تشهد الاجواء الاقليمية تقاربا وتفاهما مشهودا ومحسوسا ما بين واشنطون والكيانات الاسلامية من أحزاب وحركات سياسية وثورية ذات صبغة اسلامية، وصعدت لسطح الحياة السياسية عن طريق صندوق الانتخاب.. الغرب هو من أطلق عليهم "بالمعتدلين" ليس لانهم قبلوا بالمشاركة في اللعبة الديموقراطية فقط بل لتفاهم متبادل علي الحكم وفق اطار النظام السياسي - الاقتصادي القائم، واسقاط مبدأ الهجوم علي المعاهدات والاتفاقيات التي سبق ابرامها ووقعت عليها أنظمة الحكم المنهارة، والتعامل من داخل الاطار الاقتصادي ذ السياسي والعسكري المعمول به منذ عقود... فالاسلاميون المتعاونون سياسيا مع الغرب، أو احزاب الاعتدال الاسلامي هذه، هم الشركاء الجدد للغرب في المنطقة ممن سيحكمون بدون مساس ولا تعارض مع التوجهات الاستراتيجية للغرب.. انهم لدي الغرب حاليا هم "المعتدلون" أما غيرهم فارهابيون.. هذا التوافق أو التفاهم المشهود بين الغرب (واشنطون وحلفائها) مع من يطلقون عليهم "بالمعتدلين الاسلاميين" أي حزب الحرية والعدالة - الذراع السياسي لجماعة الاخوان - وحزب النهضة في تونس، وحزب العدالة والتنمية بالمغرب، كل القبول غير المعلن بعد بالتعامل وفق قواعد اللعبة الراهنة: بمعني عدم اجراء تغييرات اجتماعية - اقتصادية ولا سياسية جذرية.. عموما العلاقة بين نظم الحكم الاسلامية والغرب علاقة مركبة ولهم معها سجل حافل بالمد والجزر وان اتخذ المد هذه المرة أرضا جديدة وتجربة هي الاولي من نوعها... فلطالما سبق أن استخدم الغرب عناصر اسلامية في اسقاط انظمة حكم علمانية أو نشر الفوضي في مجتمعات خرجت عن الخط، أو تحولت لوجهة اخري، أو اتبعت خطا قوميا أو مستقلا ولم تراع أصول الانقياد والبقاء داخل الاطار.. ولنا في التاريخ القريب شواهد ودلائل تراوحت ما بين اندونيسيا في السبعينيات الي يوغوسلافيا والبوسنة وكوسوفو الي أفغانستان والمجاهدين الافغان علي عهد السوفيت... بل ولا موانع لدي الغرب من مجاراة العنف والتطرف ومساعدة من يسمونهم بالارهابيين والاصوليين طالما تقابلت الاهداف في نقطة مشتركة وكما حدث في ليبيا مؤخرا.. فواشنطون وحلفاؤها الاوروبيون ومعهم عناصر عربية رسمية قاموا بتمويل وتسليح ميليشيات اصولية ليبية وتابعة لمنظمة للقاعدة في حربهم الاهلية ضد نظام القذافي العلماني (ليبيا الآن علي شفا حرب اهلية اخري) بل ودعموهم جوا وبحرا.. ومن بعد ليبيا يعاودون الكرة مع سوريا بمشاركة تركية هذه المرة، فيمولون ويسلحون حركة العصيان أو الثورة أو كائنا ما تكون تلك التي يقوم بها الاخوان المسلمون والاصوليون وبعض الاقليات ضد نظام الحكم في سوريا.. فاذا راجعنا العامل المشترك أو عنصر "الجريمة" بين تلك الانظمة المستهدفة نجدها لخروج عن الخط العام أو النظام العالمي المهيمن، واتباع سياسات قومية مستقلة أو مناوئة لا فرق .. اذن الخروج علي الهيمنة والنظام العالمي الموضوع من واشنطون وحلفائها هو العامل المشترك ولا دخل لأي عوامل اخري لا انسانية ولا حقوقية