قبل سنوات عبر الشاعر الكبير نزار قباني عن احباطه من خنوع الأمة العربية بتساؤله الشهير متي يعلنون وفاة العرب ؟ ولو عاد شاعرنا الكبير الي الحياة الآن لغير من تساؤله ليصبح متي يعلنون وفاة النظام العربي ؟ فهذا التساؤل الجديد أصبح طبيعياً بعد أن برهن الشارع العربي علي حيويته و عنفوانه من خلال تصديه لظلم وقهر وفساد الأنظمة التي تحكمه . وقد وصفت جامعة الدول العربية ما يجري الان في بلاد العرب بأنه مؤشر علي عهد عربي جديد و روح متوثبة يقودها الشباب المتطلع الي حاضر افضل و مستقبل اوسع أفقا ورحابة . وقال بيان للجامعة إن الجماهير العربية تريد إنهاء سياسات القهر و التحرك نحو الديموقراطية و الإصلاح و أي محاولة من جانب الأنظمة لمقاومة حركة الجماهير من أجل التحرير و التغيير هي رهان خاسر . والحقيقة أنه لم يعد هناك شك في ان النظام العربي يعيش الآن بالفعل مرحلة الموت الإكلينكي وهي مرحلة ربما تتجاوز خطورتها بمجرد إسقاط بعض الزعامات أو الإطاحة بعدد من الحكام. ولا جدال أن الأنظمة العربية فشلت في أداء دورها طوال نصف القرن الماضي علي الصعيدين الداخلي و الخارجي بدليل تفشي الاستبداد والفقر و الجهل في الدول العربية والنكسات والهزائم العسكرية والسياسية التي منيت بها الأمة في ظل هذه الأنظمة التي سقط بعضها أمام الغضب الشعبي ومازال البعض الآخر يحاول عمل المستحيل لتأجيل مصيره المأساوي.. فقد سقط النظام في تونس ومصر واضطر حكام سوريا والجزائر لإلغاء قانون الطوارئ دون جدوي وتدخلت قوي من خارج البلاد لحماية النظام عسكريا كما حدث في البحرين أو سياسيا كما حدث في اليمن من خلال مبادرة مجلس التعاون الخليجي لإنقاذ علي عبد الله صالح أو كما حدث عندما دخل النظام في حرب وحشية ضد الشعب كما هو الحال في ليبيا. نعم امتدت نيران الغضب الشعبي من المحيط إلي الخليج ووصلت حتي موريتانيا والعراق و المغرب و غيرها دون تفرقة بين نظام ملكي أو جمهوري . والسؤال الآن هو إلي متي يستمر النظام العربي الراهن والي متي تتمسك بالسلطة وتصر علي حرمان شعوبها من حقها في الحرية والعدالة والديمقراطية ؟ إن جميع الحكام العرب يعترفون صراحة بأن عصر القهر والفساد وقمع الحريات قد انتهي إلي غير رجعة ورغم ذلك يحاول هؤلاء الحكام منع حركة التاريخ من خلال تقديم تنازلات شكلية لشعوبهم هدفها الوحيد هو الاستمرار في السلطة والالتفاف حول طموحات الشعوب . ان ما يحدث في العالم العربي الآن يتطلب وقفة حاسمة مع النظام العربي بأسره وليس فقط ضد حكومة أو نظام حكم بعينه. فالجميع من المحيط إلي الخليج يدركون أن الاعصار قادم ولن تفيد معه إصلاحات محدودة أو اعلان الحرب علي الشعوب وقد عبرت الجماهير العربية عن رؤيتها بوضوح من خلال هتافها الشهير "الشعب يريد إسقاط النظام " سواء كان معني ذلك أنظمة الحكم المختلفة أو النظام العربي بوجه عام . والمعني واضح وهو أن محاولات ترقيع النظام العربي الفاشل أصبحت مرفوضة شعبيا كما أن سقوط هذا النظام برمته أصبح حتميا لدرجة أن بعض المراقبين حددوا فترة خمس سنوات لانهيار كل أنظمة الحكم العربية. هنا، يبرز الدور الجديد الذي يمكن أن تلعبه الجامعة العربية في المرحلة القادمة والذي يتطلب تحولها من جامعة للدول والأنظمة الحاكمة إلي جامعة للشعوب تدافع عن حقوقها وطموحاتها وأحلامها. والفرصة متاحة الآن لكي تتحول الجامعة العربية إلي منظمة غير حكومية كبري تقود عملية التغيير من المحيط إلي الخليج. في هذه الحالة ، يمكن أن ترحل هذه الأنظمة بكل مظاهر الاحترام .. ولا مانع من ترتيب جنازة رسمية لتشييع النظام العربي كله إلي مصيره المحتوم لتنطلق الشعوب العربية نحو المستقبل المشرق .. ولا عزاء للفقر و الفساد والاستبداد .