالت "تم اختيار أهم الأفلام لكي تدخل المهرجانات الدولية"، مشيرة إلى أن معظم الأفلام المصرية التي أنتجتها السينما ودخلت المهرجانات منذ خمس سنوات لم تعرض على الجمهور. وأضافت أن 4 أفلام من ال 28 فيلم حصلت على جوائز ولم تعرض بعد على الجمهور المصري، منها فيلم "الخروج للنهار" للمخرجة هالة لطفي وقد حصل على جوائز من مهرجان قرطاج، ومهرجان أبو ظبي، وجائزة "الوهر الذهبي" لأفضل فيلم طويل في ختام فعاليات الدورة السادسة لمهرجان وهران للفيلم العربي. أما الفيلم الثاني فكان فيلم "عشم" للمخرجة ماجي مرجان وحصد على جائزة من مهرجان الدوحة، كما حصد الفيلم الثالث "هرج ومرج" للمخرجة نادين خان، جائزة من مهرجان دبي، أما الفيلم الرابع "الشتا اللي فات" للمخرج إبراهيم البطوط، ومن أبطاله عمرو واكد وفرح يوسف فقد حصل على جائزة النقاد وإشادة خاصة من لجنة التحكيم في مهرجان مونبليه السينمائي الدولي ال34 المقام في فرنسا، كما اختاره مهرجان فنيسيا السينمائي الدولي والذي يعد من أكبر ثلاثة مهرجانات سينمائية في العالم لعرضه ضمن مسابقة أفاق. وتابعت: هذه الأفلام مهمة حتى إذا كنا لم نراها، وفيها ما يجب أن نراه، حيث تضمن اشتباك ما بين الفكر والفن، ربما لا نراها هذا العام أيضا. وأوضحت ماجدة موريس أن هناك عدد من الأفلام التي تنتج سنويا في السينما لا يراها الجمهور، وذلك لعدة أسباب، منها قلة الإنتاج حيث أن إنتاج 28 فيلم في السنة عدد غير كافي، كما أن دور العرض لا ترحب بها لأنها لن تأتي بأموال، كما أن بعض القائمين على دور العرض يؤكدون أن الجمهور لن يتقبل هذه النوعية من الأفلام وكأن الجمهور يتذوق الفن بنفس الطريقة فليس هناك ثقة في أنه جمهور متنوع . وأرجعت موريس قلة الإنتاج السينمائي، إلى قلة الدعم للسينما من الدولة والمنتجين والموزعين، مشيرة إلى أنه قديما كان في مؤسسة للسينما المصرية تتبع الدولة في الستينات وتم إلغائها في عهد السادات. وأشارت إلى أن المخرج الراحل يوسف شاهين كان يبحث عن تمويل خارجي لأفلامه سواء من صندوق المنظمة الفرنسية أو منظمة مهرجان قرطاج، و كان يقال عليه أنه يأخذ جزء من وجهات نظره من الجهات التي تمول أفلامه، موضحة أن هناك جيل من السينمائيين الآن يتعلق بالحصول على تمويل من صندوق مهرجان أبو ظبي والدوحة ليحققوا أحلامهم في إخراج أفلام روائية طويلة. ولفتت إلى أن فيلم "الخروج للنهار" للمخرجة هالة لطفي وهي خريجة دفعة 99 وكانت الأولى على دفعتها، لم تجد من يدعمها لتنفذ فيلمها الروائي الطويل والتي تحلم بها حتى استطاعت أن تقدمه من خلال جمعية أقامتها مع أصدقائها بالمعهد سميت ب"الحصالة". وطالبت موريس أن توضع الفنون في خطة الدولة، لأن هناك الكثير من المبدعين لا يجدون دعم إلا في الصناديق الخارجية، حيث منهم من يمتلك مهارة وعلم ولا يملك أموال وليس أمامه مؤسسات ترعاه. ودللت موريس على أهمية السينما وتأثيرها في الحياة سواء من الناحية الثقافية أو السياسية، بفيلم القاهرة 30 باعتباره من أروع أفلام السينما المصرية، حيث نرى المبدع صلاح أبو سيف يضع يده على الكثير مما يحدث الآن، وينتهي الفيلم بعلي طه الذي طبع المنشورات، ويطارده أمن الدولة، فيلقى بها في الشارع أما مصيره أو ما تعرض له فلم يتضح حيث لم يكن قصد المخرج التركيز على مصيره بقدر التركيز على أن هذا الشاب استطاع أن يوصل رأيه، وبذلك يتضح أن السينما هي الفن الذي يقدم ما يؤثر على الأجيال. وقالت موريس إن البعض يقول أن السينما تقدم مشاهد خارجه وفساد، ولكن هذا ليس حقيقي في مجمله لأن هناك من يقدم كثير من الأمور "المسكوت" عنها ونجد أن السينما قدمت قصص تنبأت بالكثير مما حدث بعد ذلك. وأضافت أن السينما يتنازعها الآن، ضعف التمويل، وتراجع الشركات الكبرى عن التمويل لأنها لا تثق في أن الأفلام ستحقق العائد المطلوب في ظل عدم استقرار الوضع السياسي، فإذا كانت الأفلام