د. عمرو شرىف ذكرنا في المقالين السابقين أن كلا من العلم والفلسفة »العقل« يشبعان في الانسان حاجياته المادية والجسدية والعقلية والنفسية. ويؤكد ذلك أن الكثير من الملاحدة يحيون حياة لا بأس بها، فهل يعني ذلك ألا دور للدين في حياة الانسان؟!. نجيب علي هذا التساؤل بأن الدين لا غني عنه في حياة البشر للقيام بمهام عديدة، نعرض أهمها من خلال منظور الاسلام، كما نفهمه: أولا: الدين هو السبيل الوحيد لتعريف الانسان بربه معرفة صحيحة متكاملة، وتعريفه بما يجوز في حق الله وما لا يجوز. كما أنه السبيل الوحيد لتعريف الانسان بمصدره ومساره وماله والغاية من خلقه وكيف تكون علاقته بربه. هذه الامور هي ما يعرف في الديانات ب »العقيدة«. وهي ليست من أجل ملء فراغ في فكر الانسان ومشاعره، ولكن من أجل اقرار حقائق لن تنتظم حياة الانسان إلا بها. ثانيا: يحدد الدين للإنسان »الشريعة« التي تنظم حياته وعلاقته بالآخرين وبالبيئة من حوله. فالله الخالق للإنسان والعالم بخبايا نفسه هو الأقدر علي سن هذه القوانين في خطوطها العريضة. ثالثا: لا شك أن للإنسان جانبه الروحي المتطلع إلي الغيب. ويسعي إنسان الحضارة الغربية الحديثة المنشغل عن الإله بإشباع هذا الجانب بطرق شتي، منها اللجوء إلي العرافين والمتنبئين، ومنها عبادة الشيطان، ومنها الحج إلي أهرامات الجيزة! وما شابه ذلك مما نسميه »ميتافيزيقا بغير أعباء«. رابعا: يحث الدين الحق علي طلب العلم الذي يهتم بالجوانب المادية والجسدية للإنسان، كما يوجه العقل في بحثه الفلسفي لإشباع احتياجاته العقلية والنفسية. بل إن الاسلام يمزج بين الدين والعلم والعقل في سبيكة ليس لها نظير في أي منهج آخر. انظر إلي قول الحق: »سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق« »فصلت: 35«. ومن أجل ذلك نجد أن القرآن الكريم ملئ بالدعوة للتفكر، وملئ بالإنكار علي من لا يستخدمون عقولهم »أفلا يعقلون«؟، ويشبههم بالدواب. خامسا: الدين الحق هو القائد »المايسترو« الذي يوجه العازفين »العلم والفلسفة« ليلعب كل دوره في موضعه المحدد، فلا يتسلل النشاز إلي حياة الإنسان، فهذا دور العلم، وهذا دور العقل، وهذا مجال المفاهيم الغيبية. فمثلا، ينبغي علي الإنسان ألا يتقاعس عن الأخذ بأسباب العلم انتظارا لمدد السماء، كما ينبغي ألا يرفض مفاهيم الغيب بحجة أنه لا يستطيع أن يرصدها بحواسه تبعا للمنهج العلمي، فلكل مجاله. سادسا: إذا كان الدين يهتم بالروح، فالدين هو الروح التي تسري في كل من العلم »الآلية« والفلسفة »الغائية«، وبدون هذه الروح يصبح الانسان جثة تمشي علي قدمين، تنشر العفن في كل مكان حولها. إن هذا ليس تشبيها أدبيا بليغا، لكنه وصف علمي دقيق لما أصاب الانسان والأرض، عندما فارقت الروح العلم والفلسفة. لقد أنطلق العلم هنا وهناك دون ضوابط، فاخترع قنابل ذرية تقتل ملايين البشر وتفسد البيئة افسادا لا صلاح له.. وابتكر عقاقير مخدرة تستبعد ملايين البشر، وخلق سلالات مدمرة من الجراثيم والفيروسات، التي تصيب ملايين البشر بالمرض المعجز والموت. كذلك انطلقت الفلسفة، بمعزل عن المعارف الدينية، لتصل بالانسان إلي إجابات عن تساؤلاته: المعرفة لم ترو ظمأه، بل أورثته الحيرة والاغتراب، وقد عبر عن هذه الحالة شاعر المهجر إيليا أبو ماضي في أبيات بليغة تقطر بالضياع: جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت.. ولقد أبصرت أمامي طريقا فمشيت.. وسأبقي سائرا شئت هذا أم أبيت.. كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟.. لست أدري. سابعا: للعقل والعلم دورهما في الترقي بتدين الميلاد إلي الاقتناع العقلي ثم إلي اليقين ثم الخشية »إنما يخشي الله من عباده العلماء« »فاطر: 82«. بهذا الفهم لدور الدين، نوافق الذين يرون أن الدين منهج شامل لكل شيء، بشرط أن ينظروا إلي الدين بمعناه الصحيح المتكامل. فكما يتفرد الدين بالدور الكامل في أمور العقيدة والشريعة والروحانيات »الثلاث نقاط الأولي«، فإن له دورا يقوم به من خلال العلم والعقل. لو أدرك المتدينون ذلك فلا شك أنهم: سيسعون قدر جهدهم في البحث عن الآليات بإستخدام العلم، ويسعون قدر جهدهم في فهم الغائية بإستخدام العقل، فيحيون الحياة المتوازنة التي أرادها لهم الله.