العيب في الذات الملكية تهمة شائعة في الحياة السياسية بتايلاند تعرض لها الكثيرون من المعارضين و المنشقين الذين حكم عليهم بالسجن لمجرد الاشتباه في محاولتهم المساس بثلاث شخصيات شبه مقدسة هي الملك والملكة وولي العهد... وقد صدر حكم بسجن سوميوت بروكساكا سيمسوك، رئيس تحرير صحيفة صوت المضطهدين "فويس أوف ذا أوبرسد"، لمدة عشر سنوات لأنه نشر مقالاً عن شخصية خيالية مستبدة وقالت المحكمة انه كان يقصد الملك. ورغم أن هذه التهمة لم تعد غريبة، بحكم تكرارها، الا أن الحكم الذي اصدرته احدي محاكم بانكوك ، قبل ايام،بسجن يوساواريت شوكلوم أحد زعماء المعارضة لمدة عامين بتهمة العيب في الذات الملكية كان غريباً حتي بمعايير هذه المملكة التي تقع في جنوب شرق اسيا و يصل عدد سكانها الي 66 مليون نسمة معظمهم من البوذيين بالاضافة الي 17 مليون مسلم. فقد اتهمته محكمة الجنايات بإهانة الملك بوميبول ادولياديج (85سنة) الذي يحكم البلاد منذ 12 عاماً رغم انه لم يتفوه بكلمة ضده ولم يصدر عنه أي سلوك فيه ادني مساس بأحد أفراد الأسرة المالكة!! والاغرب من ذلك أن المحكمة نفسها اعترفت بأن المتهم لم يذكر الملك بالتحديد في خطابه الذي ألقاه عام 2010 امام حشد من المحتجين علي الحكومة التايلاندية التي شكلها الجيش في ذلك الحين. كانت كل جريمة السياسي المعارض،من وجهة نظر المحكمة،هي انه وضع يده علي فمه أثناء القاء الخطاب و هو ما يوحي بأنه كان"ينوي" الاساءة للملك!! ورأت المحكمة ان التفسير الوحيد لوضع اليد علي الفم هو ان المتهم منع نفسه من النطق بألفاظ فيها مساس بالملك!. وهكذا، أصدرت المحكمة حكمها بسجن شوكلوم لمدة عامين وفقاً لقانون العيب في الذات الملكية الذي يعد من أشد القوانين المماثلة صرامة في العالم كله. و تصل العقوبة في هذا القانون الي السجن 15 عاماً لمن يجرؤ علي اهانة او تشويه أو تهديد الملك أو الملكة أو ولي العهد. وقد عمل المتهم يوساواريت شوكلوم كمستشار لوزارة التجارة التايلاندية وكان عضواً بارزاً في حركة "القمصان الحمراء" التي تسعي للإطاحة بالحكومة. وخلال خطابه الجماهيري الذي قدم بسببه لمحكمة الجنايات قال "ان قطاعاً محدوداً من الشعب يعارض اسقاط الحكومة،و هناك ايضاً من يتمسك بها..." ثم وضع يده علي فمه. ومضي قائلاً "انني لست علي درجة كافية من الشجاعة لكي اقول لكم من المقصود و لكني اعرف جيداً ما تفكرون فيه الآن... ولذلك سوف ابقي فمي مغلقاً". وقالت المحكمة في حكمها إنه من الواضح من الذي كان المتهم يقصده بهذه العبارة وهو الملك. وحاولت المحكمة إضفاء طابع العدالة علي حكمها الجائر فاستدعت عدداً من الشهود وطلبت منهم سماع كلمات الزعيم المعارض ثم سألتهم عن الشخص الذي يعتقدون أنه يقصدة، فأجابوا جميعاً.... الملك بالتأكيد. فريق الدفاع أعلن أنه لا فائده من الطعن في الاستئناف علي قانون العيب في الذات الملكية باعتباره مسألة لا نقاش فيها في تايلاند وأن السبيل الوحيد أمام المتهم هو الطعن في مدي قانونية محاكمته علي نواياه حيث افترضت المحكمة أنه كان ينوي في داخله الاساءة للملك! وقال محامو الدفاع ان ماقاله المتهم في خطابه حول دعم البعض للحكومة العسكرية لا يشكل عيباً في الذات الملكية حتي لو افترض جدلاً أنه كان بالفعل يقصد الملك. اما النيابة فقالت إنها إعتمدت في اتهامها علي أقوال الشهود الذين أكدوا أن شوكلوم كان يقصد الاشارة للملك عندما وضع يده علي فمه!! هكذا هو الاستبداد.. لايكتفي بالقوانين الظالمة التي تنتهك أبسط حقوق الانسان ولكنه يتمادي في القهر لدرجة محاسبة الناس علي افكارهم ونواياهم وما يعتمل في صدورهم. تسقط الدكتاتورية.... و تحيا الديمقراطية...