تكررت الاضرابات والاعتصامات فتوقف الانتاج وتهاوي اقتصادنا.. وفي تطور مذهل انتقلت من الطرق والمصانع ونقل البضائع إلي المستشفيات والمدارس، ثم إلي القضاء والشرطة ايضا، وأخيرا مترو الانفاق وبسببها نتجه بسرعة إلي منزلق الفوضي التي انتشرت في كل مكان بعد أن أصبح الكثيرون يستخدمونها كورقة ضغط علي الحكومة لكسب حقوق مشروعة وأحيانا غير مشروعة! سألنا رجال القانون والقضاء واساتذة الجامعات عن الحق في التظاهر والاضراب، هل هو مشروع؟.. ومتي يكون محظورا؟ وكيف نعالج الحالة التي نعيشها..؟ المستشار د. عادل قورة رئيس مجلس القضاء الأعلي ورئيس محكمة النقض الاسبق يري ان الاضرابات والاعتصامات حق مكفول ولكن لابد أن تنظمها التشريعات حتي لا تتحول إلي فوضي، فقانون العمل ينظم إضرابات العمال التي لابد أن تكون باشراف النقابات كما ان هناك قانونا خاصا ينظم الاضرابات منذ عشرينيات القرن الماضي ومازال ساريا يضع ضوابط علي حق الاضراب والجهة الادارية وهي الشرطة يجب ان تكون علي علم بتاريخه ومكانه ومدته كما أن الاتفاقات والمواثيق الدولية تبيح حق الاضراب كحق من حقوق الانسان ولكن ممارسته تكون منضبطة بالتشريعات المحلية بحيث لا تضر الآخرين وفي مصر التشريعات الحالية تنظم حق التظاهر وحق الاضراب والاعتصام ولكن المشكلة أنها لا تطبق. توعية المواطنين وفي رأي د. محمد عطية وزير الشئون البرلمانية السابق ان الاضراب حق مشروع دستوريا وقانونيا بشرط الا يعوق سير العمل في المنشآت والمرافق العامة فإنه في هذه الحالة يصبح مجرّما جنائيا ومع العجز الشديد في موازنة الدولة لا يمكن تلبية جميع طلبات الفئات والطوائف الا بعد دوران عجلة الانتاج وهو ما دفع الآلاف إلي الاضراب والاعتصام في نفس الوقت ولحسابات خاصة اعتقد انها يمكن ان تؤدي للعنف وتزيد الاحتقان ولم تستطع الحكومات منذ الثورة وحتي الآن تطبيق قوانين تجريم الاضرابات والاعتصامات التي تقطع الطرق وتوقف الانتاج وتعطل المواصلات العامة وتعرقل عمل المؤسسات والمنشآت الخدمية المهمة فسقطت هيبة الدولة لانها لم تتخذ اي اجراء ضد المضربين خارج إطار القانون، والحل نادينا به من قبل ويتمثل في توعية المواطنين بضرورة تغيير سلوكهم، والسعي لتحقيق مطالبهم تباعا، ثم تطبيق القانون بحزم بدءا بالتصدي لمن يحرض والقبض علي من يلجأ لفوضي الاضرابات ثم محاكمات سريعة تعاقب المخطئ والذي يسئ للوطن. المشرع يتجاهل ويتفق الدكتور عمر سالم استاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة مع ما سبق مؤكدا ان حق الاضراب ليس مطلقا وتحكمه حدود الا يتعدي علي حرية الآخرين ومصالحهم وألا يوقف وسائل النقل العام وألا يعطل وسائل الانتاج وألا يقطع الطرق وألا يضر بالمنشآت العامة والممتلكات الخاصة. وقانون العقوبات الحالي يجرم الاضراب في باب جرائم امن الدولة من جهة الداخل وخاصة المادة 124 في فقراتها أ، ب، ج ولقد قضت محكمة أمن الدولة طوارئ في قضية اضراب السكك الحديدية عام 1987 بالبراءة لجميع المتهمين علي اساس انه ليس هناك قانون ينظم الاضراب. ويشير إلي أن المحكمة قالت في حيثيات حكمها المشار اليه انها تهيب بالمشرع وضع قوانين تنظم الاضرابات بما يحقق صالح البلد وصالح العمال حتي لا تعم الفوضي وتضيع مصالح الوطن العليا. ورغم ذلك تجاهل المشرع هذه الاشارات الواضحة ولم يعرها التفاتا فوصلنا إلي ما نحن فيه. والحل الآن هو وضع تشريع ينظم الاضرابات ويحفظ هيبة الدولة أمام المواطن فلا يخرج أحد عن القانون وتمارس الحكومة سلطاتها القانونية ويكون الكل سواسية امامه، ولابد أن يتصدي الأمن لكل من يخرج عن الاطار المنظم لحدود