أثار رعب واشنطن وتل أبيب.. من هو إبراهيم عقيل الذي اغتالته إسرائيل؟    وزير الخارجية: تقسيم السودان خط أحمر، وقضية مياه النيل حياة أو موت، وخسائرنا بسبب انخفاض عائدات قناة السويس 6 مليارات دولار، لا بد لإسرائيل أن تنسحب من رفح ومحور فيلادلفيا    موعد الشباب ضد التعاون في دوري روشن السعودي والقنوات الناقلة    حدث ليلا.. تطورات جديدة بشأن حزب الله وإسرائيل والحرب على غزة (فيديو)    موعد مباراة يوفنتوس ضد نابولي في الدوري الإيطالي والقنوات الناقلة    عاجل.. فيفا يعلن منافسة الأهلي على 3 بطولات قارية في كأس إنتركونتيننتال    موعد انكسار الموجة الحارة وتوقعات حالة الطقس.. متى تسقط الأمطار؟    حبس متهم مفصول من الطريقة التيجانية بعد اتهامه بالتحرش بسيدة    رسميا.. رابط الواجبات المنزلية والتقييمات الأسبوعية ل الصف الثاني الابتدائي    مدحت العدل يوجه رسالة لجماهير الزمالك.. ماذا قال؟    فلسطين.. شهيد وعدة إصابات جراء قصف الاحتلال لمنزل في خان يونس    ضبط 12شخصا من بينهم 3 مصابين في مشاجرتين بالبلينا وجهينة بسوهاج    عمرو أديب: بعض مشايخ الصوفية غير أسوياء و ليس لهم علاقة بالدين    هل يؤثر خفض الفائدة الأمريكية على أسعار الذهب في مصر؟    فصل التيار الكهرباء عن ديرب نجم بالشرقية لأعمال الصيانة    النيابة تأمر بإخلاء سبيل خديجة خالد ووالدتها بعد حبس صلاح التيجاني    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024    أرباح أكثر.. أدوات جديدة من يوتيوب لصناع المحتوى    مريم متسابقة ب«كاستنج»: زوجي دعمني للسفر إلى القاهرة لتحقيق حلمي في التمثيل    هاني فرحات: جمهور البحرين ذواق للطرب الأصيل.. وأنغام في قمة العطاء الفني    وفاة والدة اللواء محمود توفيق وزير الداخلية    موعد إجازة 6 أكتوبر 2024 للموظفين والمدارس (9 أيام عطلات رسمية الشهر المقبل)    عاجل - رياح وسحب كثيفة تضرب عدة محافظات في العراق وسط تساؤلات حول تأجيل الدراسة    "حزب الله" يستهدف مرتفع أبو دجاج الإسرائيلي بقذائف المدفعية ويدمر دبابة ميركافا    وزير الخارجية: الجهد المصري مع قطر والولايات المتحدة لن يتوقف ونعمل على حقن دماء الفلسطينيين    محامي يكشف مفاجآت في قضية اتهام صلاح التيجاني بالتحرش    مواصفات فورد برونكو سبورت 2025    في احتفالية كبرى.. نادي الفيوم يكرم 150 من المتفوقين الأوائل| صور    الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية تعزى وزير الداخلية فى وفاة والدته    عبد المنعم على دكة البدلاء| نيس يحقق فوزا كاسحًا على سانت إيتيان ب8 أهداف نظيفة    مواصفات هاتف Realme P2 Pro الجديد ببطارية كبيرة 5200 مللي أمبير وسعر مميز    ملف يلا كورة.. تأهل الزمالك.. رمز فرعوني بدرع الدوري.. وإنتركونتيننتال في قطر    نائب محافظ المركزي المصري يعقد لقاءات مع أكثر من 35 مؤسسة مالية عالمية لاستعراض نجاحات السياسة النقدية.. فيديو وصور    صرف فروقات الرواتب للعسكريين 2024 بأمر ملكي احتفاءً باليوم الوطني السعودي 94    حفل للأطفال الأيتام بقرية طحانوب| الأمهات: أطفالنا ينتظرونه بفارغ الصبر.. ويؤكدون: بهجة لقلوب صغيرة    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. أذكار تصفي الذهن وتحسن الحالة النفسية    «الإفتاء» توضح كيفية التخلص من الوسواس أثناء أداء الصلاة    وصلت بطعنات نافذة.. إنقاذ مريضة من الموت المحقق بمستشفى جامعة القناة    بدائل متاحة «على أد الإيد»| «ساندوتش المدرسة».. بسعر أقل وفائدة أكثر    ضائقة مادية.. توقعات برج الحمل اليوم 21 سبتمبر 2024    وزير الثقافة بافتتاح ملتقى «أولادنا» لفنون ذوي القدرات الخاصة: سندعم المبدعين    أول ظهور لأحمد سعد وعلياء بسيوني معًا من حفل زفاف نجل بسمة وهبة    راجعين.. أول رد من شوبير على تعاقده مع قناة الأهلي    إسرائيل تغتال الأبرياء بسلاح التجويع.. مستقبل «مقبض» للقضية الفلسطينية    وزير الخارجية يؤكد حرص مصر على وحدة السودان وسلامته الإقليمية    بعد قرار الفيدرالي الأمريكي.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم السبت 21 سبتمبر 2024    مستشفى قنا العام تسجل "صفر" فى قوائم انتظار القسطرة القلبية لأول مرة    عمرو أديب يطالب الحكومة بالكشف عن أسباب المرض الغامض في أسوان    تعليم الفيوم ينهي استعداداته لاستقبال رياض أطفال المحافظة.. صور    أخبار × 24 ساعة.. انطلاق فعاليات ملتقى فنون ذوي القدرات الخاصة    حريق يلتهم 4 منازل بساقلتة في سوهاج    انقطاع الكهرباء عن مدينة جمصة 5 ساعات بسبب أعمال صيانه اليوم    تعليم الإسكندرية يشارك في حفل تخرج الدفعة 54 بكلية التربية    ريم البارودي تنسحب من مسلسل «جوما» بطولة ميرفت أمين (تفاصيل)    أكثر شيوعًا لدى كبار السن، أسباب وأعراض إعتام عدسة العين    أوقاف الفيوم تفتتح أربعة مساجد اليوم الجمعة بعد الإحلال والتجديد    آية الكرسي: درع الحماية اليومي وفضل قراءتها في الصباح والمساء    الإفتاء: مشاهدة مقاطع قراءة القرآن الكريم مصحوبة بالموسيقى أو الترويج لها محرم شرعا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغيطاني: خائف من دخولنا عصر الميليشيات

من علي الباب؟ أنا! اتفضل ادخل، أنت مين؟ أنا «جمال الغيطاني»! خير يا جمال؟ أريد من حضرتك نشر هذه القصة، أمسك المفكر
الراحل «محمود أمين العالم» - وكان وقتها رئيس مجلس ادارة «أخبار اليوم» - وقرأ سطورها الأولي، وقبل أن يصل إلي نهايتها قال له: يا ابني أنت بتشتغل هنا معانا؟ رد: لا، قال: تحب تشتغل؟ يا خبر أبيض يا أفندم.. ياريت، رد «العالم»: روح هات أوراقك وتعالي بكره، ثم أردف قائلا: يا جمال إنت موهوب.. واللي زيك «مينفعش» يُترك خارج «أخبار اليوم»! البلد محتاجة «المواهب» من أمثالك.
دار الزمن دورته، وأصبح «الغيطاني» أديباً وروائياً لامعاً مصرياً وعربياً، وصحفياً من العيار الثقيل، ولو أنه لم يقدم للصحافة المصرية، إلا أخبار الأدب - التي أثرت في وجداننا الوطني والثقافي - فقط، لكفاه ذلك.
مكتبه في الدور الثامن في «أخبار اليوم» بعد دقائق جلست أمامه، صور متعددة في المكتب، أبرزها، وأجملها، وأكبرها صورة ل «نجيب محفوظ» وعليها عنوان «الخروج إلي النهار» وكلما جاء اتصال تليفوني له أثناء الحوار - وما أكثرها - انظر للراحل العالمي «نجيب محفوظ».. وهو في طريقه «للنهار» كما توحي الصورة، انظر لملامح «الغيطاني» المصرية الأصيلة، ولأوراقه التي علي المكتب، وقلمه، ولبعض الحروف والكلمات أمامه، فأشعر - في ظني - أنه يريد من وراء ذلك كله خروج البلد الي النهار..
