كثيرة هي الحوارات والندوات والمؤتمرات التي شهدتها مصر خلال الشهور القليلة الماضية والتي انتهت كلها إلي لا شيء بسبب حدة المواقف وخروجها عن الأطر الموضوعة للحوار وسيطرة نزعة التشكيك وعدم الثقة بين معظم المشاركين فيها، لكن كل هذه الحوارات كانت شيئا والحوار الذي دعا إليه الدكتور علي السلمي نائب رئيس الوزراء للشئون السياسية حول مبادئ الدستور كان شيئا آخر من حيث حدة وضراوة الهجوم الذي تعرض له الرجل والذي خرج في بعض الاحيان عن أي حدود لأدب الحوار والمناقشة وابجديات الديمقراطية، التي لاتزال حلماً منشوداً يبدو انه صعب المنال. هجوم لا يستهدف الاصلاح بقدر ما يستهدف تصفية الحسابات وبقاء مصر محلك سر. فلا أحد في مصر كلها يختلف علي وطنية وانتماء الدكتور علي السلمي وتاريخه المشرف في العمل العام ناهيك عن دماثة خلقه وادبه الجم وانحيازه الكامل لقيم الحرية والعدل والمساواة والتي دفع ثمنا غاليا لها كان من الممكن أن يعوقه عن أداء دوره في خدمة بلاده. وربما لا يعرف الكثيرون ان قبول الدكتور علي السلمي لمنصب نائب رئيس الوزراء في حكومة الدكتور عصام شرف جاء بعد مفاوضات ولقاءات متعددة أكدت له أن المنصب ليس عرضاً بقدر ما هو تكليف وطني لم يجد الرجل بداً من قبوله. الدكتور علي السلمي بعلمه وخبرته الطويلة قام مستعينا بالعديد من الخبراء والقانونيين لإعداد مسودة لبعض المبادئ الأساسية للدستور الجديد الذي سيتم تشكيل جمعية تأسيسية لوضعه بعد انتخابات البرلمان القادمة. ودعا إلي مؤتمر أو حوار وطني يشارك فيه نخبة من رجال السياسة والاحزاب ومختلف القوي الوطنية حيث تم عرض المسودة والتي تحتمل التعديل والتغيير وفقا لما ينتهي اليه النقاش والحوار. وبديهي تماماً أن أي مسودة تطرح للنقاش سوف تقبل الحذف والاضافة بل ان النقاش قد يسفر عن طرح مبادئ جديدة تحظي بالقبول والاجماع واعتقد ان ذلك كان راسخاً في عقل الدكتور علي السلمي قبل دعوته للحوار. لكن حمي المواقف العنترية سرعان ما بدأت تهيل التراب علي من قاموا بإعداد المسودة وتتهمهم بتهم كثيرة لم تترك رذيلة إلا ونسبتها إليهم وفي مقدمتهم الدكتور علي السلمي. وعلي طريقة »يا فيها لاخفيها« بدأ الهجوم ببعض من لم يدعوا للحوار من انصاف السياسيين والاحزاب التي ولدت في الظلام واشترك معهم بعض من الشخصيات التي نطلق عليها عبارة »مرشح محتمل للرئاسة« وهو وصف تنفرد به مصر ضمن عبارات واوصاف كثيرة جعلها إعلامنا مادة للتسالي في الهوجة التي تعيشها مصر الآن. فعلي حين يحظر القانون تماماً أي دعاية انتخابية قبل فتح باب الترشيح او اعلان شروطه عاش بعض »المرشحين المحتملين« حلم »الرئيس« دون ان يتطرق لذهن أي واحد منهم وطأة اعبائه وفداحة الثمن الذي يدفع لها. وفي هوجة الهجوم انضم لهم بعض الائتلافات والجمعيات والكتاب في تأكيد واضح وصريح علي اننا بالفعل ننشد الديمقراطية والعدالة والمساواة ولكننا لا نعرف واجباتها المقدسة. ففي كل الحوارات التي يشارك فيها المصريون لا أحد ينصت ولكن الكل يريد أن يتحدث. كان من الطبيعي ان يتم تصدير المجلس العسكري في واجهة الهجوم، حيث بدأ جهابذة السياسة الجدد الحديث المغلوط عن توسيع اختصاصات المجلس الاعلي وتفاصيل الموازنة