الاضرابات أو التظاهرات أو الاعتصامات ليعود للمجتمع هدوءه وللدولة سلطانها. الإضراب محظور هنا ويقول الدكتور صلاح فوزي رئيس قسم القانون الدستوري بكلية حقوق المنصورة الاضراب ينبع من كفالة حرية الرأي والتعبير المكفولين في مصر دستوريا وبموجب الاتفاقات العربية والمواثيق الدولية ولكن يشترط ممارسة الاضراب وفقا للقونين وبما يكفل حفظ النظام العام في الدولة، والمحكمة الدستورية قالت في احكام شهيرة لها أن حق الاضراب وحق التظاهر وحرية التعبير لايجوز فصلها عن أدواتها لأن وسائل مباشرتها يجب ان ترتبط بغاياتها فلا يعطل مضمونها ويناقض الاغراض المقصودة من ارسائها. ويضيف: والنظام القانوني في مصر يخضع علاقات العمل لقانونين.. الاول قانون العاملين المدنيين بالدولة وقوانين خاصة تدور في فلكه كقانون الشرطة والجامعات والسلك الدبلوماسي وغيرهما وتلك لاتنظيم فيها لحق الاضراب والقانون الثاني قانون العمل الذي نظم حق الاضرابات في ست مواد وحدد ضوابطه بأن تنظمه النقابات للدفاع عن مصالح مهنية للعمال وضرورة إخطار رب العمل به قبل عشرة أيام من القيام به ومحظور الاضراب في المنشآت الاستراتيجية الذي يترتب عليه توقف العمل بها واخلال بالخدمات الاساسية وبالأمن القومي. تآكل سلطة الدولة ويشير إلي أن المشكلة الآن أن هذا القانون لا يتم تفعيله أو تطبيق نصوصه، إلي جانب ان المشرع لم يأخذ بتوجيه القضاء ولم يشرع قانونا ينظم الاضراب خاصة بالنسبة للعاملين المدنيين بالدولة فتآكلت سلطة الدولة مع التراخي الذي دفع إلي التجرؤ عليها وأصبحنا نعيش الفوضي التي تعصف بكل مصالح الوطن ومصالح المواطنين. ونقف علي شفا حفرة خطيرة يقودنا إليها منزلق خطير، علينا ان ننتبه له ولا نترك الأمر علي عواهنه، ونقترح انشاء جهاز وطني للمفاوضة الجماعية علي غرار النظام الفرنسي يقوم بالتفاوض نيابة عن الدولة مع المضربين لتحقيق طلباتهم أو تعديلها أو تأجيل بعضها أو إقناعهم بالتنازل عنها نهائيا أو مؤقتا حتي تتوافر الموازانات لتحقيقها وذلك بشرط أن تكون الطلبات في إطار مهني وليس سياسي. تحولت لورقة ضغط وتقول د. آيه ماهر أستاذة الموارد البشرية بالجامعة الألمانية أن الاضرابات ظاهرة غير صحية بالرغم من كونها حقا شرعيا يكفله الدستور، إلا أن البعض يسئ استخدامه فيسبب الاضرار بمصالح المواطنين لأنها تهز كيان الجهاز الإداري للدولة، وقبل أن يرفع هؤلاء سقف مطالبهم عليهم أن يوازنوا بين المطالب والموارد المتاحة لاحداث التوازن والتفكير في تكلفة هذه المطالب وطرق تدبيرها وخاصة في هذه الظروف الحالية مشيرة إلي أن هناك مطالب قد تحتاج لتعديل تشريعي، كما أن القرارات ليست من سلطات أي وزير.. والإضرابات أصبحت ورقة ضغط علي الحكومة يستغلها البعض استغلالا يضر بالمصلحة العامة. تشريع يمنع الفوضي ويكمل المستشار علاء قطب نائب رئيس مجلس الدولة ان الاضراب عن العمل حق من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المكفولة دوليا، تلتزم الحكومات بعدم حظر هذا الحق الشرعي إلا في المنشآت الاستراتيجية والحيوية وفي مصر أصبح الاضراب من وسائل الضغط التي يلجأ اليها العمال أمام التعسف ضدهم وحرمانهم من بعض الامتيازات المهنية، وقد كان شكلا من اشكال الاحتجاج قبل الثورة، ولكنه تزايد بعدها وتطور إلي قطع الطرق وتعطيل العمل والامتناع عن نقل المواد التموينية ووقف المواصلات العامة مما يهدد الامن القومي ويجب ضرورة التصدي لهذه الظاهرة من خلال تشريع جديد يحقق التوازن بين ممارسة حقوق الاعتصام ومبدأ سير المرافق العامة وضمان وصول الخدمات للمواطنين، وحظر جميع صور قطع الطريق وتهديد أمن البلاد.