والي نص الحوار:
رمضان في طفولتك.. كيف كان يأتي؟
- أول صورة في الذاكرة، مرتبطة بالمكان، حيث كنانسكن في درب الطبلاوي، وهو درب متفرع من شارع «قصر الشوق»، وكان إحدي العلامات المهمة جداً يومها هي «لمة» الأسرة، وكانت «والدتي» رحمة الله عليها تهتم بالأكل جداً، ومتفوقة في إعداد «الكنافة» ورثت شقيقتي طريقتها في اعداد «الكنافة» وكان رمضان مرتبطاً بخرق العادة.
إزاي؟
- مثلاً كان مسموحاً بالسهر حتي منتصف الليل بالنسبة لنا ونحن أطفال.
وهل السهر كان ممنوعاً في غير رمضان؟
- طبعاً.. لأنه كان هناك اعتقاد لدي الناس بأن «العفاريت» تحبس في رمضان، وبما أن العفريت يسلسل فأنت بالتالي تستطيع اللعب والسهر براحتك وكان لكل حارة «عفاريتها».
وحارتكم كان فيها «عفريت»؟
- آه.. كان يظهر في الحارة، ومعروف والناس تخافه وتحذر منه، وكان يرتدي «زي عسكري».
وعفريت حارتكم حقيقة أم خيال؟
- فيه ناس كانت تقول إنها رأته، رؤية العين، ونحن - كأطفال - كنا نخاف الذهاب ناحية «الفرن» لأنه علي الناصية المقابلة كانت «المسافرخانة» وكانت مهجورة في ذلك الوقت، ولها حارس من الآثار، وأول مصري اهتم بها وأعاد لها الحياة هو د. ثروت عكاشة، بمناسبة احتفالية ألفية القاهرة عام 1969 وافتتح هذه الألفية جمال عبد الناصر وأنا حضرتها في جامعة الدول العربية.
1969.. إذن الاحتفالية كانت بعد النكسة؟
- ومن هنا تأتي أهمية الاحتفالية، لأنه كان في ذلك نشاطاً ثقافياً يرد علي هزيمة يونيو، وكانت هذه الأجواء تهدف الي البحث عن الشخصية المصرية، ولماذا حدث هذا في النكسة؟
إذن البناء لم يكن في الجبهة فقط؟
- لا.. البناء كان لكل شيء، فلقد كانت هناك حالة «قلق» روحي، والثقافة هي التي تصدت للهزيمة، بعد «هبة» الشعب المصري في 9 و10 يونيو 67 - إعلان التنحي لعبد الناصر - والتي تشبه «هبة» يناير 2011.
قبل 25 يناير 2011 تعود للطفولة ورمضان وذكرياتك؟
- آه.. لم يكن هناك تليفزيون، وكان الترفيه هو الراديو وكانت لنا جارة عندها راديو - نحن لم يكن لدينا - تقوم برفع صوت الراديو، حتي نسمع مسلسل «ألف ليلة وليلة»، والفوازير، وكان صوت الشيخ محمد رفعت، والذي يعد من الاصوات الانسانية المعجزة.
هل استمعت له مباشرة؟
- والدي استمع مباشرة، وكان يقول - رحمة الله عليه - إن ما تسمعه من صوت الشيخ رفعت، مجرد «خدش» يدل علي معجزة، خلقها الله، فتخيل الأصل كيف يكون؟
كنت تحب صوت الشيخ رفعت؟
- أنا من عشاقه، خاصة صوته في الآذان، هذا الآذان اعتبره من المعجزات الانسانية، لكن للأسف استبدلناه بآذان مزعج مثل «صفارة» الانذار.
ولمن هذا الصوت؟
- لمشايخ الحرم النبوي، التي جاءت لنا، تلك الأصوات التي تخلو من جماليات الصوت المصري في الآذان، والذي نجده في آذان الشيخ رفعت، وبعده بمسافة يأتي الآذان التركي، وكان فيه «عجم» يأتون ب «النقل» من إيران، وفي عاشوراء كان لهم مسيرة في الحسين اسمها زفة العجم، وأنارأيتها ثم بعد ذلك حدث لهم «ذوبان» في المجتمع المصري، لأن من مكونات مصر أنها تهضم أي غريب يأتي إليها.
