لا أحد يمتلك مستندات بشأن كل ما يثار عن التدخل الأمريكي السافر في شئون مصر.. والحمد لله أننا حتي الآن لا نمتلك وقائع محددة ثابتة او علي ارض الواقع لهذا التدخل.. ولكننا نمتلك تصريحات منسوبة كلها إلي مسئولين امريكيين كبار علي غرار السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية.. وكلها وقاحة وتنم عن تدخلات صارخة في حق مصر.. لا توجد »بطحة« علي رأس اي مسئول مصري ليقول الحقيقة او يرد علي الشائعات، او يكذب التصريحات الامريكية المنشورة ماداموا لم يكذبوها.. نحن احرار نمتلك ارادتنا وسيادتنا.. ورغم ان الايام الماضية لم تكشف عن فواتير يجب علي المصريين ان يدفعوها اليوم للامريكان.. فان الثورة قامت لتخلصنا من عادة التبعية القميئة للأمريكان.. ويجب ألا ننتظر حتي يكشف التاريخ ما لنا وما علينا من فواتير او تعهدات ومواثيق حتي لو كانت شفهية للسادة الامريكان.. هم منتفضون اليوم لتثبيت الاوضاع في المنطقة مع صعود انظمة حكم جديدة.. وهذا حقهم.. فكلُ يجب ان يبحث عن مصلحته حسبما يراها.. ولكن ليس علي حساب »تثبيت« مصر كما يقول شبابنا لصالح الامريكان. نحن في عصر جديد عنوانه وشعاره الرئيسي الحقيقة والمصارحة.. ولابد من إعلان جميع المعلومات كاملة للشعب.. في منطقتنا العربية نتعامل مع الاجتماعات الرئاسية وغيرها علي أساس إنها اسرار الدولة.. ونفاجأ بعد ذلك بالامريكان والاوروبيين ينشرونها كاملة او بتسريبات إعلامية مقصودة.. ويضعوننا في موقف حرج، اما ان نكذب او نوضح او نصمت اذا كان ما نشر حقيقة.. والنتيجة انفصال بين الشعب وقيادته وشكوك لدي الرأي العام وعدم مصداقية لاي شيء تعلنه علي المستوي الرسمي حتي لو كان حقيقة.. واليوم.. لم يعد الرأي العام يقبل بغياب المعلومات.. ولا تتيح تكنولوجيا الاعلام الحديث الفرصة لاحد لاخفاء اي معلومة.. التجارب مريرة بسبب اخفاء المعلومات في مصر. وتربة خصبة لنمو الشائعات وخاصة في ظل ظروف الاضطراب السياسي الذي نعيشه.. والتطورات الجديدة بالمنطقة والحركة السياسية والدبلوماسية المصرية المكثفة مع وصول الدكتور محمد مرسي لرئاسة مصر وصعود تيار الاسلام السياسي إلي مؤسسات الحكم.. ومن مصلحة الاستقرار في البلد ولصالح نظام الحكم ان نعلن للناس كل شيء ونرد علي كل الاقاويل والتساؤلات التي تواكب اي زيارة لمسئول مصري بالخارج او اجنبي لمصر.. مثلما حدث مع زيارة وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون.. ولنوضح ما تردده وسائل الاعلام المصرية والاجنبية حول الزيارة واسبابها وماذا دار فيه؟.. وهل ما يقرؤه الناس ويتابعونه علي شاشات الفضائيات والانترنت حقيقة ام مجرد اسئلة مشروعة كانت مطروحة للنقاش؟. او علي اجندة مباحثات مستقبلية.. ام انها مجرد شائعات سواء كان مصدرها داخليا أو خارجيا وهدفها هز الثقة بالرئيس وجماعة الاخوان المسلمين والتيار الاسلامي بصفة عامة