مجلس الشعب لم يحقق طموحات المواطنين تباينت ردود الأفعال عقب إعلان المحكمة الدستورية العليا بطلان تشكيل مجلس الشعب وعدم دستورية القانون الذي تمت علي أساسه انتخابات المجلس.. ففي الوقت الذي احتفل العديد من المواطنين بحل المجلس لأنه لم يحقق أيا من مطالبهم ولا مطالب الثورة.. أكدت القوي السياسية الممثلة في المجلس، وعلي رأسها حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان أن المجلس حقق خلال فتره انعقاده البسيطة انجازات تفوق ماحققته البرلمانات السابقة.. وفي رصد لأداء المجلس خلال 144 يوما هي عمر " برلمان الثورة " تبين أن المجلس تفرغ للصراع مع مؤسسات الدولة بدلا من التعاون معها محاولا أن يكون السلطة الوحيدة.. وبدأت الصدامات والتي أثرت سلبا علي صورة المجلس مع أولي جلساته والتي كانت مخصصة لانتخاب رئيس المجلس.. بعد أن دخلت الأغلبية الإخوانية في جدال لائحي مع عدد من النواب حول أحقية المرشحين لرئاسة المجلس في التعريف بأنفسهم.. وفي اليوم التالي وقع الصدام الثاني بين الإخوان و السلفيين من جانب، وعدد من الأحزاب الليبرالية من جانب آخر علي رأسها " الوفد والمصريين الأحرار والمصري الديمقراطي الاجتماعي " بسبب الاتهامات التي وجهتها الأحزاب الليبرالية للإخوان والسلفيين بالاستحواذ علي هيئات مكاتب لجان المجلس وعدم الالتزام بالإتفاق الذي جري بينهم علي عدم استئثار فصيل سياسي برئاسة اللجان، وتسبب هذا الصدام في تأجيل جلسات المجلس لعدة أيام لحين الوصول لاتفاق لكن كان للأغلبية ما أرادته.. وهو ما تسبب في استمرار الصراع بين الإخوان والليبراليين طوال فترة انعقاد المجلس ليستمر أيضا اثناء تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور وانتصر الليبراليون في تلك المعركة بعد حكم القضاء الإداري بحل لجنة الدستور. وعقب الأحداث المؤسفة التي وقعت في استاد بورسعيد دخل مجلس الشعب في صدام مع وزارة الداخلية، وهدد باستجواب الوزير وأعلن عن تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق معه، وشدد المجلس علي ضرورة تطهير الداخلية وإعادة هيكلتها، بعد ذلك انتقل المجلس لصدام مع ميدان التحرير.. بعد أن أعلن د.سعد الكتاتني رئيس المجلس أنه بعد تشكيل المجلس أصبحت الشرعية من البرلمان وليست للميدان، واصطدم مجلس الشعب أكثر من مرة مع حكومة د.كمال الجنزوري، وبدأ الصدام بحرب كلامية بين المجلس والحكومة حول البيان الذي ألقاه الجنزوري أمام المجلس، ثم تحول الصدام إلي رفض المجلس لبيان الحكومة، بعد ذلك أعلن المجلس البدء في اتخاذ إجراءات سحب الثقة من الحكومة، وهو ما أثار حفيظة الوزراء ولم يحضروا الجلسة مما اضطر رئيس المجلس لتعليق الجلسات لحين استقالة الحكومة. ولم يسلم القضاء من الصدام الذي خاضه البرلمان مع مؤسسات الدولة.. حيث شن النواب هجوما عنيفا علي المؤسسات القضائية المختلفة وتبلور ذلك في مشروع قانون تقدم به أحد النواب لتعديل قانون المحكمة الدستورية تضمن نصا يقضي بأن يكون رأي المحكمة في دستورية القوانين استشاريا، وغير ملزم لأي من جهات الدولة، وهو ما فسره القضاة بأن مشروع القانون جاء بغرض نزع صلاحيات المحكمة قبل نظرها دستورية قانون مجلس الشعب.. كما تسببت مشروعات القوانين التي تقدم بها عدد من النواب بتعديل قانون السلطة القضائية والتي نصت علي أن يكون سن التقاعد لأعضاء الهيئات القضائية عند سن الستين في أزمة أخري بين المجلس والقضاء. وطال الصدام البرلماني مؤسسة