حالة من البلبلة والاستياء أحدثتها صورة مزيفة نُشرت علي بعض المواقع الإلكترونية والمحطات الفضائية، تظهر فيها أهرامات مصر الخالدة، وهي مضاءة بعلم المملكة العربية السعودية، تزامنا مع زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمصر. وكالمعتاد بدأت مواقع التواصل الاجتماعي تتداول الصورة المزيفة بسرعة النار في الهشيم، مصحوبة بتعليقات وتحليلات وانتقادات، لكن الأمر الذي أدهشني حقا وقوع بعض الصحف في فخ التزييف، وانسياقها وراء مواقع التواصل والمحطات الفضائية، ونشر تلك الأكذوبة المزيفة علي موقعها الرسمي، دون أن تكلف نفسها عناء البحث والتحري والتدقيق للوصول إلي الحقيقة، بالله عليكم يا سادة.. كيف نلوم علي مواقع السوشيال ميديا ونتهمها بترويج الشائعات ونشر الأكاذيب، ونطالبها بوضع ضوابط لمواجهة التزييف والتضليل، إذا كان رب البيت بالدف ضاربا!؟ إن كل إنسان علي أرض المحروسة لديه يقين بأن الحضارة المصرية لم ولن تستخدم في أغراض سياسية، ولم يحدث من قبل أن وضع علم أي دولة فوق الأهرامات، وقد كشف موقع " فالصو" الذي تشرفت بتولي رئاسة تحريره هذا الزيف، بعدما تحققت الزميلة الصحفية "ميرفت رشاد" من عدم صحة تلك الواقعة عن طريق رئيس شركة الصوت والضوء، والذي أكد لها أن الصورة مزورة بالفوتوشوب، وأن إضاءة الأهرامات قرار يرجع فقط لوزارة الآثار، التي تمنع تماما استخدام المواقع التاريخية في أهداف سياسية أو غير ثقافية، وهذا ما أكده بيان المجلس الأعلي للآثار بعد ذلك. لقد وصل إعصار الخداع والتزييف والكذب حول العالم إلي درجة غير مسبوقة، وتراجعت المعايير الإعلامية والقيم المهنية بصورة يصعب تحمل تبعاتها وآثارها السلبية علي المجتمعات، وصار بمقدور أي إنسان التلاعب بعقول الملايين، من خلال منتج إعلامي ملفق أو محتوي مزيف، خاصة مع تصاعد دور الذكاء الاصطناعي في تطوير حيل وألاعيب صناعة الأخبار الزائفة، وما يمثله الجيل الجديد من الوسائط الإعلامية الاصطناعية المعروفة باسم "الزيف العميق" من تحد كبير لصناع الأخبار في سعيهم لتقصي حقائق الوسائط الإعلامية المفبركة. وهذا ما جعل صحيفة "وول ستريت جورنال" تأخذ تلك التهديدات علي المحمل الجاد، وتُشكل فريق عمل بها مهمته تحليل الوسائط الإعلامية، مكون من خبراء في الأخلاقيات والمعايير المهنية، ومختصين في البحث والتطوير، ويضم محرري فيديو وصورا ووسائط مرئية وأبحاثا، تم تدريبهم علي التحقق من "الزيف العميق"، والبحث عن تقنية للتحقق من عدم خضوع اللقطات المصورة لتعديلات. لذلك سعدت كثيرا بالتجربة الجديدة، وغير المسبوقة التي أقدم عليها كل من المهندس محمد رشيدي رئيس مجلس أمناء جامعة النهضة، والمحامي الدولي خالد أبو بكر، وبحماسهما الكبير ودعمهما اللامحدود لتدشين مرجعية منهجية لقياس وتقييم الأداء الإعلامي، تكون بمثابة منصة لرصد وتحليل الأخبار المغلوطة، سواء الصادرة عن أجهزة ومؤسسات الدولة الرسمية أو الأهلية أو عبر نوافذ الإعلام المختلفة، وأداة لتعقب المعلومات المزيفة علي مواقع التواصل الاجتماعي، و"ترمومتر" لقياس الشائعات في مصر والعالم العربي. وهذه المنصة الوليدة التي أطلقنا عليها اسم "فالصو" مهمتها تقييم وتقويم العمل الإعلامي، وفق الضوابط العلمية والمنهجية، والأسس الفنية والمهنية لإنتاج المحتوي الخبري، وذلك من خلال فريق من الصحفيِّين المُحترفين، بمعاونة الأكاديميِّين وأساتذة الإعلام المُتخصِّصين، بهدف ضبط الأداء وتطوير مهارات وقدرات العاملين في الحقل الإعلامي، وحثهم علي الالتزام بالضوابط والمعايير الفنية والعلمية، وتلافي الثغرات الفنيَّة، ووضع وسائل الإعلام أمام مسئوليتها الاجتماعية، وخلق حالة إعلاميَّة تنويريَّة غير مُتورِّطة في التضليل أو تزييف الوعي. ليس هذا فحسب، بل يقوم فريق العمل الصحفي في الموقع، بالتعاون مع الفريق الأكاديمي، بعمل تقارير يومية مُوجزة بأهم الشائعات والأخبار التي أثارت بلبلة، أو التي تعمَّدت صُنع أزمة، وتقارير دورية تتضمّن تحليلاً علميًّا ومنهجيًّا لتدفقات المحتوي المشبوه وتصنيفاته وآثاره، وأبرز سلبياته والجهات المُتورِّطة في ترويجه، ويُنظِّم الموقع بمشاركة جامعة "النهضة" مؤتمرًا علميًّا سنويًّا، لعرض مُخرجات العمل علي مدار عام كامل، بجانب بحث ودراسة قضايا الإعلام وإنتاج المحتوي، وتأثيرات المواد غير الدقيقة، وآليّات تطوير الممارسة الإعلامية، وسدّ ثغراتها وجوانب القصور فيها. إن المعرفة حق أصيل للمجتمع، لكنه يجب أن يمتلك القدرة علي التمييز بين الحقيقي و"الفالصو"، وكلي ثقة بأن منصة "فالصو" الجديدة تستطيع القيام بهذا الدور، ومساعدة الجمهور علي تفادي آثار تلك السموم والعلل التي تتدثر بثوب الإعلام زورا وبهتانا، وتجنب مخاطرها وأخطارها علي المنظومة الاجتماعية والثقافية والنفسية، وتهديداتها للسوق الاقتصادية والمناخ الاستثماري.