تنشر المجلة الأمريكية »السياسة الخارجية« باباً بعنوان »مذكرة: السياسة الخارجية« يتضمن نصائح خبراء الي زعماء العالم وفي عددها الصادر في سبتمبر/ أكتوبر عام 4002 أعد مذكرة العدد »جريجوري جوز الثالث« أستاذ العلوم السياسية في جامعة فيرمونت، ومؤلف كتاب ممالك النفط: التحديات الداخلية والخارجية والأمنية في دول الخليج وجه الكاتب مذكرته الي الأمير عبد الله، ولي عهد المملكة السعودية وقتذاك، محدداً موضوعها بعنوان »إنقاذ المملكة« طرح الكاتب في مقدمته تسويغاته لتحرير مذكرته، بغطاء استناده الي مؤشرات اللوم لكثير من المراقبين في الغرب، الذين يصفون حكم العائلة المالكة بأنه غير مستقر، وليس قابلاً للإصلاح، وذلك علي خلفية تداعيات أحداث 11 سبتمبر، وارتفاع أسعار النفط صحيح أن الكاتب راح يطمئن الأمير عبد الله ولي العهد، بأن ما يقال عنهم خارج المملكة، لا يعتمد علي المعرفة، أو انه مبالغ فيه، سعياً وراء التأثير السياسي، والصحيح أيضا انه عاود ليؤكد جازماً ان الضغط الخارجي لن يختفي، لكن الصحيح كذلك ان تفكيك التلاعب الاحترافي المغلف والمنمق، الملتصق بتأكيد الكاتب أن الضغط الخارجي لن يختفي، يكشف عن إضمار معني استمرار مسار الإشكال مستعصياً، ويتضمن أيضاً تهديداً مستتراً بأن ثمة افتراضات لخضم مجهول قادم، يتبدي في مركب علاقة القوة والمصلحة، سوف يتجلي في شبكة العلاقات الدولية بالمملكة، ويقود الي مأزق مسدود تري هل يستهدف الكاتب أن يطرح أفكاراً تشرح ما يستطيع مركب القوة والمصلحة ان يفعله؟ وهل الدول حرة في بناء مصالحها وتشكيلها، وفقاً لقوتها علي حساب الآخرين كيفما شاءت؟ لقد دفع الكاتب الي الأمير عبد الله بمدونة نصائحه، بكلمات موجزة: »إليكم بعض الخطوات التي يمكنكم اتخاذها لتهدئة روع منتقديكم، وتقوية نظامكم« تضمنت المدونة ثلاثة عشر محوراً، أعلن الكاتب أنها ضمانة لإنقاذ المملكة في مواجهة المتشددين الكارهين للغرب، ومدهم الجهادي الذي أنتج المعارضة العنيفة ضد المملكة. يتجلي جوهر النصائح المقترحة في ثلاثة محاور، يتبدي أولها في مطالبة الكاتب للملك عبد الله »بمقاومة التحول الكامل الي الديمقراطية« مبرراً ذلك بأن الانتقال الفوري نحو برلمان منتخب سيسبب الأذي أكثر من الخير، إذ سيحقق النشطون الإسلاميون نتائج حسنة في هذه الانتخابات، اعتماداً علي تنظيمهم، ومواردهم المتفوقة، وذلك ما يعقد الاستراتيجية الأمنية لقد استباح الكاتب الأمريكي التضحية بالديمقراطية وإجهاضها لتحل محلها استراتيجية أمنية بديلة لواقع سياسي مرتجي هكذا فجأة توارت كل الدفاعات الأمريكية عن الديمقراطية والتبشير بها ودعمها بمداومة المطالبة بتطبيقها بوصفها الضمانة المؤكدة لتفعيل استحقاقات الإنسان التي يلجمها الإكراه والقمع. تري ما سر التجاوز عن استحقاق يسبق كل اكتساب؟ يكشف المحور الثاني عن نزعة نفعية إجرائية، تلتحف بعباءة المصالح المتبادلة، تمثلت في مطالبة الكاتب بزيادة ضخ النفط، بوصفه إجراء اقتصادياً حتمياً، ويعترف الكاتب بوضوح أن النفط يشكل رهاناً خاصاً حاسماً علي خريطة اهتمام الولاياتالمتحدة، كما يؤكد ان النفط يعد الركيزة الأساسية في تمفصل العلاقة بين البلدين ولكي تكتمل شروط الصفقة، راح الكاتب يشير الي تأثير زيادة ضخ النفط بما يحققه من تمتع المملكة بتفوق نفوذها الاقتصادي علي الصعيد العالمي ولأن الكاتب يمثل فكر الأمركة التي تري ان الاستهلاك يجرد كل ظاهرة من الخصوصية لذا فإن مناورة الكاتب العنكبوتية التي تستهدف فرض الإجراء القصري، تبدت في مطالبته إلغاء قرار خفض حصص الانتاج الذي أدي الي ارتفاع الأسعار فشكل مصيراً كارثياً لصحة الاقتصاد العالمي، يتطلب المعالجة مهما كان الثمن، إذ نشوة زيادة أسعار النفط لا تساوي شيئاً مقارنة بصحة الاقتصاد العالمي التي ترتكز عليها الطلب علي استهلاك النفط، ويضيف الكاتب مؤكداً أنه حتي وإن كانت زيادة الضخ تشكل عبء تكلفة علي المملكة لكنه سيبدو إشارة الي التزام المملكة بالعمل علي استقرار السوق. إن الكاتب عبر مقولات أعفت نفسها من عبء البرهنة، أكد أن النفط الذي يمكن تحمل أسعاره، يعد أمراً جيداً للاقتصاد العالمي بل يصب أيضاً في مصلحة المملكة علي المدي الطويل وكأن سلب المواد الخام وتحويلها الي ترسانات أسلحة لقهر الشعوب مقابل التضحية بحقوق الشعوب واستحقاقاتها الانسانية هو جوهر مشروع الأمركة في الاستحواذ والهيمنة ولأن أي خيار آخر غير مسموح به لذلك فإن الكاتب يطلق تحذيره »بأنه إذا زادت مسئولية المملكة فيما يتعلق بالنفط زاد احتمال وجود مصلحة للولايات المتحدة في استقرار المملكة« ويتصل تحذيره بالمحور الثالث الذي بعنوان »ابقوا الولاياتالمتحدة الي جانبكم، فإن الجمهور الأمريكي سيدقق في السلوك السعودي ليري ان كنتم ستطبقون وعودكم كاملة« تلك إحدي تجليات علاقة القوة والمصلحة لذا يطرح »إيريك هوبزباوم« أبرز المؤرخين المعاصرين سؤالاً: كيف سيواجه العالم الولاياتالمتحدة أو سيحتويها؟ ويجيب الرجل: »إن ثمة قضية حقيقية يجب طرحها أنه ليس هناك ما يسوغ أبداً ما يواجهه العالم من خطر خلق قوة ليست مهتمة أساساً بعالم تفهمه ولكنها قادرة علي التدخل الحاسم بالقوة المسلحة، إذا ارتكب أي بلد أمراً لا ترغب فيه واشنطن« تري هل أصاب الرجل؟