عشرات القتلى والمفقودين جراء الفيضانات والانهيارات الطينية في البوسنة والهرسك    اليوم.. طقس حار نهارا معتدل ليلا.. والعظمى بالقاهرة 31 درجة    الأجواء الخريفية وتأثيرها على الطقس والزراعة في مصر    كارفخال يوجه رسالة للجماهير بعد إصابته بالصليبي    أسعار الدولار اليوم الأحد 6 أكتوبر 2024    أسعار الذهب اليوم الأحد 6 أكتوبر 2024    مبادرة "بداية" تسعد أطفال جمعية التثقيف الفكري فى الإسماعيلية (صور)    الأب الروحي لنجوم الغناء المصري "هاني شنودة" يكشف عن علاقته بعمرو دياب ومحمد منير    مدحت شلبي يكشف مصير " زيزو" في نادي الزمالك    احتفالات كبرى بمطار البالون الطائر في الأقصر بذكرى نصر أكتوبر ال51 (بث مباشر)    والد بلعيد: الأهلي لم يجبرنا على وكيل معين.. وأمير توفيق محترم    أسعار اللحوم والدواجن والخضروات والفواكه اليوم الأحد 6 أكتوبر    عاجل.. إسرائيل تعلن الاستعداد لضرب إيران.. و«الخارجية الأمريكية»: لا ضمانات لاستثناء المنشآت النووية.. وقائد عسكري أمريكي يزور المنطقة    لماذا تأخر حزب الله في كشف حقيقة اغتيال هاشم صفي الدين في لبنان؟    مدرب مصر السابق: كنت أتمنى ضم نجم الزمالك للمنتخب    ترتيب الدوري الإنجليزي قبل مباريات اليوم الأحد    ارتفاع عدد قتلى إعصار «هيلين» في الولايات المتحدة إلى أكثر من 227 شخصًا    الكويت.. سحب جنسية 63 شخصا بينهم مزدوجان متهمان في قضية سرقة القرن العراقية    تبون يثني على العلاقات بين الجزائر وموسكو    نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم»..هل الدعم «النقدي» أفضل من «العيني»؟.. عالية المهدي تجيب.. اتحاد الدواجن يكشف سبب ارتفاع أسعار البيض    «Take My Breathe».. أفضل فيلم عربي طويل بمهرجان الإسكندرية السينمائي    برج الميزان.. حظك اليوم الأحد 6 أكتوبر: جدد أفكارك    برج الأسد.. حظك اليوم الأحد 6 أكتوبر: لا تكن أنانيا    بعد شائعات وفاته.. جورج قرداحي يوجه رساله شديدة اللهجة    «مفيش خروج من البيت».. محمد رمضان يفاجئ لاعبي الأهلي بقرارات جديدة نارية (تفاصيل)    أحمد السقا يمازح علاء مرسي ويبعده عن ابنته ليرقص معها (فيديو)    رسميًا.. رابط منهج العلوم رابعة ابتدائي pdf والخريطة الزمنية للشرح    من دعاء النبي | اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطأي وعمدي    ضبط تشكيل عصابي تخصص في سرقة المساكن بمنطقة حدائق القبة    في ذكرى انتصارات أكتوبر.. كيف خدع «السادات» إسرائيل؟    44 ألف سيارة.. الحكومة تعلن مفاجأة جديدة بشأن ذوي الهمم    تفسير آية | تعرف على معنى كلمات «سورة الفلق»    لتجنب التسمم الغذائي.. الخطوات الصحيحة لتنظيف وغسل «الفراخ»    شعبة الدواء تكشف عن سبب ظهور السوق السوداء    غارات إسرائيلية على منطقة القصير بريف حمص عند الحدود السورية اللبنانية    توقعات الفلك وحظك اليوم.. برج الحوت الأحد 6 أكتوبر    الزمالك يقترب من ضم مدافع منتخب مصر (تفاصيل)    الأمن العام يداهم بؤرة إجرامية.. ومصرع 3 عناصر شديدة الخطورة بقنا    مصرع وإصابة 3 أطفال في تصادم دراجة بخارية وسيارة ملاكي بقنا    «مصر للطيران» تنقل 286 مصريًا عالقين في لبنان إلى أرض الوطن.. صور    يقي من الخرف والألزهايمر.. 