ولا ديموقراطية، وان ثبت أن التعاون عمليا بين الغرب والحركات الاسلامية ليس أكثر من مراحل تكتيكية، لا دوام لها علي المدي الطويل و.. مفتاح العلاقة الامريكية مع الاسلاميين من وجهة واشنطون انما هي مواقف هؤلاء الاسلاميين من اقتصاد السوق والملكيات الخاصة والاستثمارت الاجنبية وسياسات العولمة في عمومها وشمولها والانضواء تحت لواء السياسات العولمية يعني في كلمتين اثنتين: الانقياد للهيمنة الامريكية بنظاميها الاقتصادي والعسكري.. وهذا مالا يعارضه "المعتدلون الاسلاميون".. اليوم تعتبر الاحزاب الاسلامية في مصر وتونس والمغرب كلها احزابا معتدلة بمفهوم الغرب مادامت لم تعارض حروب الاطلنطي وتقبلت ما حدث وسيحدث سواء للعراق أو أفغانستان وبلا معارضة قوية أو تهجم سياسي يذكر علي التدخلات، كلهم متعهدون بتأمين الملكيات الخاصة بما فيها العنصر الاجنبي المتواجد في الصناعات المهمة، مع كبح النزعات الاستقلالية والشبابية المتجهة يسار النظام الاقتصادي المعهود في دول الغرب ذاتها وتهز اركان النظام الرأسمالي هزا في هذه المرحلة... وسنري! قبل ان ننهي لابد ونظرة الي المستقبل القريب جدا: الاحزاب الاسلامية المعتدلة كما يسمونهم ولا أملك الا التحدث علي ما يخصنا في مصر ليس لديهم هنا برنامج محدد غير شعار الاسلام هو الحل فلا اجابات جاهزة للازمات الحالية وخصوصا أنهم مكبلون بقيود التوافق مع الغرب والتعامل من داخل الاطار النيو- ليبرالي الذي ترتضيه واشنطون.. اما الدعم الشعبي الجارف الذي طالما تمتعوا به طويلا من قبل فسوف تذروه رياح الواقع وبرامج التقشف التي لابد وأن تفرض فرضا بالضرورة علي من سيحكم في المرحلة المقبلة والذي تفرضه ذات المؤسسات المالية الدولية تلك التي تعهدوا باستمرار التعامل والتعاون معها وفق القواعد المعهودة.. وهذا ما سوف ينفر بل يوقظ القاعدة الشعبية العريضة التي طالما تعلقت بالاخوان وصدقت وعودهم ولذا المتوقع ان يحاول الاخوان اشراك عناصر ليبرالية تتحالف معهم في الحكم، ولو حتي من ذوي النزعة الاشتراكية واليسار.. احلام الفقراء التي طالما لعبوا علي اوتارها سوف تتهاوي ويثبت أنها كانت محض أوهام بديعة! فأما الذي سيرث التركة المثقلة بعدهم فهو الذي اتعظ من التجربة السياسية الحية واتجه الي تنظيم صفوفه.. اما اذا بقي الليبراليون وظلوا يحصرون نشاطهم بين الفضائيات والحملات الاعلامية فعلينا العوض.. ولو ظل اليساريون علي نهجهم من تنظيم الحركات الاعتراضية ومظاهرات الميادين واكتفوا ولم ينتقلوا بنشاطهم لمجال الوحدات السياسية المنظمة العاملة بين الاحياء الشعبية والاسواق والقري والعشوائيات فستكون الساحة مفتوحة أمام الاصوليين المتطرفين من السلفيين ومعهم "الحمص" كله يبذرونه علي الشعب الذي قد لا يجد القوت الضروري عند هذا الحد فيستغلوا غضب الجماهير و.. يتولوا اغلاق الابواب ويشدوا النوافذ ويمنعوا الضوء والهواء! لا احد يعرف المكتوب علينا أو لنا في لوح القدر وانما كل ذلك محض اجتهاد يخطيء أو يصيب.