إذن رمضان في القاهرة القديمة له طقوسه الخاصة؟
- كان له أجواؤه الخاصة، وأنا أعتقد أن الذي لم ير رمضان في القاهرة القديمة «الجمالية والحسين وباب الشعرية» وغيرها فهو لم يعرف رمضان، ونحن كنا نتعجل الصيام، ونصوم صيام الشباب، وكان عمري وقتها 5 سنوات، وكنا ننتظر «المسحراتي» ونسمعه وهو ينادي علي الأهل، لذلك كنت أعادل رمضان - هذه عادة منذ الصغر - كشهر إلي معادل إنساني.
كيف؟
- كنت أعتبره أو أشوفه رجلاً ذقنه كبيرة، ويرتدي أبيض في أبيض ومبتسماً وطيباً، وعندما يأتي العيد، كان ينتابني مشاعر حزن، وكأن هناك ضيفاً عزيزاً في طريقه للغياب، وكان أبي حريصا أن يأخذنا في يده الي مسجد الحسين أنا وشقيقي اسماعيل.
ومن هنا جاء ارتباطك بالحسين؟
- نعم، وهذا ما عبرت عنه في كتابي «التجليات» والذي جاء فيه علاقتي بمولانا وسيدنا الحسين، وهي علاقة مثل علاقة المصريين بأهل البيت.
وما حدود هذه العلاقة؟
- نحن نذوب حباً في أهل البيت، ولكننا لسنا شيعة، هذه هي التركيبة الخاصة جداً بمصر، والتي تتعرض لخلل حالياً.
وما سبب هذا الخلل؟
- عندما تضعف مصر تحدث فيها اختراقات وعندما تضطرب تحدث أيضا اختراقات الي حين، ثم تسترد سيرتها الأولي.
في العصر الحديث ما متي بدأ الضعف يظهر علي مصر؟
- في السبعينيات. عندما خرج المصريون أثناء «هوجة» الانفتاح الكبري لأكل العيش، ناس كثيرة ذهبت الي الخليج وبالتحديد السعودية.
وماذا حدث عندما ذهبوا؟
- ربطوا ما بين الخير الطارئ «الذي هو النفط»، وبين شكل التدين هناك، وهذا ما قاله الشيخ الوهابي اسمه «الخضيري» الذي كان يخطب في امبابة، وأنا أتعجب كيف يُسمح لهذا الشيخ أن يخطب في امبابة؟ في الوقت الذي لا تستطيع أنت أن تخرج شيخاً مصرياً يخطب في السعودية.
وهل هذا شبح سعودي؟
- آه.. واسمه الشيخ «الخضيري» يأتي بانتظام ويختار امبابة بالتحديد.
ولماذا امبابة؟
- لأنه يبشر فيها بالمذهب الوهابي، وكان في امبابة منذ ايام.
وما الفكر الذي يحاول طرحه؟
- يقول «يا مصريين» اتركوا المذهب الذي انتم عليه، و«غطوا» حريمكم وافعلوا مثلما نفعل في السعودية.
يعني لا نجعل السيدات تقود السيارات؟
- آه.. لأن الخير جاء للسعودية عن طريق لجان «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» مع أنه لو قرأ الادب السعودي الذي يكتبه الشباب الآن، سيجد مجتمعاً مرعبا، الذي هو المجتمع «الخفي» بكل تناقضاته ومعاناة الناس فيه وخاصة المرأة، التي مازالت تعامل وكأنها اقل من المستوي الآدمي، وممنوعة من قيادة سيارة.
وهل في ذلك خطورة علي الاسلام؟
- طبعاً.. هذا يحسب عليه، والاسلام ليس كذلك.
وهل تأثر المصريون سواء بالسفر أو بحضور مثل هذه الندوات والخطب؟
- نعم تأثروا.. والحركة السلفية في مصر، حركة قديمة، وكان لهارواد كبار، وتعمل في الخير، هدفها الدعوة، وهم الذين أقاموا مستشفي العجوزة.
لكنها تتحول من حركة دعوية هادئة إلي حركة سياسية؟
- هذه هي المشكلة.. فهي الآن تنتقل إلي حركة لها مخالب وأنياب وطموح سياسي.
هل هذا الطموح من وراءه؟
- بالتأكيد.. هي مدفوعة.. أنا لا أتحدث عن أموال، لكن هناك من يدعمها معنويا، وممكن مادياً، السعودية ليست بعيدة عن ذلك.
