يملك ذكاء سياسياً لا حدود له.. هذا الذكاء يقترن بذكاء اقتصادي بنفس الدرجة. هو الدكتور محمود محيي الدين وزير الاستثمار الذي يترك منصبه المرموق إلي منصب آخر مرموق أيضاً ولكن خارج مصر كمدير للبنك الدولي بداية من يوم 4 أكتوبر القادم. المنصب الجديد لم يمنع الوزير من الاعتراف صراحة بأنه غاوي سياسة والقول بصراحة أكبر أنه لن يلجأ إلي »الاعتكاف« في البنك الدولي.. وهو في هذا الصدد يعرف الملعب الذي سيمارس فيه هوايته بعد العودة الي مصر، قال انه يملك 3 بيوت لممارسة السياسة أولها مسقط رأسه كفر شكر وثانيها الحزب الوطني وثالثها كلية الاقتصاد والعلوم السياسية. وقبل سفره بأيام قلائل »فضفض« د.محيي الدين.. سئل وسأل وأجاب بشكل صريح عن بعض التساؤلات لكنه توقف صامتاً أمام البعض الآخر من الأسئلة خاصة تلك التي تتعلق بمستقبل وزارة الاستثمار وهل يتم تعيين وزير آخر ام يتم تقتيتها قطاعات!.. قال: » كل شيء علمه عند ربي« حتي هذه اللحظة يمارس مهام منصبه الحالي كوزير للاستثمار بشكل عادي فيما عدا بعض الأمور الحساسة حيث امتنع تماماً ومنذ الموافقة علي ترشيحه عن اصدار اية قرارات قد تحرج الوزير القادم بعده مثل تعيين مستشار او مسئول عن قطاع ما.. ومعه كل الحق فقد يكون القادم الجديد له افكار معينة وبالتالي فإن اصدار قرار ما في هذا الشأن يمثل نوعاً من التجاوز كما قال. المهم ان الجميع يسأل عن سيناريو ما قبل 4 أكتوبر وما هو مصير وزارة الاستثمار لكن د.محيي الدين اتبع سياسة الغموض وكل ما قاله ان القرارات في هذا الشأن في ايدي رئيس الجمهورية مشيراً الي حدوث مداولات ومشاورات لكنها لم تخرج الي النور بعد وقال ان قراراً في هذا الصدد سيتم بعد التشاور مع مجلس الوزراء لتحديد السيناريو النهائي. وبعيداً عما قاله الوزير فإن المصادر تؤكد احتمالات قوية لاعادة وزارة قطاع الاعمال العام يختار لها وزير من عدد من المسئولين في ذلك القطاع وهذا الوزير سوف يختار مسئولا لرئاسة الجهاز المقترح لادارة الاصول العامة ويصدر قرار تعيينه من رئيس الوزراء. عموماً كلها سيناريوهات لم ترق الي حد اليقين.. لكن اليقين الذي سئل عنه د.محمود محيي الدين تعلق بأمور وأوضاع أخري في اطار ما حدث خلال 6 سنوات وبضعة شهور أمضاها وزيرا للاستثمار وكذا في اطار مستقبل اوضاع الاستثمار في مصر وفي مختلف دول العالم. وقبل ان يترك د.محيي الدين منصبه كوزير للاستثمار كان حريصاً خلال الأيام القليلة الماضية علي عقد عدة لقاءات مع قيادات الوزارة لعل أهمها الذي تم مساء الاربعاء الماضي وضم كلا من عادل الموزي رئيس الشركة القابضة للصناعات الكيماوية وأسامة صالح رئيس هيئة الاستثمار ود.زياد بهاء الدين رئيس هيئة الرقابة المالية وعدد آخر من المسئولين بالوزارة حيث تم استعراض 3 ملفات رئيسية تتعلق بأوضاع قطاعات الاستثمار والأعمال العام والرقابة المالية. وبنفس الدرجة كان الوزير حريصاً ايضاً علي الاشارة الي انه يقدر تماماً موافقة الرئيس مبارك علي ترشيحه لمنصب مدير البنك الدولي وقال انه مقتنع تماماً بالمنصب الجديد مؤكداً انه لم يكن يستطيع رفضه لما يمثل ذلك من تقدير كبير لمصر. وهل انت راض عما تحقق خلال السنوات الست الماضية في مجال الاستثمار ؟ قال د.