في الماضي القريب كان جهاز العروسة في الريف بصفة عامة وعند الأسر البسيطة بصفة خاصة لا يمثل مشاكل مالية كارثية... كان مجرد صندوق العروسة المزركش ومجموعة من الملابس التي اشتهرت بها الفلاحة المصرية منذ القدم... بالاضافة الي حجرة نوم بسيطة وكنبة بلدي بغطاء من قماش الكريتون المنقوش... وباقة صغيرة من الاطباق والحلل الألومنيوم بجانب »وابور الجاز» وطبعا الطبلية... والفرح اما في الشارع اوفوق سطوح المنزل وللمرتاحين ماديا يقام صوان للفرح... زغاريد وطبل وزمر... والعروسة للعريس والجري للمتاعيس علي رأي المثل الذي شبه انقرض من قاموس الأمثال الشعبية الان... للأسف الشديد عقب انتقال نسبة كبيرة من اهل الريف الي المدن تبدلت العادات والتقاليد القديمة واصبح الزواج رحلة عذاب وتراكم ديون وسلف وكمبيالات تؤدي في معظم الأحيان للسجن! جهاز العروسان البسطاء هذه الأيام غريب الشأن... اذا توافرت الشقة يجب تجهيزها حتي ولوكانت في أضيق نطاق بغرفة نوم... وانتريه... ومطبخ كامل من مجاميعه ابتداء من الأواني السيراميك باهظة الثمن مرورا بكل الأجهزة الكهربائية وحتي التوستر اوالميكرويف! كمان لازم ولابد من غرفة الأطفال قبل الزواج!... والنيش الذي يعرض من خلال فاتريناته الأكواب والكاسات وطقم الشوك والملاعق والسكاكين التي لا تستخدم أبدا بل تتحول الي اهم قطع الديكور في بيت الزوجية! ثم يأتي دور الفرح والزفة الذي يقام في قاعات بسيطة جدا ولكن أجرها لا يقل عن خمسة عشر الف جنيه للفرح وكمان بالحجز قبل الميعاد بعدة شهور! بالاضافة الي ايجار سيارة لنقل العروسين وعدة من الميكروباصات لنقل باقي أفراد الأسرتين الي مكان القاعة! كمان ثمن ايجار فستان الزفاف وبدلة العريس! وفي نهاية المطاف تصل تكاليف الزيجة البسيطة جدا الي حوالي مائة وخمسين الف جنيه! وعقب ليلتي الحنة والزفاف تواجه الأم بصفة خاصة تيارا شديد القسوة من الديانة واقساط الجمعيات التي يجب تسديدها مع بداية كل شهر! وتصل الي الدموع والانهيار والندب بعد ان تصبح الام واحدة من »الغارمات»! كل ده علشان ايه ؟ لازم الأهل والجيران يحكوا ويتحاكوا علي »جهاز العروسة»!!... انها ثقافة » كثافة الجهل» و»التقليد الأعمي لسكان المدن»... ولكن دايما وأبدا تحيا مصر...