لم ولن انتمي لحزب الحرية والعدالة ورغم ذلك فإن قلبي معهم وهم يواجهون اليوم امتحانا عسيرا، لن يستمر لساعات بل قد يمتد لأكثر من عام. قلبي معهم لأن كل العيون تتجه لهم وترصد عن قرب كل صغيرة وكبيرة يقومون بها، سواء تحت القبة أو خارجها. مع سبق الإصرار والترصد سيكون الحكم علي الاداء بلا شفقة او رحمة ودون التماس للأعذار. ومن هنا تأتي المسئولية الضخمة الملقاة علي عاتقهم في تأكيد احقيتهم بثقة الشعب، والتي ستظل اختبارا صعبا وتحديا أتمني أن يجتازوه بكل النجاح. وللحقيقة فإن متابعة الجلسات الأولي لمجلس الشعب الجديد كفيلة بأن تكشف لنا اننا امام نوعية جديدة من النواب، الذين لا يعرفون لغة الاشارات والعيون عند التقدم باسئلتهم واستجواباتهم. نواب جاءوا في فترة غير مسبوقة من تاريخ مصر، والتي تواجه فيها تحديات ومشاكل صعبة سوف تنعكس بلا أدني شك علي حصيلة ما يقدمونه، لكنها لن تصبح ابدا عذرا نلتمسه لهم عند بصيص أي إخفاق. أعجبني الاداء الرفيع ودماثة الخلق التي يتمتع بها رئيس المجلس الدكتور الكتاتني، والذي حاول جاهدا ان يعيد تقديم النموذج لرئيس البرلمان المصري، مستغلا في ذلك ثقافته الواسعة وخبرته البرلمانية الطويلة والتي جعلته قريبا من دهاليز وخبايا العمل البرلماني. مهمة شاقة وصعبة يتحملها الرجل، والذي سيكون في الواجهة امام شعب مصر كله ،وايضا امام حزبه حيث سيجد نفسه مطالبا في كل لحظة بضرورة الحياد الكامل وتغليب المصلحة العليا بعيدا عن الانتماء الحزبي. مهمة شاقة يفرضها العديد من النواب القدامي المشاكسين والذي يفيضون وطنية وانتماء لتراب مصر. كما يفرضها وجود نواب جدد لا عهد لهم بالعمل البرلماني. ويتطلبون طريقة خاصة في الأخذ بأيديهم مهما كانت ممارساتهم أو أخطاؤهم تحت القبة. كما يفرضها أيضاً النقل الواسع لجلسات البرلمان عبر الفضائيات والذي سيؤدي لتعدد ممارسات »الشو« الاعلامي. لقد بدأ البرلمان الجديد بمناقشة قضية تأخر حقوق الشهداء ومصابي 52 يناير، وهي قضية شائكة تحتل اهتماما خاصا من جانب كل المصريين بغض النظر عن الانتماء الحزبي. قضية آمل ألا تصبح مجالا للمزايدة لانها ترتبط بآلام ومواجع وحزن دفين يسكن في قلوب وافئدة اسر هؤلاء الشهداء والمصابين، الذين نحمل لهم جميلا يطوق اعناقنا جميعا، وارجو ان يتحول سريعا الي اجراءات وقرارات نافذة خاصة انه كان علي رأس تعهدات حكومة الانقاذ برئاسة الدكتور كمال الجنزوري. لقد اثيرت قضية تأخر محاكمات القتلة، وهي قضية شائكة تتطلب نوعا من الحكمة عند مناقشة أسبابها، والتي لا تنفصل ابدا عن جوهر وحقيقة البطء الذي تعانيه العدالة والظروف الصعبة، التي يعمل فيها قضاة مصر الاجلاء. رغم قناعتي الكاملة بضرورة القصاص العاجل والسريع في كل من تثبت ادانته، إلا أن تحقيق العدالة لا يمكن ان يتم باسلوب العجلة والذي قد يفتح الباب واسعا امام الافلات من العقوبة، ويلقي بظلال هي ابعد ما تكون عن قضاء مصر الشامخ الذي يجب ان نقف جميعا سندا ودرعا يحميه. واعتقد ان تشكيل لجنة لتقصي الحقائق سوف يساهم في اجلاء جانب من الحقيقة، والتي تصبح عونا ودعما لقضاء مصر الذي نثق في قدرته الكاملة علي القصاص العادل والسريع.
في الجلسات الأولي لمجلس الشعب الموقر، طلب احد الاعضاء الموقرين حضور الدكتور كمال الجنزوري رئيس مجلس الوزراء، بالاضافة لوزراء الداخلية والصحة والعدل. حضور رئيس الوزراء والوزراء لجلسات المجلس يتم وفق قواعد بروتوكولية، اعتقد ان الظروف الاستثنائية التي تعيشها مصر اليوم تحول دون تنفيذها بالدقة المطلوبة، خاصة ان البنيان الداخلي للجان المجلس لم يكتمل. لقد عملت عن قرب مع رئيس الوزراء الدكتور كمال الجنزوري، خلال تغطيتي لشئون مجلس الوزراء طوال حقبة التسعينيات، وأكاد اجزم ان دعوة رئيس الوزراء للمجلس تمثل ايضا رغبة من رئيس الوزراء، والذي يرغب في احاطة المجلس علما بالعديد من الامور الخاصة بالعمل التنفيذي، وما تقوم به حكومته من جهود متصلة لاعادة دوران عجلة الاقتصاد المصري، التي اصيبت بالشلل الكامل طوال الشهور الماضية. ستكون سابقة هي الاولي من نوعها ان يأتي رئيس للوزراء ليقدم كشف حساب سريع لما قامت به حكومته، بعيدا عن بيان الحكومة التقليدي الذي يقدمه رئيس الوزراء في بداية انعقاد المجلس، ويعرض فيه خطط ومشروعات وتعهدات حكومته. واحقاقا للحق، فإن للرجل بصمات لا يستطيع إلا كل جاحد ان ينكرها وشملت كل مجالات العمل الوطني. وفي الموضوع الرئيسي لمناقشات المجلس كانت حكومة الجنزوري هي اول من تعامل مع ملف الشهداء والمصابين، وتم انشاء مجلس لرعايتهم وصرف بعض التعويضات العاجلة لهم، وتأمين وظائف دائمة، علي حين اكتفت حكومة د. عصام شرف السابقة بكلام منمق ودماثة خلق وانشاء مكتب وهمي للثوار داخل مجلس الوزراء. اكثر من عشرة شهور قضتها حكومة شرف انفقت خلالها نصف رصيد احتياطي النقد الاجنبي، لم يذهب مليم واحد منها للشهداء أو المصابين، كما لم يحس بها كل المواطنين أيضاً. كشف حساب يومي سيقدمه الدكتور الجنزوري يشمل عشرات القرارات والاجراءات التي أعادت دوران عجلة اقتصاد تركتها الحكومة السابقة كسيحة. قرارات يظل الأمن والأمان الذي عاد للشارع المصري عنوانا لها. قرارات واجراءات تمت كلها بعيدا عن مبني مجلس الوزراء، وكان محورها عقل رجل يظل احترامه وتقديره واجبا. دماثة خلق د. الكتاتني ود. الجنزوري سترسخ مفهوم »ايدي بإيديكم« بين الحكومة والنواب.