الأزهر بمشروع قانون تقدم به نائب سلفي وطالب فيه بألا تكون المرجعية النهائية في قضايا الإسلام للأزهر، وكان المجلس العسكري أيضا حاضرا في تلك الصدامات وشن النواب هجوما متكررا علي سياسته واتهموه بأن إدارته للمرحلة الانتقالية تسببت في وقوع الأزمات. وأمام انشغال المجلس بالصراعات السياسية مع مؤسسات الدولة تضاءل عدد القضايا التي انجزها المجلس فعليا لصالح المواطنين إلا أنه استطاع زيادة قيمة تعويضات أسر الشهداء ومصابي الثورة من 30 ألف جنيه إلي 100 ألف جنيه، ونجحت لجنتا القوي العاملة والعلاقات الخارجية في إنهاء أزمة »الحوالات الصفراء " التي يستفيد منها حوالي 625 ألف مواطن، وكذا في إقرار قانوني التأمين الصحي للمرأة المعيلة والأطفال دون السن المدرسي ، وتعيين العمالة المؤقتة.. بينما فشل المجلس في وضع نهاية لعدد من القضايا الملحة التي تمس حياة المواطنين واكتفي بمناقشتها والهجوم علي الحكومة دون ايجاد حلولا لها وعلي رأس تلك القضايا رغيف الخبز وأزمة البطالة ونقص الأسمدة الزراعية وتلوث مياه الشرب وتردي الخدمات الصحية ونقص انابيب البوتاجاز، كما لم يقم المجلس بتفعيل 169 استجوابا تقدم بهم النواب في قضايا فساد وتم تأجيل مناقشتها لحين تتبين الأغلبية المقاعد التي ستحصل عليها في التشكيل الوزاري الذي كانت تطالب به، كما اكتفي المجلس بمناقشة الحدين الأقصي والأدني للأجور دون إصدار قانون ينظم ذلك. وأجمع عدد من الخبراء المتخصصين في الشئون البرلمانية علي أن مجلس الشعب فشل في تحقيق ما كان يتوقعه المواطنون.. حيث أكد د.علي الصاوي استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن تقييم مجلس الشعب يتم من خلال ثلاث مرجعيات الأولي وهي مطالب ثورة يناير ولقد فشل المجلس في تحقيقها وهو ما أكده الشباب وعدد من وسائل الإعلام والرأي العام في الشارع، أما الأحزاب السياسية فتري أن المجلس لم يفشل، وأضاف د. الصاوي أنه في حالة تقييم المجلس وفقا لمقارنته بالمجالس السابقة فيعد ناجحا من الناحية الكمية لعدد الادوات الرقابية التي استخدمها المجلس، ومشروعات القوانين التي أقرها، ويؤيد هذا الاتجاه الأحزاب أصحاب المصلحة والتي كانت ممثلة في المجلس. ويوضح د. الصاوي أن المرجعية الثالثة هي الفرص التي أضاعها لكسب ثقة الرأي العام، بعد أن فشل في إرضاء المواطنين، حيث كان بإمكانه أن يلعب دور القائد في العملية السياسية، وأن يتعاون مع مؤسسات الدولة بدلا من الصدام معها، وأضاف د. الصاوي أن المجلس خسر أيضا ثقة الرأي العام فيما يتعلق بالجوانب المالية، وكان يجب عليه أن يضرب مثالا في الشفافية والنزاهة من خلال إعلانه شهريا لما ينفقه، وكذا إعلان ما يتحصل عليه كل نائب شهريا، والمزايا العينية للنواب، وما تكلفته لجان تقصي الحقائق التي لم تتوصل لأي نتيجة من مبالغ مالية، وتكلفة اجتماعات الجمعية التأسيسية التي لم تسفر عن أي نتيجة ايجابية، كما لم يقم المجلس بتحديث العمل البرلماني من خلال إدخال نظام التصويت الاليكتروني، رغم إعلان د. الكتاتني عن نيته للقيام بذلك، وهو ما أفقد العديد من قرارات المجلس التشريعية صحتها، ومنها علي سبيل المثال تصويت المجلس علي إحدي مواد قانون القضاء العسكري بحضور 140 نائبا فقط، علي الرغم من أن لائحة المجلس تنص علي بطلان أي قرار تشريعي لا يوافق عليه المجلس بحضور نصف أعضائه علي الأقل. ومن جانبه يري د.