يحتفل النصاري في هذه الآونة من كل عام بأعيادهم، وترد إلينا بهذه المناسبة الأسئلة هل يجوز أن يهنيء المسلم المسيحيين بأعيادهم ويكثر الجدل لانتشار الفتوي التي تحرم تهنئة ومشاركة المسيحيين في أعيادهم، وهذه الفتوي تعتمد علي دليل وحجة أما الدليل فهو قول الرسول صلي الله عليه وسلم »من تشبه بقوم فهو منهم« والحجة هي أن التهنئة معصية لأن فيها نوعا من الرضي بغير الإسلام دينا.. وقد أباح البعض أيضا من العلماء المحدثين تهنئة النصاري المسالمين لنا بعيدهم واستند إلي أن تغير الأوضاع العالمية وأن هذا من البر المأمور به المسلم لهم وقد أتفق مع القول الثاني ولكن لي أدلة وحجج عشرة أرجو أن يتقبلها مني ويقرأها بعناية المؤيد للقول المانع والباحث عن دليل: 1- الحديث »من تشبه بقوم فهو منهم« قال كثير من علماء الحديث أن في إسناده ضعفاً ومن هؤلاء الهيثمي والزركشي والسخاوي والصنعاني والعجلوني وحسان عبد المنان وشعيب الأرناؤوط.. وممن صححه أو حسنه أبو داوود وابن حبان والألباني الذي قال رجاله ثقات إلا ابن ثوبان ففيه خلاف. 2- التشبه هو عبارة عن محاولة الإنسان أن يكون شبه المتشبه به، وعلي هيئته وحليته ونعته، وصفته، وتكلف ذلك وتقصده وتعلمه وليس من معناه أبدا التهنئة والمشاركة وإنما يكون التشبه بأن نحول الاحتفال بأعيادنا كاحتفالهم بأعيادهم ونتشبه بهم في أفعالهم الخاصة بهم كارتداء ملابس القساوسة والراهبات أو تعظيم الصليب أو غير ذلك مما يمحو الهوية الإسلامية ويجعل من المسلمين مسخا من غيرهم عن قصد وتعمد 3- الإسلام أباح زواج المسلم من أهل الكتاب بإذن أهلها وأباح له أن يقبلها كما هي، فلا يكرهها علي تغيير دينها بل أمره أن يحترم مشاعرها ولا يؤذيها في عقيدتها الدينية بل وعدم التضييق عليها في ممارسة شعائر دينها في بيته الذي هو بيتها، ومن ذلك اباحة الإحتفال بأعيادها ومناسباتها الدينية فهل ستحتفل داخل البيت بعيدها ولا يهنئها أو يشاركها أم أنه مأمور أن يشاركها أفراحها وأحزانها؟ 4- الإسلام أمر الزوج بالتعامل مع زوجته بالمودة والرحمة والعدل بين الزوجات، فهل من المودة والرحمة أن يأتي عيد زوجته المسيحية فلا يشاركها فيه؟.. وهل من العدل بين الزوجات أن يتزاور مع أهل زوجته المسلمة في عيدهم ويجافي المسيحية وأهلها في عيدهم وهل سيمنع أبناءه منها من زيارة أخوالهم وخالاتهم وجدهم وجدتهم وسائر أهلهم لأمهم وبرهم ومشاركتهم في أعيادهم ؟.. أم أن الإسلام يأمره بعكس ذلك من أوجه البر والإحسان؟. 5- إذا دخل إلي الإسلام أي إنسان فهو مأمور بالبر بوالديه والإحسان إليهما، فهل يأتي عيدهما ويجافيهما ولا يهنئهما ويتواصل معهما في العيد، فيجدون الإسلام قد جعله جافا غليظ القلب معهما فيمتنع هو ويمنع زوجته وأبناءه -أي أحفادهما- من مشاركتهما في الأعياد؟.. وكيف يوفق بين أمر الله بالبر بهما في القرآن الكريم وبين الفتوي المعتمدة علي حديث في اسناده ضعف وهو ليس فيه نص صريح في التحريم؟ 6- وذلك يأخذنا لبيان معني البر وهو يعني »إيصال الخير إلي الغير مع قطع النظر عن محبتك له أو كراهيتك إياه« وهو الذي قال رسولنا في معناه »البر حسن الخلق« وهو المقصود في التعامل مع أهل الكتاب من أعمال الجوارح وهو القول والفعل وهو المقصود في قوله تعالي »لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين« الممتحنة (8) فإذا أردت البر بهم المأمور به في الآية فتتواصل معهم بكل أنواع الخير بصرف النظر عن كونك محبا لهم أم لا ذلك بأمر الله لك أيها المسلم ومن ذلك تهنئتهم في الأعياد ومشاركتهم في الأفراح والأحزان 7-الأمر من الله ورسوله بالإحسان إلي الأهل والجيران المسيحي والمسلم وغيرهم في القرآن والسنة وفي ذلك قال تعالي: »وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَي وَالْيَتَامَي وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَي وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا« النساء (36) وكل هذه الأصناف من البشر أمرنا الله بالإحسان إليهم بصرف النظر عن ديانتهم والإحسان هو الإخلاص وتقوي الله والإحسان مع البشر هو فعل الخيرات علي أكمل وجه، ابتغاء مرضاة الله. ومن أبواب الخيرات والإحسان التهنئة في الأعياد والمشاركة في الأفراح والأحزان 8- الرسول صلي الله عليه وسلم حينما ذهب إلي المدينة وجد اليهود يصومون فسألهم عن سبب صومهم في العاشر من المحرم فقالوا ذلك يوم نجي الله فيه موسي فشاركهم صيامه ولم ينه عن الاحتفال بذلك اليوم، وصامه وأمر المسلمين بصيامه، وقال: »نحن أولي بموسي منكم.. ولكن لكي لا نكون مجرد مقلدين قال إن عشت العام القادم نصوم تاسوعاء وعاشوراء أي نزيد في الاحتفال عن فعلهم فنخالفهم ولا نجافيهم.. يالها من عبقرية التواصل مع الإحتفاظ بالهوية. 9- التهنئة والمشاركة لا تعني بحال من الأحوال الرضي بغير الإسلام دينا، وإلا لكان إباحة الزوج لزوجته المسيحية أو لمن يعمل عنده من غير المسلمين بممارسة شعائرهم الدينية وتناولهم للأطعمة المحرمة عليه داخل بيته . 10- ورد في مسلم أنه مرت بالنبي صلي الله عليه وسلم جنازة يهودي فقام لها فقيل له إنها جنازة يهودي.. فقال أليست نفسا؟.. فهل يحترم ويقدر النبي النفس الإنسانية وهي ميتة ولا نقدر نحن مشاعرها وهي حية؟ لهذه الأسباب العشرة يمكننا أن نقول لكل نصاري الأرض عيد سعيد وكل عام وأنتم بخير.