شكلت الآليات المستترة للاسترصاد والاستدراج جوهر ممارسات العالم السري لشبكة القوي الخفية، التي تتسلط علي مجتمعاتها، ومجتمعات العالم، استهدافاً لتصدير الأوهام والتوريطات، والأزمات السياسية والاقتصادية، للسيطرة علي الأسواق، واغتصاب الثروات لصالح حفنة من أفراد تلك القوي الخفية التي راحت تراكم رأس المال بممارسات وحشية، تقصي منطق العلاقات الأخلاقية المعيارية وتتخطاه الي منطق العلاقات الإجرائية التي تحقق الربح الفوري، حيث تتولي مؤسسات تلك الشبكة ومصارفها سائر أساليب التلاعب والفساد التي لا تخضع لأي دفع أخلاقي، وتناقض منطق الحقوق الانسانية كافة لكن دراسات بعض أصحاب الضمائر من المختصين، فضحت ذلك الواقع الخفي، وحراسه الذين هيمنوا علي العالم من خلال وسائل النشر والإعلام والجامعات، تسييسا للثقافة، لتعرقل تثقيف السياسة، وقد تبدي بعض من ذلك الفضح المعلن في كتاب »المال ضد الشعوب«، الصادر عام 4002 المشحون بجهد استقصائي مضن علي مدي سنوات، بذله مؤلفه »إيرك توسان« رئيس منتدي إلغاء ديون العالم الثالث في أمستردام إذ راح يتعقب ممارسات تلك القوي الخفية، كاشفاً عن دهاليز سياساتها المنفلتة، وما أنتجته من تدهور في شروط حياة الشعوب، وتزايد التفاوتات، وتهميش العالم الثالث وإقصائه، بإغراقه في قصة التاريخ الدامي المتواصل للديون، وشتي المشكلات والأزمات التي خنقت بصيرته عن الوعي بضرورة نهضته، ليظل رهين الاستغلال، وترحيل الثروات والأدمغة الي الشمال حتي أصبح ثلثا الاستثمار العالمية تحصل عليهما فئة محدودة باللجوء الي الإفساد، في حين تحصل بلدان العالم علي ثلث تلك الاستثمارات. إن ما كشفه »إريك توسان« من أن البحث المحموم عن الربح علي حساب الحقوق قد أصبح الخيار المطلق الحتمي الوحيد لسيادة العالم، وذلك ما يعني انغلاق أفق المستقبل علي مبدأ العنف الذي يرسخ التمييز لنخبة محددة، والإقصاء للجموع. تري هل اغتصب البحث المحموم عن الربح مملكة المفاهيم والقيم بالإغراء والإغواء؟ إذ يدعو الي الدهشة ما طرحه الكاتب الامريكي »تيم واينر« في كتابه »إرث ما الرماد« الصادر عام 7002 الذي يتناول أسرار وكالة الاستخبارات الامريكية حيث أورد أن المال أصبح جاذباً قوياً أنتج نزقاً في الأدمغة راحت سرعته تتزايد باطراد، مما دفع بثلاثة من القيادات النافذة من أفضل الضباط - ذاكراً الأسماء - أن ترتحل عن العمل في أجهزة رسمية سرية، لتلتحق بالخدمة في شركات خاصة، مثل »بلاك ووتر« تحقيقاً للكسب الكبير، وهو الأمر الذي لا يعتبره الكاتب شيئاً غريباً في واشنطن القرن الحادي والعشرين ويظل الفخ الفاغر فاه يبتلع فيالق من ضباط وكالة الاستخبارات الامريكية، الذين تركوا وظائفهم فيها للحصول علي المال الوفير مقابل بيع خدماتهم لشركات خاصة، من خلال كتابة التحليلات، وتركيب شبكات اتصال، والقيام بأعمال خفية، وقد حذا مستخدمون جدد حذوهم، فشكلوا - وفق تعبير الكاتب - سلالة جديدة من قطاع طرق مجتمع السلطة السياسية واستئناساً بما نشر من دراسات تستجلي هوية مهام بعض تلك الشركات الخاصة وحقائقها، تبدي وئام أنشطتها مع مهام وكالة الاستخبارات الأمريكية ففي كتابه »بلاك ووتر - صعود أقوي جيش مرتزقة في العالم« الصادر عام 7002 كشف الكاتب الأمريكي الجنسية »ريمي سكيل« عن امتلاك هذه الشركة لجيش من المرتزقة ينتشر في تسع دول، منها الولاياتالمتحدة، وعن امتلاكها أسطولاً خاصاً من المروحيات، والمدفعية، ووحدة طائرات تجسس، وعن أنها تعاقدت مع حكومة الولاياتالمتحدة للقيام بعمليات خاصة في العراق، وأفغانستان، ودارفور، ومنطقة قزوين، وإيران، وأيضا تنفيذها مهام لحساب عواصم بعض الدول وفي كتاب »شبكة كارلايل«، الصادر عام 4002، اقتحم مؤلفه الصحفي الفرنسي »فرانسوا ميسان« الخطوط المتشابكة لهذه الشبكة المتعددة الأنشطة، وتضم شخصيات نافذة كانت تعمل بوكالة الاستخبارات الأمريكية، ويتستر هدفها بدرع الاقتصاد، بوصفها جهاز تأثير، وآلة مضاربة مالية، ثم تنوعت مجالات أنشطتها لتضم أضخم مجموعة من الشركات المصنعة للسلاح والاتجار به، بدءاً من الدبابات والطائرات الحربية حتي الصواريخ وغيرها، كما تمارس العمل في مجال النفط، وتستحوذ علي عالم المعلوماتية والاتصالات بمختلف أشكالها، وتضطلع بما يعهد إليها من تنفيذ مهام إثارة الفوضي في بعض دول العالم. تري كيف يتكون حال التطور الذاتي سياسياً واجتماعياً لأي مجتمع في ظل هذه الخروقات التي يسكنها التسلط، والهيمنة، والتوحش الفالت للاستيلاء علي الثروات، وكل ما هو مضاد للحقوق المشروعة لمواطني تلك المجتمعات؟