يا عسكري يا أبو بندقية يا زينة الأمة المصرية.. أنت قوي جبار ولا تخاف من النار يا عسكري يا أبو بندقية، هذا ما استطاعت ذاكرتي حصده من ماضي الطفولة عن عسكري الحراسة الذي كان يجوب الشوارع ونحن صغار ونسمع صوته الجهوري وهو يصرخ في منتصف الليل بعد نحنحته الشهيرة قائلا : مين هناك ؟؟؟ ويرتعب السارق والحرامي وكل من يخرق القانون من مجرد سماع هاتين الكلمتين ، وتمر الأيام ويختفي هذا العسكري صاحب الهيبة والردع ، لتظهر شخصية هزيلة خائفة من خيالها ، لا تجيد القراءة ولا الكتابة ولا حتي الفهم ، ولم يبال أحد بأمر هذا العسكري الغلبان ! بالأمس كنت تائهة في إحدي المناطق السكنية بمدينة نصر وكان هناك أحد عساكر الحراسة لأحد المنشآت الصناعية، واقتربت منه اعتقادا مني أنه يستطيع أن يساعدني علي الطريق الصحيح، وما كدت اقترب بسيارتي حتي جاءني مهرولا، وسعدت بيني وبين نفسي من أنني وجدت منقذا لضياعي في هذه الشوارع المتشابكة ، وسألته بحسن نية علي الطريق الذي أريده ، ووجدت ابتسامة عريضة علي وجهه مرحبا بسؤالي قائلا بكل ثقة : أمشي علي طول ثم اكسري يمين ثم أمشي شمال وعلي أيدك اليمين سوف تجد بوابة حديدية هو ده المكان، ثم صمت قبل أن أتحرك بسيارتي قال لي ملاحقا : ممكن أتنين جنيه علشان أنا لسه ما فطرتش. هالني الطلب لأن الساعة كانت قد تجاوزت الثالثة بعد الظهر، وما أزعجني أكثر أن هذا العسكري الغلبان الذي يقف بسلاح فارغ أمام هذا المبني الأنيق لا يملك قوت يومه ، فكيف يطلب منه الحراسة ؟ وتوقفت بسيارتي مذهولة من هول بساطة طلبه الذي سألني فيه بكل عفوية الإنسان البسيط الغلبان الذي نراه جميعا واقفا لا حول له ولا قوة علي بوابات كثيرة مثل الشركات والبنوك وهيئات المصالح الحكومية، لا هو حارس لها ولا هو مدرك لما يحدث حوله أو ما يحدث له !! وتركته واقفا مبتسما!! وبعد عناء اكتشفت أن العنوان الذي وصفه لي خطأ !! وأخذت أدندن بصوت مسموع لنفسي: يا عسكري يا أبو بندقية يا زينة الأمة المصرية أنت قوي جبار ولا تخاف من النار !!