تعددت أخبار متتابعة عن ضبط متورطين أجانب ومصريين، يمارسون عبر مسارب الاختراق التهريب الي داخل مصر، لكميات متنوعة من الأسلحة وبعض معدات تحديد أهداف القنص ولا شك ان هذه الكميات المعلن عنها، تحمل في ذاتها ضرورة استخدامها، بما تفرضه علي الاخرين العزل من استبداد بمصائرهم وبمقدراتهم ومن أبسط المسلمات أن المجتمعات عموماً تتجنب أمرين، هما: الاستبداد، والفوضي بوصفهما يشكلان عنفاً مدمراً يلاحق استقرارها، لكن المجتمع المصري في ظل خصوصية الظروف الراهنة الضاغطة، يعاني انفلاتاً أمنياً ماثلاً في فوضي متفشية، لغياب جهاز الشرطة، نتيجة صدع قاسم زلزل علاقته مع الثوار الذين خرجوا يمثلون الحق الأعزل في يناير الماضي، فداهمهم إعصار الرصاص الجامح، الذي أسقط بعضهم شهداء، فشكل ذلك فجيعة عامة، اهتزت لها ذهنياً ونفسياً طوائف المجتمع لكن اللافت الاستثنائي أنه لم تطرح أية قوي مبادرة لإعادة بناء الثقة، حتي من جانب القوي السياسية ذاتها، أو بتوافقها مع شباب الثورة، وغيرهم من كيانات المجتمع، إنهاء لذلك الاختلال الكارثي، وفي ظل استمرار الفجوة لعدم اتخاذ إجراءات ملموسة لإعادة بناء الثقة، راحت تتجدد أحداث الاعتداءات علي امتداد جغرافي، تعمق الصدع ليزداد تأزماً، ليس بين الشرطة والمجتمع فحسب بل انتشر استنفار شحنات التناقض، وإثارة التصارع بالتضليل بين القوي الاجتماعية ومؤسساتها وكياناتها، احتراباً للكل ضد الكل، وبذلك أصبحت الساحة مفتوحة أمام طرف لا تعرف هويته، يمارس الفوضي الدائمة، ويدمر كل توجه نحو الالتقاء، اختزلت تسميته بالبلطجية. ويلح التساؤل: من يكونون هؤلاء بالتحديد؟ من يرسم لهم الخطط، ويباشر متابعتهم؟ من يمولهم؟ لقد أصبح واضحاً أن ثمة تسلطاً مباشراً، يستهدف استمرار تردي الفوضي بخصائص جرائمها الفاضحة، لتغيب باختلالاتها الواسعة إعمال القانون، وتعرقل الوصول الي بناء سياسي متبصر يحتضن قيم تلك الثورة السلمية المدهشة، انطلاقاً من أنه في ظل تآكل الغطاء القانوني لأي مجتمع، ينتج فراغ يتعين ملؤه بواسطة سلطة لقوي جديدة. تري سلطة أية قوي تلك التي تسعي الي احتراب الكل ضد الكل، وكيف يتأتي لها ذلك؟ لقد أصبح صحيحاً أن للقوة سوقاً في عصر الخصخصة، وصار العنف سلعة تعرض في الأسواق لمن يطلبها، والصحيح أيضاً أن السلعة ليست مقيدة بغاية استخدامها، سواء أكانت فرضاً لهيمنة، أم تأكيداً لتسلط، أم تعطيلاً لمبدأ السيادة أم غيرها، لكن الصحيح كذلك أن تداول العنف بوصفه سلعة يعني إمكانية احتكارها لمن يمتلك اقتدار دفع الثمن، وبذلك تتسيد النزعة الاستبدادية المطلقة بشرطها الضمني علي مفهوم الحق، مهما تقنعت بتسويغاتها المعلنة. إن الباحثة الأمريكية »إيمي إيكوت« في دراستها الضافية، بعنوان »التعاقد مع شركات عسكرية لخوض الحروب«، التي تضمنها كتاب »إعادة التفكير في القرن الحادي والعشرين - مشكلات جديدة، وحلول قديمة«، الصادر عام 9002 الذي اشتركت الباحثة في تحريره مع »لورا سجوبيرج«، قد تناولت - وأعني »إيمي إيكوت« في بحثها تأصيل هذه الظاهرة في انطلاقاتها الأولي، وعبر توالد أطوارها، كاشفة عن مبعث ازدهارها، وتزايد أهميتها الذي تجلي بتشكيل الشركات العسكرية الخاصة المعاصرة المتعددة، ذات الصفة التأسيسية التنظيمية المتقدمة، المنتمية الي تكتلات المصالح الرأسمالية المفرطة. تفسر الباحثة أن تلك الشركات قد اكتسبت مرجعيتها من استجاباتها لمطالب دول وجهات فاعلة غير حكومية في سياق دوائر الصراعات الدولية، وذلك عبر تعاقدات لتنفيذ مهامها المتنوعة، التي تتضمن أيضاً الحروب، والخدمات الأمنية. وتؤكد الباحثة أن تلك الشركات تؤدي مهام الدول نفسها بديلاً عنها، ولا شك أن ذلك يعني انها تتبدي مطايا تركبها الدول تحقيقاً لنفوذ سياساتها. وتشير الباحثة الي حقيقة واخزة، تتجلي في أنها تمارس أعمالها خارج الرأي العام، وتحتل مكانة غامضة تجاه القانون الدولي، كما انها انزلقت الي خلخلة كل المسلمات المتواترة، إذ بسبب تقديمها لخدماتها لمن يطلبها، استطاع فاعلون آخرون - غير الدول - أن يسيطروا علي القوة فرضاً لأهوائهم، وأصبح بمقدور بعض الدول ان تتواطأ مع تلك الشركات لاستخدام القوة ضد الإرادة العامة لمجتمع، لاستبقاء نظام حكم فقد شرعيته. كما تبدي الباحثة استياءها من أن هذه الشركات تخلق تعقيدات جديدة، بزعزعتها الموثوقات الأخلاقيات، وبشكل خاص أشارت الي الدور الشائن لشركة »بلاك ووتر«، التي استعانت بها الولاياتالمتحدة في العراق، فأشعلت صراع العنف المنفلت، وأدارت صناعة الفوضي المتوحشة، ووسعت للأمن المفتقد مساحة استيطانه.وقدرت ايرادات هذه الشركات عام 2005 بحوالي 200بليون دولار . تري ألم تفتح لنا الباحثة بوابة الإجابة عن سؤالنا الذي طرحناه، وذلك في ضوء إجراءات الكشف عن المسكوت عنه لدي من جري توقيفهم بجرائم حيازة الأسلحة وتهريبها، تفكيكاً للمستتر؟ لكن عتبة العبور من الانفلات الأمني تتجلي في اقتدار القوي السياسية، والثوار، والنخبة علي التوافق بطرح مبادرة إعادة بناء الثقة.