5 فوائد صحية لتناول البيض    البيع تم قبل شهور.. مصدر مقرب يكشف مصير مطعم صبحي كابر    حدث في منتصف الليل| حقيقة تعرض البلاد لشتاء قارس.. وأسباب ارتفاع أسعار الدواجن    استئصال ورم كبير من قلب مريضة بمستشفى جامعة أسيوط    تعيينات وتنقلات جديدة للكهنة في مطرانية الأردن للروم الأرثوذكس    عرض «فرص الاستثمار» على 350 شركة فرنسية    « عز يرتفع والاستثماري يتراجع».. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأحد 6 أكتوبر 2024    نائبا رئيس الوزراء أمام «النواب» غدًا    مصرع طفلة وشقيقها سقطا من الطابق السادس أثناء اللهو ب15 مايو    جوجل والجنيه.. دعم ل«الصناعة المحلية» أم عقاب لصنّاع المحتوى؟    إعلام لبناني: صعوبات في وصول الإطفاء والدفاع المدني لأماكن الغارات الإسرائيلية    أحمد عبدالحليم: الزمالك استحق لقب السوبر الإفريقي و«الجماهير من حقها الفرحة»    رابع مُنتج للمشروبات في العالم يبحث التوسع في السوق المصرية    كنيسة الروم بلبنان لأهل الجنوب: نحن بحاجة للتمسك بأرض أجدادنا لا تتركوا أرضكم ودياركم    نقيب الأطباء: الطبيب في مصر متهم حتى تثبت براءته عكس كل المهن    رمضان عبدالمعز: الاحتفال بنصر أكتوبر مهم لأنه أمر إلهي    رئيس جامعة الأزهر: الله أعطى سيدنا النبي اسمين من أسمائه الحسنى    إشراقة شمس يوم جديد بكفر الشيخ.. اللهم عافنا واعف عنا وأحسن خاتمتنا.. فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



متي تتوطن الحرية؟
نشر في أخبار اليوم يوم 22 - 07 - 2011

يبدو أن الرجل لم يفرق بين التشابه والتكرار، في أثناء عبوره الغابة، لذا ضل مسار الطريق الصحيح للخروج منها، إذ نتيجة فقدانه القدرة علي مراقبة دلالات الطريق، تضاءلت لديه المسافة بين معرفته ومعالم الطريق فوقع في التيه، ومع ذلك واصل السير، فراح بذلك يعيد انتاج التيه الذي سقط فيه، منجرفا في الخطأ الأوسع والأخطر، حيث استحكمت دائرة الضياع، فتبدي اضطراب الرجل في عدم قدرته علي معرفة توجه يقوده إلي الطريق المفقود، وانتابه شعور بالتهديد انتزع منه الاحساس بالأمان، واستوطنه رعب علي مصيره، تجلي في توقعه أن الموت قد يأتيه من كل صوب من قبل كل الحيوانات المفترسة التي تجوب طرقات الغابة، صحيح أن الأمان والرعب مسرحهما الأساسي النفس البشرية، لكن الصحيح أن ذلك لم يكن التحدي الوحيد الذي لا مفر للرجل من مواجهته، إذ تقاطع معه تحد آخر تخطي الحالة النفسية إلي احتياج جسدي مادي، حيث تسلط الجوع عليه، واشتدت ضراوته نتيجة حصار التيه واخفاقاته في الحصول علي طعام، فأصبح محروما من حريته لافتقاده الأمان، وعدم اشباع حاجة الجوع، إن الواقع القاهر الذي يعيشه الرجل فرض عليه عبودية الخضوع لذلك الحرمان المضاد لوجوده، بحصاره له بين حدين، أولهما يؤدي إلي القتل المفاجئ عندما تفترسه الوحوش، وثانيهما يؤدي به إلي الموت البطئ نتيجة عدم اشباعه حاجته إلي الطعام، تري كيف يمكنه أن يتحرر من تلك القيود علي حريته وأمنه؟