وما الفائدة العائدة علي السعودية من ذلك؟
- نظامها ذكي، يعمل بالخبراء، وهم يعرفون تماماً أن الثورة المصرية رياحها ستلحق بهم عاجلاً أم آجلاً، وحتي يتجنبوا ذلك، يحاولوا العمل بالسالب، حتي تظهر «الثورة» أمام الناس بالشكل الذي هي عليه الآن.
إذن نحن مخترقون؟
- من أيام السبعينيات، فترة السادات بدأت مصر تتراجع، وزادت في أيام مبارك حيث تضاءلت مصر معه، وعلينا أن نعرف أن الرئيس في مصر مهم.
بمعني؟
- بمعني أن الذي يجلس فوق كرسي الحكم، يصيغ في مصر بشكله ومشروعه وفكره.
حتي لا أنسي.. أريد العودة إلي «عفريت» حارتكم في رمضان.. كيف كان؟
- كان يخرج مرتدياً زياً عسكرياً، ويلتقي مع الشخص في الشارع ويسأله «الساعة في ايدك كام»؟ فيرد الشخص علي السائل.
اللي هو «العفريت»؟
- آه.. ثم يمشي.. وأثناء ما هو يواصل سيره، يسمع الإنسان صوت خطوات غير عادية.
خطوات إيه؟
- خطوات ماعز.. فينظر فيجد النصف الأسفل «ماعز» والنصف العلوي بني آدم، فتحدث «خضة» لمن رأي العفريت.
هل تعرضت له.. يعني قابلت «عفريت» حارتكم؟
- لا.. سمعت عنه.. لكنني لم أره، ومن السمع - والسمع فقط - تآلفت مع «العفاريت» في الأماكن المظلمة لأنني عشت في أماكن «ضلمة» لا تتخيلها.
وأين كانت هذه الأماكن؟
- في الصحراء وفي المعتقل وفي الجبهة أيام حرب أكتوبر 73 تقدر تقول «مبقتش» أخاف.
قلت إن هناك تشابهاً بين 8 و9 - 1967 - بعد خطاب تنحي عبد الناصر - وبين 25 يناير؟
- الشبه في التحرك.. شوف.. الشعب المصري له قانون خاص في التحرك، وأن أدعو الباحثين لفحصه، وعندما ترجع لتاريخ ثورة 1919، تجد شيئا غريباً جداً، وأذكر مصطفي أمين - وهو تربي في بيت الأمة - قال لي إنه كانت تحدث في البلد أحاديث كبيرة، وكان المفروض أن تنزل الناس الشارع.
لكن الناس لا تنزل؟
- بالضبط كده.. فكان سعد باشا زغلول زعيم ثورة 1919 والمصريين، يقول ألفاظاً قاسية ضد الناس.. ويسأل: الناس هتنزل إمتي؟ وإذا لم تنزل الآن هكذا، وبعدها بيوم يحدث أن «عسكري انجليزي» «يتخانق» مع «فران» في حارة «مراسينا» في السيدة زينب، فتولع مصر من أقصاها إلي أدناها، بسبب هذا الحادث البسيط.
وهل يوم التنحي لعبد الناصر.. كان يشبه ذلك أيضا؟
- ارجع له.. تجده متشابها الي حد كبير 8 و9 كانت «هبة» من المصريين بسبب قراره، طبعاً الناس وقتها لم تكن تعلم حجم المصيبة.
إذن لم يكونوا يعرفون الكارثة.. فكيف خرجوا؟
- المصريون أدركوا أن عبد الناصر الذي كان يعطيهم القوة والاحساس بالنفس «اتهزم» - الفتوة في مأزق - وبالتالي نقف بجواره، فخرج المصريون دون أن يدفعهم لذلك أحد، ونفس الخروج حدث في 18 و 19 يناير 1977 ونفس الشيء في 25 يناير مع اختلاف التفاصيل، في 25 يناير كنت علي مكتبي هذا وكان أمام دار القضاء العالي زميلنا محمد شعير، فقلت له: إيه الأخبار؟ قال: لا.. زي كل مرة.. لا يوجد هنا إلا الدكتور محمد أبو الغار، بعد 20 دقيقة من المحادثة مصر اتغيرت.
