عندما خرج ضباط وجنود جيش مصر ليلة الثالث والعشرين من يوليو 1952 ليقوموا ب «الحركة المباركة» كما أسموها، كانوا علي ثقة بأن شعب مصر كله سيكون معهم. وبالفعل ما إن أذيع البيان الأول ل «الحركة» حتي خرجت جموع الشعب تعلن تأييدها وتحرس الإجراءات التي توالت بعد ذلك لتحيل «الحركة» إلي ثورة كبري غيرت وجه الحياة في مصر والمنطقة، وقادت حركة التغيير في وطن عاني من الفقر والجهل والفساد، وكان الاحتلال مازال جاثماً علي صدره. وعندما خرجت الملايين في 25 يناير، ثم في 30 يونيو، كانت علي ثقة من أن جيشها الوطني سيكون سندها في إسقاط النظام الفاسد، ثم في التخلص من فاشية «الإخوان» التي كانت تقود مصر إلي مجاهل القرون الوسطي بعد أن استولت علي الحكم في غفلة من الزمن، وبدعم أمريكي وإقليمي من قوي تعرف أن سقوط مصر يعني سقوط المنطقة، وأن نهضتها هي السبيل الوحيد لأن تسير الأمة العربية كلها في طريق التقدم والنهضة والاستقرار. هذه العلاقة الفريدة بين شعب مصر وجيشها الوطني هي السند الذي حمي مصر وهي تبني، وهي الجدار الصلب الذي تحطمت عليه كل مؤامرات الأعداء، وهي الأساس الذي بنينا عليه إنجازاتنا وانتصاراتنا، وعبرنا من خلاله أزماتنا وانكساراتنا.. لتبقي مصر في النهاية هي حصن الأمان وعنوان الأمل لكل أمتها العربية. يأتي العيد الرابع والستون لثورة يوليو، ومصر تخوض حرباً طاحنة ضد إرهاب منحط، وضد تآمر يستهدف ضرب مصر وتركيع العرب وتقسيم المنطقة. وتخوض في الوقت نفسه حرباً لا تقل شراسة لتبني دولتنا ولتعبر ظروفاً اقتصادية صعبة ومشاكل موروثة خلال أربعين سنة ضاعت فيها الرؤية وغاب الطريق الذي بدأناه مع يوليو، الذي نستعيده اليوم بعد ثورتي يناير ويونيو. كان تحرير الإرادة الوطنية واستقلال القرار المصري هو الأساس الذي تنطلق منه دائما حركة شعب مصر وجيشها من أجل كرامة الوطن. وكان تحقيق العدالة والانحياز للفقراء هو أساس الاستقرار. وكان بناء الدولة الحديثة القائمة علي العلم والعمل والمواطنة الحقيقية، هو الهدف الذي نسعي إليه. وحين نحتفل بعيد ثورة يوليو المجيدة، فنحن لا نفعل ذلك لكي نبقي أسري الماضي ولا لكي نتصور أن التاريخ يمكن أن يعود بنا إلي الوراء. وإنما لكي نؤكد لأنفسنا وللعالم أننا نستطيع أن نصنع المعجزات حين نمتلك الإرادة والقيادة ونحدد الطريق الذي يجتمع الشعب كله ليحمي وطنه من المخاطر، ويبني دولته الحديثة. تحية ليوليو في عيدها، وتحية لوحدة الشعب والجيش التي حققت المعجزات ومازالت، وتحية لقائد يوليو جمال عبدالناصر الذي انحاز للفقراء فسكن قلوبهم، ولتكن مسيرتنا شعبا وجيشا مع الرئيس السيسي بعد ثورتي يناير ويونيو، استكمالا لطريق طويل قدمت فيه مصر أغلي التضحيات لكي ترفع أعلام الحرية والاستقلال والعدالة الاجتماعية في مصر وفي أنحاء الوطن العربي كله. كل عام وإرادة الثورة تنتصر علي حزب الفساد وعلي خفافيش الظلام. كل عام وشعاع النور والحرية والعدالة يجمع بين ثورات مصر.. وإن كره الفاسدون والعملاء.!!