يسري العزباوي خبير الشئون البرلمانية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاسترتيجية أن الدورة البرلمانية كانت في مجملها غير مجدية للشعب، ولم تعبر عن طموح وأهداف الثورة، وقال عن تقييم الأحزاب الممثلة في البرلمان أن حزب الحرية والعدالة حل بديلا للحزب الوطني بأغلبيته الديناميكية.. حيث إن التصويت كان موجها لخدمة سياسات الحزب، أما النور السلفي فلم يعبر عن فعل سياسي وثوري صادق وكانت قراراته غير حاسمة، والحزبان كانا ملتزمين بمبدأ السمع والطاعة وتلقي الأوامر سواء من قيادات الجماعة أو السلفيين دون أن يلعبا دورا برلمانيا منفردا، في الوقت نفسه فإن حزب الوفد لم يكن له مواقف سياسية أو دور فعال داخل المجلس.. أما المستقلون فقد اتسم أداء عدد كبير منهم " بالشو الإعلامي " أكثر منه اداء برلمانيا متزنا، وفيما يتعلق بالمناقشات التي دارت داخل المجلس أكد د.العزباوي أنها تحولت لمزايدات خاصة قضية شهداء الثورة، وجاءت غالبية المناقشات عبارة عن مغازلة من التيارات السياسية لميدان التحرير واللعب علي وتر تبني مواقف المتظاهرين حتي وإن كانت مبالغا فيها، وعلي مستوي التشريع أكدت القوانين التي خرجت عن المجلس أنه تم استبدال ترزية الحزب الوطني بآخرين أقل كفاءة بدليل صدور قانون العزل السياسي وكذا قانون العفو السياسي الشامل عن المحبوسين في قضايا سياسية والذي امتدت مدته ليتم الإفراج عن قتلة الرئيس السابق أنور السادات، والسماح لهم بتولي مناصب سيادية ووظائف عليا في الدولة ومباشرة حقوقهم السياسية رغم أن هذا القانون به عوار تشريعي وقانوني، وأضاف د.العزباوي أن رئيس المجلس قد أخطأ بسبب أدائه لدور سياسيا وتعامل علي أنه عضو بحزب الحرية والعدالة ووجه المناقشات لما يخدم سياسات الحزب وتصفية الحسابات مع المجلس العسكري. واعتبر د.كريم السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن انعقاد مجلس الشعب لمدة 144 يوما فقط لا يكفي لتقييم أدائه بشكل موضوعي إلا أنه أكد أن المجلس كان قادرا في تلك المدة علي أن يحقق بعض مطالب الثورة والمواطنين لكنه فشل في ذلك بسبب عدم قيامه بوضع خطة عمل واضحة، وعاب السيد علي المجلس محاولة هدم مؤسسات الدولة الأخري بصدامه مع الحكومة، وعدم الاستماع إليها في العديد من التشريعات التي كان يعدها ومنها قانون الشرطة، وقانون الثانوية العامة، والذي تسبب تعنت المجلس في عدم الاستماع لرغبة الحكومة بتأجيل تطبيقه لمدة عام في إهدار 120 مليون جنيه من خزانه الدولة، وأضافد. السيد أن المجلس كان يسعيالإرضاء الرأي العام علي حساب المصلحة العامة، وكذا قيام المجلس بإضاعة الوقت في مناقشة قضايا لا تتعلق بأختصاصه مثل نقل مبارك لمستشفي سجن طرة والتعليق علي الحكم الصادر علي الرئيس السابق ونجليه ووزير الداخلية الأسبق، والدخول في صراع مع السلطة القضائية بهدف إرضاء الرأي العام، وأشار د.السيد إلي أن المجلس أغفل تعديل لائحته الداخلية والتي تمنح الحكومة سلطات أكبر من البرلمان خاصة فيما يتعلق بالرد علي بيان الحكومة، كما أن المجلس لم ينجح في تغيير الصورة الذهنية للمواطنين عن المجالس السابقة، وذلك بعد الأخطاء الفردية التي وقعت من عدد من النواب، وقال إن رئيس المجلس كان يصر علي عرض البيانات العاجلة في بداية الجلسة المسائية ودون قيام الحكومة بالرد عليها مما أهدر قيمتها، وأرجع ذلك إلي أن رئيس المجلس كان يسعي للانجازات الرقمية للبرلمان في كثرة عدد الأدوات الرقابية المستخدمة، في الوقت الذي تقاس انجازات البرلمانات بما حققته علي أرض الواقع.