محيي الدين ان الحكم علي نتائج ما تحقق لا أملكه انا، بل يملكه المجتمع وعموماً هناك حقائق لا يمكن انكارها حيث تم جذب 2.94 مليار دولار صافي استثمارات اجنبية مباشرة منذ يوليو 4002 حتي يونيو 0102 وتم تأسيس اكثر من 73 ألف شركة جديدة وحصلت مصر علي تصنيف ضمن الدول العشر الاكثر اصلاحاً لمناخ الاستثمار علي مستوي العالم والأولي علي مستوي الشرق الأوسط وشمال افريقيا في تقرير ممارسة انشطة الاعمال العام 0102 وتم تكريم مصر من جانب مؤسسة التمويل الدولية 4 مرات خلال السنوات الخمس الماضية نتيجة الجهود التي تتبناها الحكومة لتبسيط اجراءات الاستثمار وحصلت مصر علي المركز الأول علي مستوي شمال افريقيا والمركز الثاني علي مستوي افريقيا في مجال جذب تدفقات الاستثمار الاجنبية المباشر في تقرير الاستثمار العالمي لعام 0102 الصادر عن منظمة الاونكتاد. الصعايدة فرحانين وما هو الشيء الذي أسعدك؟ قال د.محيي الدين: لا أبالغ في القول بأن أهم شيء يسعدني هو رؤية الفرحة في عيون الناس عند افتتاح مشروع ما وخاصة في الصعيد حيث كانت الفرحة غامرة بسبب مشروع طريق الصعيد البحر الأحمر . وأضاف الوزير قائلاً ان الفرحة تكتمل عند رؤية مواطنين بسطاء فرحين بإنشاء كوبري يربط بلدتهم او اقامة مجمع استهلاكي او غيره من المشروعات الخدمية مثل توصيل الغاز الطبيعي للصعيد. وقال ان الخال عبدالرحمن الابنودي عبر عن تلك الفرحة بقصيدة رائعة يتغني بها الصعايدة حالياً عقب افتتاح طريق الصعيد البحر الأحمر. وسؤال عن ثمار النمو الاقتصادي.. متي يشعر بها المواطن؟ قال الوزير: ان هذه الثمار سوف تتساقط تباعاً علي المواطنين مع استمرار معدلات النمو في مختلف القطاعات وليس قطاعات بعينها وكذا استمرار العدالة في توزيع الاستثمارات علي جميع المناطق الجغرافية بمصر. أفكار بالية وسؤال آخر: كنت تنتقد بشدة البنك الدولي عندما اصدر تقارير عن أوضاع الاستثمار بمصر في فترات سابقة.. هل مازلت عند رأيك؟ قال: صحيح أنني انتقدت البنك الدولي لما ورد ببعض تقاريره عن مصر حيث كانت لا تعكس الواقع ولكن الحقيقة ان البنك تجاوب مع رأي مصر في هذا الصدد وكان تقديره كبير لمصر لأنها لم تهمل تلك التقارير وتجاوبت مع ما جاء بها رغم كونها لم تكن واقعية بعض الشيء!. واضاف ان الازمة المالية العالمية جعلت البنك الدولي يغير من افكاره بشكل عام حيث تغيرت العديد من المفاهيم لديه.. وذكر ان التعلق الجائر بالمذاهب الاقتصادية هو امر عفا عليه الزمن، وكما قال الخبير الدولي جوان روبنسون فإن البعض يتمسك بالأيديولوجيات نتيجة عدم القدرة علي التعامل مع المستجدات الجديدة. وقال د.محيي الدين: انني شخصياً علي استعداد لمراجعة نفسي عندما اكتشف انني علي خطأ.. واضاف ان التحلي بالمرونة هو الذي جعل دولا في آسيا علي ما هي عليه الآن. وكيف تري صورة مصر الآن وفي المستقبل؟ قال: العالم اجمع يعلم ان مصر مستقرة وبعيدة عن الفوضي.. ورغم ذلك يدعو لها البعض بالتوتر لأغراض في انفسهم: وقال ان ذلك لا يعني عدم وجود فقر او بطالة او عشوائيات.. ان كلمة فقر لم تكن في قاموس الحكومة قبل عام 2002 لكنها بدأت تتعامل مع تلك المشكلة بشفافية ووضوح في اطار الامكانيات. وأضاف: أوضاع مصر مستقرة ويكفي وصول حجم الاستثمارات الخاصة الي 041 مليار جنيه في العام المالي 9002 0102 مقابل 1.73 مليار في عام 3002 4002. وسؤال آخر يتعلق بما يثار من انزعاج المؤسسات العالمية بعد صدور الحكم ببطلان عقد مدينتي وما يقال عن تأثر مناخ الاستثمار بهذا الحكم.. رد عليه الوزير مؤكداً علي ان مسئولا لا يمكنه التعليق علي اي حكم قضائي.. لكنه يجب ان يتعامل معه بما يحفظ كل حقوق الأطراف المرتبطة بهذا الحكم. وبعد.. تركت أنا وزملائي الصحفيون د.محمود محيي الدين قبيل سفره الي واشنطن داعين له بالتوفيق.. وداعياً هو لنا بالراحة من الجولات التي كنا نصحبه خلالها في كل بقاع مصر وكما قال: كانت زيارات »كعب داير«!. لكني قلت له: نحن في انتظارك قريباً في مصر.. فهي اولي بوزير مثلك.