طوت ايران مرحلة الخصام الدولي مع أمريكا والقوي العظمي التي امتدت لثلاثة عشر عاما وذلك بإعلان كل من أمريكا والاتحاد الأوروبي الإطار القانوني لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة علي ايران في إطار تنفيذ المرحلة الأولي للاتفاق النووي الايراني. وبمقتضي هذا الإعلان ينتهي عمل لجنة العقوبات علي ايران في مجلس الأمن وستحل محلها لجنة مشتركة خارج المجلس مؤلفة من الدول الست الكبري (الولاياتالمتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين وألمانيا) مع إيران تكون مهمتها متابعة تطبيق الاتفاق النووي للسنوات العشر المقبلة، وحل الخلافات والنظر في الشكاوي ومتابعة تنفيذ الالتزامات بين أطراف الاتفاق. ونص القرار علي إنهاء كل العقوبات الدولية علي إيران بعد انقضاء المهلة المحددة في الاتفاق النووي، ما لم يقرر مجلس الأمن خلاف ذلك بناء علي التقارير الدورية التي ستتولي الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقديمها عن مدي التزام إيران بالاتفاق الدولي. أزمة دول الخليج ورغم السعادة الواضحة التي تبديها القوي الغربيةوايران من الوصول إلي مرحلة جديدة انهت حالة العزلة الدولية لايران فإن الواقع الإقليمي يظهر تخوفا سعوديا خليجيا عربيا من التغول الإيراني في المنطقة بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها. وقد شهدت العلاقات الامريكية السعودية تراجعا ملحوظا منذ ان تم التوقيع علي الاتفاق النووي الايراني قبل اربعة اشهر واعتبرته السعودية بمثابة الضوء الأخضر الذي اعطته امريكالإيران لاشعال المزيد من المواجهات بالمنطقة من اجل السيطرة والهيمنة في صراعها التاريخي مع السعودية حول الريادة في العالم الإسلامي. ومع اشتعال جبهات المواجهات غير المباشرة بين إيران والسعودية في العراق وسوريا واليمن وانتقالها هي الأخري لمرحلة المواجهات المباشرة بين الدولتين عقب حادثة الاعدامات الأخيرة اصبحت السعودية مجبرة علي تنويع حلفائها بعيدا عن أمريكا وهو نفس المنطق الذي ستنتهجه دول الخليج التي أيدت الموقف السعودي وتخشي هي الأخري من التغول الإيراني في منطقة الخليج عبر اشعال صراعات طائفية بين السنة والشيعة. وامام هذا الواقع المتأزم في دول الخليج يوجد في تل ابيب واقعا اكثر غضبا وتشددا حيال هذا التقارب الامريكي الايراني الذي تراه إسرائيل يمثل خطورة كبري علي المنطقة ونددت بالموقف الدولي حيال إيران وتوعدت بمراقبة النشاط النووي الإيراني عن قرب والتدخل في حال وجدت أن هناك تهديدا لأمنها القومي علي حد تعبير نتنياهو ووزرائه. رفع العقوبات ويشمل القرار رفع العقوبات الأمريكية الثانوية عن ايران مما يعني عودة الاستثمارات الامريكية في ايران ورفع العقوبات المالية واستئناف التعاملات مع البنك المركزي الايراني وما يخص ذلك من معاملات الاكتتاب والتأمين وغيرها. كما سيتم رفع العقوبات المفروضة علي قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات واعمال الموانئ وتجارة الذهب والمعادن والجرانيت والالمونيوم والحديد والصلب والفحم وسترفع العقوبات عن قطاع السيارات. وبموجب هذا الإعلان ستقوم الولاياتالمتحدة برفع العقوبات والحظر عن 400 شخصية وشركة لها علاقة بالبرنامج النووي الإيراني وسيكون هناك تعاون أمريكي إيراني في ثلاثة مجالات رئيسية هي تصدير واستيراد الطائرات التجارية والتجارة مع كل فروع الشركات الامريكية حول العالم كما سيسمح لإيران بتصدير السجاد والمواد الغذائية لأمريكا. ومع اسقاط العقوبات عن ايران ستتمكن الدولة من استعادة اموالها المجمدة في البنوك الأوروبية والتي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات ارباح عائدات النفط خاصة بعد ان تسدد إيران ديونها الخارجية خاصة للصين حينها ستحصل علي 50 مليار دولار من حساباتها الخارجية. وعلي المستوي التجاري يتوقع المراقبون ان تنتعش التعاملات التجارية بين ايران والدول الأوروبية علي عكس ما قد يحدث بين إيران ودول الخليج العربي خاصة بعد التوترات السياسية الاخيرة التي اعقبت ازمة إعدام السعودية لرجل الدين الشيعي نمر النمر وما نتج عنه من قطع للعلاقات الدبلوماسية بين ايران وعدد من دول الخليج والدول العربية التي دعمت الموقف السعودي. انهيار أوبك ومن المؤكد أن عودة طهران إلي سوق النفط سيخلق توترات في منظمة «الأوبك»، خاصة أن إيران تطمح لاستئناف إنتاجها إلي المستويات التي كانت عليها قبل الحظر، فيما ستكون دول الخليج غير متحمسة لخفض إنتاجها وتقليص حصتها. وتنتج السعودية وحدها حوالي 10.3 ملايين برميل يوميا، أي ثلث إنتاج منظمة «أوبك». وإذا دخلت إيران وفنزويلا والجزائر وليبيا، وهي جميعها بحاجة إلي ضخ مزيد من النفط، في خلاف مع دول الخليج فإن ذلك يعني نهاية المنظمة. وقد انخفض انتاج النفط وتدهور قطاع الصناعات النفطية في إيران نتيجة الحظر حيث انخفض الإنتاج من 2.2 مليون برميل يوميا في منتصف 2012 إلي 1.2 مليون برميل حاليا. في الوقت الذي رفعت فيه السعودية والكويت والإمارات من إنتاجها لتعويض النقص في النفط الإيراني. ويتوقع الخبراء ألا تعود ايران للانتاج بكامل طاقتها قبل عدة سنوات. أما علي المستوي التجاري فربما تستأنف الانشطة التجارية بين ايران ودول الخليج اذا حلت المشاكل السياسية والازمات الدبلوماسية الأخيرة وتستحوذ الإمارات علي 80% من حجم التبادلات التجارية بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، فيما تعد طهران رابع شريك تجاري للإمارات. ويعيش في دبي نحو 400 ألف إيراني يديرون شبكة ضخمة من الأعمال.وارتفع حجم التجارة بين الاماراتوايران إلي 17 مليار دولار العام الماضي. وفي النهاية تظل إيران وحدها من تعرف الإجابة بعد ان استعادت اليوم جزءا كبيرا من قوتها وقدراتها بعد سنوات طويلة من العقوبات.. فهل ستكون إيران حليفا للعرب عبر فتح صفحة جديدة مع دول الخليج وعلي رأسها السعودية ام ستختار ان تكون حليفا للغرب واداة لتنفيذ مخططاتهم الاستعمارية في المنطقة؟