لم تكن الملايين التي خرجت في 9و10 يونيو تعلن بخروجها العظيم تمسكها بعبدالناصر فحسب.. وإنما كانت ترفض الهزيمة، وتعطي أمر تكليف بالثأر مما حدث وباستعادة الأرض وبتلقين العدو ومن يقفون وراءه الدرس الذي ينبغي أن يفهموه جيداً.. وهو أن مصر صامدة ومستمرة في طريقها رغم كل التحديات. وبقدر ما أدهش الخروج العظيم في 9و10 يونيو رفضاً للهزيمة العالم كله، وصعق العدو الذي كان يتوهم أن مصر يمكن أن تستسلم لهزيمة طارئة.. بقدر ما كان موجعاً للعدو أن يري جيش مصر يتحرك بعد أيام قليلة في معركة »رأس العش» لتكون الصفحة الأولي في كتاب الثأر والتحرير الذي ضم صفحات خالدة في تاريخ العسكرية المصرية بإغراق المدمرة »إيلات» وخوض معارك المدفعية والصمود الرائع ثم حرب الاستنزاف التي كانت المدخل الطبيعي للعبور العظيم في أكتوبر. لم تكن حرب الست سنوات نزهة، ولم يكن نصر أكتوبر سهلاً، ولم يكن الطريق إليه إلا طريق العرق والدم وأغلي التضحيات، لكنه كان الطريق الذي أختاره الشعب منذ اللحظة الأولي برفض الهزيمة التي كان يعرف جيداً أن مصر لا تستحقها، وأن جيشها العظيم وشعبها القائد علي مر التاريخ قادران علي الثأر، ومستعدان لتحمل كل تكلفة النصر المحتوم بإذن الله. ونحن نحتفل اليوم بمرور خمسة وأربعين عاماً علي نصرنا العظيم في أكتوبر.. نجد أنفسنا علي نفس الطريق، ووسط نفس التحديات.. ونجد أنفسنا في حاجة لأن نضع حربنا العظيمة التي تكللت بالعبور الأعظم في أكتوبر أمام عيون أجيال جديدة مكتوب عليها أن تخوض حرب الدفاع عن الوطن مع معركة بناء الدولة، ومكتوب عليها أن تواجه أثار سنوات من التراجع ومن حروب الأعداء »في الداخل والخارج» لضرب ذاكرة الأمة وتشويه أعظم صفحات نضالنا. كان نصر أكتوبر، أكبر من الثأر للهزيمة، كان ملحمة صعقت العدو كما كان إنجازا عسكرياً بهر العالم كله وغير من عقائد كانت قد استقرت في العلوم العسكرية، وأجبر أعتي جيوش العالم أن تعيد النظر في مفاهيمها الاستراتيجية لتستفيد من درس أكتوبر. لكن أعظم ما في أكتوبر كان أنه تجسيد لعبقرية هذا الشعب الذي لم يسقط في براثن الهزيمة المريرة، وقرر منذ اللحظة الأولي أن ينتصر عليها، والذي تحمل في سبيل ذلك كل ما يمكن من تضحيات، وعلي مدي ست سنوات قاسية وصعبة.. وعظيمة، كان الشعب يضع كل جهده من أجل المعركة التي لابد فيها من النصر. بنينا جيش المليون مقاتل، رابط علي الجبهة خريجو الجامعات وبقي بعضهم لسنوات الحرب كلها. تم تهجير المدنيين جميعاً من مدن القناة، تقاسمنا رغيف العيش وتشاركنا في التضحيات، تحول أبناء الفلاحين إلي جنود أول حرب إلكترونية يشهدها العالم، لم تكتف شركات القطاع العام بتحمل العبء الأكبرفي تمويل ميزانية الدولة وفي توفيراحتياجات المواطنين.. بل ذهبت لتشارك في بناء حائط الصواريخ الذي كان في حد ذاته ملحمة تستحق أن تروي وأن يتم تخليدها.
كانت الخطيئة الكبري بعد أكتوبر.. إن »الإخوان» الذين صلي مرشدهم ركعتين شكراً لله علي هزيمة مصر في يونيو 67، تم فتح الطريق أمامهم ليتحالفوا مع مقاولي الفساد، ليقطفوا ثمار النصر، وليبددوا ما أنجزناه عبر سنوات البناء والحرب، وليقودوا مصر إلي سنوات التراجع في كل الميادين.. حيث أصبح الفساد شريكا في السلطة التي سقطت في يناير، بعد سنوات طويلة، من أكتوبر العظيم الذي كان جديراً بأن يقودنا إلي ما نستحق، لولا الوقوع في فخ الانفتاح »السبهللي» وتحالف الإخوان والفساد، والتضحية بالغلابة في سوق السمسرة التي تاجرت بالدين والسياسة والاقتصاد.. ما دام الدفع بالدولار!!. بعد 45 عاماً من أكتوبر العظيم نجد أنفسنا أمام تحديات هائلة وقرار لا بديل عنه، نقاتل الإرهاب، وميراث التخلف وضغوط المتلاعبين بمصير المنطقة، في مفترق الطرق علينا أن نختار بين الرضوخ لمخططات الأعداء أو هزيمتهم الكاملة، قرارنا كان المواجهة وتحمل الصعاب والتضحيات لنستعيد الدولة ونبني المستقبل، انتظارا لعبور جديد تعود ثماره للملايين التي تصنعه وتتحمل كل التضحيات من أجله.