مرت بالرجل قافلة، فركض نحوها محتميا بوفرة أفرادها، هاربا من رعبه، متطلعا إلي الطعام تحت أية شروط عمل ليفلت من جوعه، فأصبح الخادم الأكثر طاعة لرئيس القافلة، لكنه عندما وصل المدينة، وتمتع بعجائبها، واعتاد أمنه، اكتشف انه محض عبد تمارس عليه عبودية من نوع آخر، تستهدف تأقلمه مع التنازل المستمر عن حريته في مقابل أن يصبح مردود عبوديته حمايته وإشباع جوعه، فراح يبحث عن ازدهاره الإنساني الحقيقي الذي لا يتأتي له إلا عندما يغدو حرا، لكن فجأة هاجمت المدينة قبائل غازية، مارست السلب والمجازر حرقا وقتلا، فغابت عن المدينة الحرية والأمان الاجتماعي، فهرب الرجل إلي الريف، ولجأ إلي قلعة يحكمها ويحميها سيد واحد يؤوي الحيوانات والبشر، وذلك ما يعني غياب الحرية السياسية عن سكانها، إذ اقتنصها الحاكم الفرد المهيمن واحتكرها لذاته، لكن الرجل قدم كل طاقة عمله لذلك السيد الحامي لقاء انقاذ حياته، استطاعت سلطة فاعلة ان تعيد النظام إلي المدينة، عندئذ ما انفك الرجل يشكو من أعمال السخرة التي يؤديها لسيده الحامي بما ينفي وجوده الانساني، ودون اعتراف بحريته وعدالة استحقاقاته، فكان علي الرجل إما ان يذهب إلي المدينة لتأجير ذراعيه وفق هواه، وإما ان يمارس صناعة تناسب قدراته، حينذاك نشبت أزمة اقتصادية غاب في ظلها الأمن الاقتصادي عن المدينة، ولم يعد المزارع أو المقاول يجد ما يبيعه بالسعر الذي يأمله، أما العامل فقد قذف به إلي الشارع، فعاد الرجل ليبحث عن سيد يؤمن له انتظام عمله واستقرار أجره.
لقد روي الناشط الحقوقي والاقتصادي »براتون دو جوفنيل« هذه الحكاية في كتابه المتفرد »في السلطة والتاريخ الطبيعي لنموها« ليطرح من خلالها تاريخ معاناة الإنسان عندما يفقد حتمية التلازم بين الحرية والأمان، كاشفا عن اضمحلال ازدهاره الإنساني، الذي يمثل الثمن الباهظ الذي يدفعه نتيجة قبوله تفكيك ذلك التلازم، لقد لخص الكاتب في حكايته صراع الإنسان عبر تاريخه في علاقته المضطربة مع واقعه، عندما ينتج ذلك الواقع علاقات التفاوت الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وينتج كذلك علاقات الأقوي والأضعف، واختلال الاستحقاقات العادلة، وتغييب التكافؤ لا شك ان المسكوت عنه في هذه الحكاية يتجلي في الاشارة إلي المستقبل وامتداداته، لينبه علي ضرورة الاشتغال بالتدبر المتواصل لاتخاذ مسافة حاسمة من شرور الواقع وسيئاته وفساده، واستيعاب العلاقة البينية المتداخلة والمتشابكة بين الحرية والأمان، وتلازمهما الذي يتجلي بوصفه مقدسا اجتماعيا، واقتصاديا، وسياسيا، يشكل منظورا أساسيا لدي السلطة العامة، ليصبح مظلة لأفراد المجتمع كافة عبر مؤسساته، صحيح أن الحرية الايجابية أيقونة الديمقراطية، وصحيح أن الحرية لا تكون حرية حقيقية إلا عندما تصبح عامة، وصحيح أن الحرية عندما تفقد الحماية تفقد وجودها، تري أليس صحيحا أن الحرية لا تتوطن، إذا غاب عنها الأمان العام الذي يحميها؟ إن دلالات ازدهار المجتمع تتجلي في الانفتاح علي التحرير والتغيير والتنوير والتداول، ورهان تحقيقها توطين الحرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.