واستمرار حالة الشك والتشكيك بين التيارات الوطنية المصرية وبين الشعب ورئيسه. حيرة الناس تغذيها المواقف الامريكية السابقة وتصريحاتهم بشأن مصر والعرب منذ 04 عاما والتي يجد المواطن لها ترجمة علي ارض الواقع بمرور السنين.. والقضاء علي هذه الحيرة اعلان الحقائق من جانبنا ولا نترك الساحة الاعلامية في مصر ان يكون مصدرها الرئيسي للمعلومات ما يصرح به الامريكان وما تعلنه وسائل الاعلام الامريكية والإسرائيلية ومواقع الانترنت.. نحن المضارون من ذلك.. بخلق هذه الفوضي الاعلامية والسياسية وهذا التشكيك وعدم الثقة.. وهم يريدونها فوضي حقيقية علي ارض الواقع.. يريدون مصر ضعيفة ومنقسمة وهو طريقهم لتكون مقسمة. هذا ما قاله هنري كيسنجر وزير خارجيتهم عام 3791 عقب انتصارات اكتوبر، قال: ان هدف امريكا الاساسي ألا يحدث ذلك مستقبلا مهما كان الثمن، ألا يمتلك العرب قوة للانتصار علي اسرائيل، والا يتوحد العرب ثانية ويتحكمون في البترول.. وهذا ما قاله بوش الابن لابد من استخدام الديمقراطية في نشر الفتن الطائفية والدينية والمذهبية والعرقية بهدف اعادة تفكيك الدول العربية واعادة تركيبها واستغلال اجواء الحرب ضد الارهاب لابتزاز الدول العربية لتقديم تنازلات تتلاءم مع السياسة الامريكية والاسرائيلية في المنطقة.. بوش قال ذلك صراحة ومنشور في وسائل الاعلام حينذاك عام 5002 ولم يقله في اجتماعات سرية.. فماذا يحدث لنا؟ ولماذا نتمسك بمقولة ديان الشهيرة »العرب لا يقرأون واذا قرأوا لا يفهمون.. واذا فهموا ينسون؟.. بوش قال ان منهاج عملي لسياستي الخارجية كتاب »قضية الديمقراطية«.. ومؤلف هذا الكتاب هو اليهودي الروسي المتطرف ناتان شارانسكي وزير شئون يهود الشتات في حكومة شارون عام 5002. ولذلك لم يكن غريبا ان تجد هذا الكتاب علي مكتب كل وزير ومسئول في ادارة بوش الابن.. حتي يتعلموا ويفهموا منهج رئيسهم وكيف ينفذون افكاره.. فاذا كانوا هم يقولون ذلك؟. لماذا نصر نحن العرب علي الغفلة واتهام من يحذرنا منهم بانه من عبدة نظرية المؤامرة.. هل ما تعيشة المنطقة العربية الآن مازال في نطاق النظرية ام اصبح واقعا؟. وبماذا تفسر سلوك الادارة الامريكية باحتضان الكونجرس مؤتمرا بواشنطن تحت عنوان »حماية الاقباط في مصر«؟. بينما كلينتون تجري مباحثات في القاهرة مع الرئيس محمد مرسي.. ألم تقرأ الهانم قبل جلوسها مع الرئيس ما صرح به الرئيس مرسي في هذه القضية بقوله »عيب ان يتحدث احد عن حقوق اقباط.. انهم مواطنون مصريون لهم كل الحقوق وعليهم كل الواجبات«.. ولذلك يجب ان يحظي الموقف الوطني المشرف لنخبة من الشخصيات القبطية المصرية بالتقدير لرفضهم المشاركة في لقاء نظمته السفارة الأمريكيةبالقاهرة لمجموعة من الاقباط مع هيلاري كلينتون.. هذه النخبة المحترمة التي جسدت المعني الحقيقي للوطنية اعتبرت ان اجتماعا مع كلينتون للاقباط فقط، دعوة للطائفية البغيضة.