كيف؟
- عاود محمد الاتصال بي، وقال يا أستاذ فيه أفواج قادمة من الشوارع لم نرها من قبل، هنا التقطت الخيط، وقلت «خلصت» الشعب كرر ما فعله في ثورة 19 و8 و9 يونيو 67 و18 و19 يناير 77.
وأصبحنا أمام «هبة» شعب؟
- ليس أي شعب، خلي بالك ده الشعب المصري.. تركت المكتب ونزلت أمام أخبار اليوم، فوجدت شبابا من بولاق، وأدركت ان اللحظة التي كنت أتنبأ بها بدأت تهل.. طالما ظهرت «كتل» فمعني ذلك أن المصريين تحركوا هذه الحركة أفهمها جيداً.
وما هي هذه الحركة؟
- هذه الحركة عبر عنها كتاب «الخروج إلي النهار» - هو الكتاب المقدس لمصر القديمة - وهو معروف خطأ باسم «كتاب الموتي» هو ليس كذلك.
اسمه «الخروج إلي النهار».. أليس كذلك؟
- نعم.. لأن المصريين كانت عقيدتهم أنهم يرفضون فكرة الموت، وأن الحياة باقية، ومن هنا جاءت فكرة الآخرة والحساب.
وهل هذا له علاقة بحركة المصريين؟
- آه.. الكل في واحد، في لحظة معينة، يجمع المصريون علي موقف واحد، فيتصرف من في الواحات، مثلما يتصرف من في مصر القديمة، دون أن يلتقوا.
نأتي الي هذه اللحظة.. ونسأل.. هل تغير مبارك - كحاكم - من بداية عهده الي نهايته؟
- بالطبع.. وأسوأ شيء في هذا التغيير هو دخول ابنائه في البزنس، هذه اللحظة حولت الضابط الملتزم المنضبط، وهذ ما حدث في نهاية المرحلة الاولي من حكمه، وعندما تقرأ عن ثورة 1919 وهذا صدر في كتاب للدكتور صابر عرب «الأيام الحمراء» لشيخ كاتب عن التفاصيل اليومية لثورة 1919 تجده وكأنك تقرأ عن ثورة يناير، لذلك أنا اطالب بجمع وتدريس كل هذه «الهبات» الشعبية وتدريسها في المدارس.
ولماذا لا يتم هذا؟
- أنا الحقيقة أطالب بذلك حتي نحافظ علي الذاكرة الوطنية بوعي.. وعموما الشعب المصري لديه آليات للحفاظ علي هذه الذاكرة سواء درست أو لم تدرس، وأنا أري أن الشعب المصر ي عبارة عن «تحويجة» صنعت من عناصر كثيرة جداً، وأنت تستطيع عملها، لكن لا تستطيع «فكها».
وهل الحاكم - أي حاكم - يدرك ويعرف هذه «التحويجة»؟
- للأسف لا.. انظر ل 30 سنة الأخيرة، ستجد كتاب وصحفيين وطنيين وثوريين، كانوا يقولون: إن الشعب لا يتحرك ولن يتحرك، شعب «خنوع» لكن فترة مبارك شهدت حاجةغريبة لم تمر عليه من قبل؟
وما هي؟
- احتقار المصريين، والتعالي علي الشعب، وفقدان الأمل، ووصلت قمة الاحتقار في «غرق العبارة» وارجع لأخبار الأدب يومها كان الغلاف لسيدة جالسة أمام البحر في انتظار زوجها الذي لن يأتي.
هل رد النظام علي غرق العبارة كان فيه احتقار للشعب؟
- كان قمة الاحتقار «1100» بالمناسبة العبارة ليست ملك ممدوح اسماعيل.
ملك زكريا عزمي؟
- لا، ولا جمال.. (يقال....... ثم توقف الأستاذ وقال «خليها بعدين»).
وغرقت العبارة؟
- نعم، ولم نجد من «يجبر» بخاطر الناس ولو بكلمة، وبدلاً من أن «تجبر» بخاطر الأهل، تجد الأمن المركزي ضرب الناس التي ذهبت لتأتي بأشلاء أهاليها بالقنابل المسيلة للدموع.
