تعاني العملة الأوروبية الموحدة من اضطرابات شديدة منذ كشفت الحكومة اليونانية الجديدة في أكتوبر الماضي عن تستر الحكومة السابقة علي حقيقة العجز الضخم في الميزانية وتجاوز هذا العجز الحد الأقصي المسموح به لدول منطقة اليورو. وقادت هذه الفضيحة أثينا إلي حافة الإفلاس كما أدت إلي تراجع سعر اليورو وسط تخوف المستثمرين من قدرة منطقة اليورو ككل علي إدارة الشئون المالية لأعضائها. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، وإنما أدت محاولات توفير شبكة أمان مالي لليونان إلي المزيد من المشكلات وسط انقسام بين دول منطقة اليورو، فبينما دفعت فرنسا باتجاه خطة إنقاذ، أصرت ألمانيا علي أن تتحمل أثينا مسئولية سوء إدارتها. واستغرق الجدل شهرين وثلاثة اجتماعات طارئة حتي تمكن الفريقان من جسر الخلافات والاتفاق علي شبكة أمان مالي بقيمة 541 مليار دولار إذ وجدت اليونان أنه من المستحيل الاقتراض من جهة أخري، وهو العرض الذي بدا أنه نجح في تهدئة الأسواق. فمنذ عدة أشهر مضت وجيران ألمانيا وعلي رأسهم فرنسا يضغطون علي برلين صاحبة أكبر اقتصاد في القارة لكي تلقي بثقلها المالي وراء خطة لإنقاذ اليونان ومن خلفها منطقة اليورو من السقوط والانهيار. وبسبب بعض التحفظات الألمانية خرج الجيران يتهمونها بالأنانية وعدم المسئولية بل وعدم الولاء لأوروبا! والحقيقة أن »المأساة الإغريقية« الحالية أعادت إلي السطح مرة أخري ثقافة الصدام الأزلي بين طرفي الاتحاد الأوروبي: ألمانيا الفيدرالية وفرنسا الجمهورية. لألمانياوفرنسا ميراث طويل من الخلافات معظمها علي علاقة بالشأن المالي والاقتصادي.. هكذا يعلق جون كورنبلوم، السفير الأمريكي السابق لدي ألمانيا علي الموضوع مضيفا أن الصدام مازال ممتدا إلي يومنا هذا بين المعسكرين حول من يكون صاحب الكلمة العليا في منطقة اليورو. ففي حين يري اليميني المحافظ ساركوزي ان انقاذ اليونان أمر حتمي وإلا فلا معني لليورو علي حد قوله، تخشي ألمانيا من تبعات هذه الأزمة علي اقتصادها في ظل مخاوف من اضطرار الحكومة لاستدانة نحو 08 مليار يورو لسد العجز في موازنتها لعام 0102. ويؤكد الدبلوماسي الأمريكي ان الاتفاق الأخير بين دول منطقة اليورو لإنقاذ اليونان ما كان ليتم لولا الضغوط الأمريكية القوية التي مارسها وزير الخزانة الأمريكي تيموثي جايتنر وقالت مجلة دير شبيجل الألمانية ان ثمة ضغوطا أمريكية كبيرة قد مورست علي ألمانيا للموافقة علي حزمة الإنقاذ وأضافت المجلة ان جايتنر حذر ألمانيا من أنه من المهم تسوية مشكلة اليونان قبل ان تنتقل الأزمة إلي بلدان أخري، موضحا انها مهمة ألمانيا بدرجة أكبر من أي طرف آخر باعتبارها القوة الاقتصادية الرائدة في أوروبا. الطريف في الأمر ان أزمة اليونان وحدت الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ودومينيك ستروس ضد ميركل، الذي يشغل منصب رئيس صندوق النقد الدولي والمتوقع ان يخوض انتخابات الرئاسة الفرنسية عام 2102. غير أن تفاهم باريس وبرلين حول المسألة اليونانية لا يعني انتصار الأولي وتراجع الأخيرة، فلو كانت هناك مرونة من ميركل فهي بالطبع من أجل الحفاظ علي تماسك أوروبا ومنع انهيارها اقتصاديا وهذا يحسب لها، كما لا يمكن اعتبار ما حدث انتصار لساركوزي لأنه وفي حال ان تجاوز اليونان أزمته فإن أوروبا قد لا تسمح مستقبلا لأي طرف أن يخل بالتزاماته ويتخلف عن سداد ديونه واستحقاقاته المالية وفي نهاية المطاف يكون العون والمساندة هو المكافأة والحافز له. أحمد عزت