للأمريكان محطات رئيسية في تاريخ العلاقات المصرية معهم.. هذه المحطات تختلف في الموقف والظروف ولكنها تتوحد في الهدف.. وهو اولا واخيرا المصلحة الامريكية.. ونحن لا ندعي اننا قوي عظمي نستطيع ان نقول »للغولة عينك حمرا«.. ولكننا نستطيع ان نحافظ علي مصالحنا ايضا بعلاقات متوازنة للمصلحة المشتركة. وزيارة كلينتون تصب في الاطار التاريخي لزيارة دالاس لمصر عقب ثورة 32 يوليو 2591.. وزيارة كيسنجر عقب نصر اكتوبر 37.. وزيارة كلينتون عقب جلوس اول رئيس مصري مدني علي حكم مصر بعد ثورة 52 يناير 1102. انها لحظات تاريخية لهم.. كل موقف له ألف حساب.. وكل كلمة لها معني بميزان ذهب.. فماذا كانت اولويات القضايا التي طرحتها كلينتون للمناقشة؟ وما هو موقفهم منها؟. وما هو موقفنا بعيدا عن الجمل الدبلوماسية المنمقة التي لا تجيب سؤالا او تقدم معلومة تطمئن الرأي العام؟. وهو الاسلوب التقليدي الذي عاشت عليه مصر سنوات.. ويعرفة الزملاء مندوبو تغطية رئاسة الجمهورية »بالترويسة«.. اي يكتبون ما يشاءون في العموميات بشأن العلاقات الثنائية والقضايا الاقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.. امور لا تستحق النشر سوي خبر صغير ولكن كانت مانشيتات الصحف دون اي فائدة للقاريء.. وهو عكس ما بح صوت اساتذة الصحافة فيه طوال السنوات قبل تأميم الصحافة لتكون اداة طيعة في يد الحاكم وبوقا له.. وهو ما يجب ان يرفضه كل مسئول وكل اعلامي في عصر حرية وديمقراطية ثورة 52 يناير. الرأي العام لم يعرف شيئا عن زيارة كلينتون غير الشائعات او ما تعلنه امريكا من معلومات.. او تريد امريكا واسرائيل تسريبه من شائعات لغرض في انفسهم.. قالوا ان الزيارة لانقاذ السلام الهش وترتيب لقاء عاجل بين الرئيس مرسي ورئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو والرئيس بيريز.. وبدأت تخوفات من تسوية سلمية غير عادلة علي حساب مصر والفلسطينيين لصالح اسرائيل وشطح بعضهم الي اعتبار سيناء جزءا من هذه التسوية.. قد يكون خيالا مريضا وقد يكون جس نبض لافكار ولدت من الاساس قبل نشأة اسرائيل.. واحياها وزير اسرائيلي متطرف عام 5002.. وقالوا انها لحماية الاقباط.. ومناقشة تشكيل الحكومة المصرية الجديدة.. وشطحوا اكثر في افكارهم ان المباحثات تناولت اقامة قواعد عسكرية امريكية في مصر.. واستغلال قناة السويس تحت مظلة اقتصادية. وقالوا امريكا تمد الجزرة للتيار الاسلامي السياسي الحاكم، وعند رفض ضغوط واملاءات تمد العصا وما اسهل الاتهامات بالارهاب واضطهاد الاقليات »إذا اخذنا بنظرية المؤامرة«. هذه القضايا وغيرها كثير لا يصح فيها التخمينات ولا تنظير المحللين والعالمين ببواطن الامور وهم كثيرون.. ولا ترك الساحة للاعلام الامريكي والاسرائيلي.. ولكنها تحتاج توضيحا عقب كل زيارة او لقاء لمسئول اجنبي سواء كان الاجتماع مع رئيس الجمهورية او اي مسئول مصري.. فالبلد لا يتحمل.. الممارسات الاعلامية سداح مداح للأخبار الكاذبة او للشائعات المغرضة!
هذا المقال كتبته مساء يوم الخميس.. وقبيل ألقاء الرئيس مرسي كلمته للأمة بمناسبة شهر رمضان.. وأشار فيها إلي حرية الإعلام وأهمية تدفق المعلومات لتقديم الحقائق ومواجهة الشائعات.. يا سيادة الرئيس.. لقد لمست لبس الإعلام الصادق والمعلومات الصحيحة والحقيقية.. هم الترجمة الواقعية لشعار مصر الجديدة.. ونأمل ان يتم تنفيذ ذلك قريبا من خلال منهج فكري وقناعة راسخة من القائمين علي العمل الإعلامي بمؤسسات الدولة.. وأصدار قانون حرية تداول المعلومات.