التجارية تعاني، فمن الطبيعي أن الأفلام الفكرية قد تثير قلق أكبر للمنتجين، وحالة القلق هذه لا تعطي مساحة للجيل الجديد الذي يقدم قصص لا يرضى عنها المنتجين والمخرجين. وتابعت "الجيل الحالي صنع أغلب الأفلام الوثائقية عن ثورة 25 يناير التي بلغ عددها أكير من 500 فيلم ووجدناها في مهرجان القاهرة ولكنها محدودة المشاهدة لأنها لا تعرض على القنوات النيل المتخصصة كالقناة الثقافية والقناة المخصصة لعرض الأفلام السينمائية". كل هذا التخبط أربك خريطة الإنتاج السينمائي بالنسبة للأفلام وبالتالي أصبحت السينما في أزمة رغم أن السينمائيين ليسوا في أزمة، بل يوجد الكثير من المبدعين الذين يملكون كل ما هو جديد ويستحق التقديم . وردا على أسئلة الجمهور حول طبيعة المشاهد الخارجة التي تقدمها بعض الأفلام وتؤدي إلى عزوف الأسر عن دخول السينما، قالت موريس، إن كل مرحلة لها جمهورها فحاليا أكثر جمهور يتردد على السينما هو الشباب، أما في فترة السبعينات فكان الحرفيين هم من يترددون على السينما، وفي الثمانينات بدأ عودة المثقفين وطلاب الجامعات، مشيرة إلى أن الأزمة المالية أثرت على إحجام الكثير عن التوجه إلى السينما، كما أن القنوات المخصصة لعرض الأفلام السينمائية الجديدة، جعلت المنافسة على الفيلم المصري كبيرة، وساعدت في ظهور سوق لشراء الأفلام لعرضها على الفضائيات. وأضافت "أتذكر أن قناة art قد قدمت لمشاهديها نوع من الاستفتاء عن أفضل الأفلام التي عرضت عليهم عبر القناة، وجاءت النتيجة لصالح فيلم أرض الخوف للفنان أحمد زكي، وذلك في استفتاء لجماهير البيوت مما يعني أن الكثير من أصحاب الذوق الراقي في السينما لا يذهب إليها وينتظر أن تأتي الأفلام إليه في بيته، وهذا يأخذ من الأرباح التي يتوقعها المنتجين، لذلك يختار المنتجون الآن الأفلام التي سينتجونها من خلال رصد أكثر الأفلام التي تحصد إيرادات، فيقوموا بإنتاج نفس الفكرة مرة ثانية، وضربت مثال بفيلم "عبده موته" الذي حصد 20 مليون جنيه إيرادات، وتوقعت أن تسير معظم الأفلام المقبلة على نفس المنوال سعيا وراء تحقيق الإيرادات". واقترحت موريس إنشاء قاعات صغيرة في دور العرض، تعرض فيها الأفلام التي يعتقد أن لها جمهور خاص، أو للأفلام الوثائقية كما تفعل الكثير من دول العالم، لأن هذه القاعات تصنع جمهور ينضم للقاعات الكبيرة، لأن من المفترض أن يتم إرضاء كل الأذواق بلغة السوق. وأكدت موريس أنه لا مفر من دعم الحكومة للسينما، خاصة وأنها تأتي بمردود حقيقي، ولكن هذا يحتاج إرادة من الدولة، ومعرفة ما إذا كانت ترى السينما صناعة حقيقية أم لا؟، مشيرة إلى أن المغرب في العشر سنوات الأخيرة تمكنت من إنتاج 24 فيلم روائي طويل في عام 2012 بدعم من الحكومة. وقالت موريس لقد كنا ملوك هذه الصناعة فكيف نتركها تذبل ونترك أجيالنا تتسول الدعم من هنا أو هناك، موضحة أن الحل لتطور السينما أن نطالب المسئولين عن الحكم أن يعلنوا عن موقفهم من الفن والسينما، هل يستحق الدعم أم يضعوا علامة إكس عليه؟. وأضافت "إذا الدولة أغلقت عينها عن دعم الفن وتشجيعه لا حل إلا أن نتعاون ونقاوم إذا حاولت الدولة غلق هذه الصناعة"، مشيرة إلى أن فيلم الناصر صلاح الدين كان مغامرة لكبر تكلفته حيث أنفقت عليه المخرجة أسيا واستدانت من أجله، فهو فيلم عندما نراه نسترجع كل مشهد وكأننا نراه لأول مرة وهذه هي الأفلام التي تتجاوب معنا من حيث الفكر وأمانينا الوطنية، ولكن تكرار هذه الأفلام يحتاج لتمويل ضخم. وعن الأفلام التى حكت قصة ثورة يناير قالت ماجدة موريس يجب أن ننتظر قليلا حتى نجد أفلاما حقيقية عن الثورة، وأوضحت أن فيلمين فقط من إجمالي 500 فيلم عرضوا عن الثورة كانوا أفضل، لأن الفنانين يقولوا أن الثورة تحتاج لمدة أطول حتى يتم استيعاب الأحداث ويمكن طرح رؤيتهم حول الثورة، فلابد من مسافة بين الحدث الخاص بالثورة وبين إخراج فيلم عن الثورة.