عندما كنت تلميذة بالمدرسة الابتدائية، كنت أقاطع أي زميلة تخطئ في حقي، وأرفض أن أبادلها الحديث. وفي يوم من الأيام اكتشفت اني أجلس في الفسحة وحيدة، بعد أن خاصمت كل زميلاتي . لاحظت مشرفة الفسحة وحدتي وحزني وسألتني لماذا لا أشارك صديقاتي لعبهم؟ قلت: لأنهم أخطأوا في حقي، فقاطعتهم جميعا. فقالت: وهل يمكن أن يكونوا جميعا علي خطأ وأنت وحدك علي حق؟ فكرت كثيرا فيما قالته. ومنذ ذلك اليوم تعلمت أن أحاسب نفسي قبل أن أحاسب الآخرين، وان أعتذر عند الخطأ. كلما تقدم بي العمر، أصبحت أعطي أعذارا أكبر للنفس البشرية وأحاول أن أتقبل عيوب الآخرين. لم أقاطع صديقة من صديقاتي. احتفظت بصداقة كل زميلاتي في المدرسة والجامعة.. وكل الوظائف التي التحقت بها. هذا ما قلته لزميلتي الصحفية الشابة عندما جاءتني تشكو من انتهاء عصر الصداقة وانعدام الوفاء بين الناس. قلت لها: صحيح عدد الأصدقاء أصبح أقل ولكن مازالوا موجودين.. ويظهر معدنهم الأصيل وقت الشدائد والمحن.. وسوف يستمر وجود هؤلاء مادامت الحياة. الدينا مازالت بخير مادام عدد الأخيار أضعاف عدد الأشرار.. ومادام يعيش بيننا من هو مثلك، يبحث عن الصداقة ويفتقد الوفاء. كل واحد منا يشعر أحيانا بالوحدة واختفاء القيم والمبادئ.. وإننا محاطون بأعداء متنكرين في ثوب أصدقاء. فجأة يخرج من الدنيا الواسعة أشباه ملائكة، يدافعون عنا في غيابنا وينصروننا عند الضعف. عدد الأوفياء يا ابنتي مازال ضعف عدد الخونة والغدّارين!