كان فيه عنف؟
- لا.. كان فيه غلظة في التعامل.. ثم في المساء ذهب مبارك ليشجع منتخب حسن شحاتة.. وهذه في حد ذاتها يجب أن يحاكم مبارك عليها، وموضوع العبارة يجب أن يفتح ملفه، حتي نكشف مناطق أخري للفساد بين ضفتي البحر الأحمر!! أمام هذا.. كيف يرد الشعب المصري علي هذا الاحتقار؟
إزاي يا أستاذ؟
- يعزل الحاكم، في الوقت الذي يعتقد فيه الحاكم أنه هو للأبد، في هذه اللحظة نجد الشعب أعطاه ظهره، ويظل معزولاً ومعلقاً حتي تأتي «هبة» كالتي حدثت في يناير فيسقط لذلك علينا أن نتعلم من خبرة ال 30 سنة.
كيف؟
- إذا ظلت السلطات المطلقة لرئيس الدولة كما هي في الدستور، وإذا لم يلحق عقاب حقيقي للرئيس الذي يحاكم حالياً، فسيأتي لك رئيس أخبث وأكثر ضراوة من مبارك، وسيستفيد من الذي لم يفعله مبارك ويعمله، وعلينا أن نتعامل بشفافية مطلقة مع الشعب، لكننا حتي الآن نحن أمام نظام مبارك او طريقة حكم مبارك. د. عصام شرف هو يتصرف وكأنه مبارك صغير، وانظر لحركة المحافظين تجده ينتج مبارك اخر.
كيف نبني مصر الحديثة؟
- النزول بسن رئيس الجمهورية، أن يتولي واحد من الشباب مثل عبد الناصر وثوار يوليو، ليس من المنطق أن يحكم واحد عمره 75 سنة، اذا حدث ذلك يبقي مبارك أحسن، وانظر لعمرو موسي نجده يفعل نفس الذي كان يفعله جمال مبارك فهو ينزل ليزور الفقراء في امبابة مثلما كان جمال يزورهم في العجوزة، يعني قبلها بمحطة، هذا ابتزاز سياسي لا أحبه ولا يليق بالشعب المصري.
نرجع ل 25 يناير..
- عظمتها أنها كانت بدون قائد أو اطار ومصيبتها أنها كانت بدون قائد أو اطار، الميزة هي العيب.
كيف تري مصر الآن؟
- مصر فيها طاقة بعد 25 يناير تبني قوة عظمي، لكن بنفس هذه الطاقة ممكن البلد يدمر بهدوء.
والحل؟
- توجيه هذه الطاقة، ونهضة مصر دائما تبدأ بالثورات وانظر لما بعد ثورة 1919 تجد نهضة، تحتاج من يوجه الطاقات، وأخطر ما نتعرض له الآن هو غياب الأمن.
والشرطة؟
- عملياً أنت بدون شرطة، ماذا حدث لها؟ ولماذا لا ينزل الأمن المركزي ليقوم بدوريات والتوسع في الشرطة العسكرية.
بعضهم ممكن يكون «مكسورا» نفسيا؟
- يعني إيه «مكسور» طيب الجيش المصري عاد مهزوماً في 67 وبعد اسبوعين كان دخل معركة مع العدو في رأس العش، لذلك أخشي أن تدخل مصر عصر الميليشيات المسلحة مع البلطجة.
لهذه الدرجة؟
- طبعاً.. وممكن الآن تبدأ عمليات تصفية منظمة وراجع حادث «دسوق» وهي من أخطر ما يكون.. رغم أنه كان بلطجية لكن الرد لا يجب أن يكون كما حدث، وهذا يطلق النوازع الوحشية لدي الجماهير.
خائف من شيء ما؟
- أنا خائف أو حريص علي الدولة المصرية - لأني جزء من تراب هذا البلد - ودائما كنت أحذر من انهيار الدولة المصرية، ولو حدث انهيار للدولة، فقل علي البلد السلام وفي التاريخ حدث ذلك وهذا الانهيار كان موجوداً قبل وصول نابليون مصر واستمر فترة الحكم العثماني حوالي 100 سنة، وقتها انخفض تعداد مصر من 8 ملايين في القرن ال 16 الي 2 مليون ونصف.
كل ده راح؟
- آه.. لكن بعد هذا الجو القاسي، جاء محمد علي وفهم طبيعته وأسس قوة عظمي لذلك نحن في حاجة الي بناء مثل محمد علي وجمال عبد الناصر لكن بدون سلبياتهما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.