الخاصة بالقوات المسلحة، وكذلك تركيبة الجمعية التأسيسية للدستور، بالاضافة إلي مشاركة المجلس الأعلي لمجلس الشعب في اتخاذ قرار الحرب. تناسي هواة اهالة التراب علي كل شيء ان ذكر ارقام الموازنة الخاصة بالقوات المسلحة بتفاصيلها لا يمكن ان تتم مثلما تتم في بقية الوزارات أو الهيئات. ذلك أن تفصيل ارقام الموازنة يعني افشاء سرية وطبيعة وتركيبة قواتنا المسلحة ومدي استعدادها للدخول في أي حالة حرب. فمن بند الأجور مثلا يمكن معرفة عدد أفرادها ومن بند التسليح يمكن معرفة مصادر التسليح ونوعيته وهكذا ذكر رقم الموازنة إجماليا، هو أمر طبيعي لا يجب المساس به أو طرحه للنقاش داخل مجلس الشعب أو خارجه لانه يتعلق بسرية العمل ومقتضيات الأمن القومي ويبدو ان مفهوم الديمقراطية والشفافية قد اتسع في عقول البعض الذين ينصبون انفسهم أوصياء علي شعب مصر كله ليشمل خروجا علي العقل والمنطق! ولا يجب بأي حال من الاحوال ان نعقد مقارنات بين موازنة جيش مصر وموازنات دول أخري تختلف عنا جملة وتفصيلا في تحديات الأمن القومي التي تواجهها وايضا تختلف في قدرتها علي توفير كل الموارد وتصنيع الأسلحة والعتاد اللازم لجيوشها ونتناسي جميعا ان عبقرية جيش مصر تكمن في نوعية رجاله قبل عتاده. البعض هاجم الفقرة الخاصة باعلان الحرب وطالب بأن يكون مجلس الشعب فقط صاحب الحق ولا يشاركه المجلس الأعلي للقوات المسلحة وهو مطلب ساذج لا يفرق بين إدارة حرب وإدارة جلسة تحت القبة!! وجاءت المسودة لتشمل نقطة في غاية الاهمية وهي الحالة التي لا تنتهي فيها الجمعية التأسيسية من إعداد مشروع الدستور في المدة المحددة وهي ستة اشهر حيث تضمن حقاً مؤقتاً للمجلس العسكري الذي يدير أمور البلاد في تشكيل جمعية تأسيسية جديدة تنتهي من مشروع الدستور خلال 3 شهور. كما تطرقت لنقطة كنت اظن انها ستكون موضع الاحترام والتقدير وهي حالة وجود نص أو أكثر يتعارض مع المقومات الأساسية للدولة والمجتمع والحقوق والحريات العامة فاعطي للمجلس الحق ان يطلب من الجمعية التأسيسية مراجعتها خلال 51 يوماً وفي حالة رفضها يتم اللجوء للمحكمة الدستورية العليا ليكون حكمها باتا وملزماً للجميع تناسي الشتامون وراكبو هوجة الديمقراطية وهي منهم براء انه لابد ان يكون هناك حكم في النهاية ولم يجد واضعو المسودة حكماً سوي قضاء مصر الذي نجل له جميعا القدسية والاحترام. وبعد انتهاء الجولة الأولي العاصفة للحوار قام د. علي السلمي بإجراء بعض التعديلات. والتعديل أكد بما لا يدع مجالا لأي شك نزاهة القصد الذي من اجله وضعت هذه المباديء والتي تطرح للنقاش وهي لاتزال عرضة لاي تعديلات أو إضافة سيكون الدكتور علي السلمي أول المرحبين بها، تعديل فقرة أو أكثر لا يمكن أن يقلل الجهد الوطني الذي بذله الرجل المنوط به تمهيد الطريق لديمقراطية تستشرف آفاق المستقبل وتقوم علي العلم والمعرفة وليس علي قوة العضلات وصفاقة الحناجر. ليتنا نتعلم بالفعل ثقافة الحوار وثقافة الاختلاف في الرأي، ليتنا نعود إلي اخلاقنا المصرية الاصيلة بعيداً عن لغة التخوين والاسفاف التي تطغي علي ابجديات تعاملاتنا. قلبي مع شباب الفيس بوك والنت الذين سرقت ثورتهم واصبحت ثوباً لأدعياء الوطنية وفي حبك يا مصر!!