يدرك الفرنسيون ان الذي يجلس في قصر الاليزيه ما عاد يؤدي دور الفتي الاول في رواية الحكم ولا اي من يجلس في قصور الرئاسة بأوروبا، لان الاداء قد انتقل من العواصم الاوروبية الي مفوضية الاتحاد الاوروبي ببروكسل...! كأن قوي المال العالمي تعيد التأكيد علي الفرنسيين هذه المرة بأنهم لن يتمكنوا من تحقيق السياسات التي يريدونها بل ما تمليه عليهم »الاسواق«! يبدو ان الفرنسيين بسبيل ان يتأكدوا من هذا الواقع من الآن فصاعدا مع انتخابهم رئيسا اشتراكيا هو أول رئيس يساري يفوز في فرنسا منذ عام 8891.. فكيف ستكون ردود افعالهم ازاء ذلك؟ ربما لهذا اتفق علي انها الانتخابات الاقل حماسا في تاريخ فرنسا، وكأنها مجرد المخرج امامهم الذي يخلصهم من ساركوزي المكروه ولو بالتصويت لخائب الرجا هولند أو أولند! »الفرنسيون ينطقون الهاء ألف«. فهذا رئيس اشتراكي ندد وانتقد وفند مرارا خلال معركته الانتخابية سياسة »التقشف« التي يفرضها الاتحاد الاوروبي علي كل دولة اوروبية تتعرض لأزمة مالية او تواجه عجزا وديونا لا تستطيع ان توفيها.. قالها هذا الاشتراكي بكل صراحة: لن نسمح بأن تكون سياسة التقشف هي الخيار الوحيد امامنا... ففرنسا مطلوب منها- بتعليمات محددة- ضرورة اصلاح نظام المعاشات بمعني تخفيضها بنحو او آخر كذلك تخفيض البرامج الاجتماعية اي الضمانات والتأمينات بانواعها من بطالة ورعاية صحية وغيره، والحد من زيادة الاجور والمرتبات، اما الضرائب فتكون الزيادة علي المستهلك اي لا تكون تصاعدية علي الدخول الكبري.. واضح بالطبع انها تعليمات كلها حرص علي الاموال ورؤوسها لا تصيب غير السواد الاعظم من الطبقات العاملة والكادحة.. يعني باختصار تعليمات الاتحاد الاوروبي لا تترك فرصة امام رئيس منتخب مثل هذا الاشتراكي ان يفعل او يحقق شيئا ذي قيمة للشرائح المهضومة اقتصاديا.. فما عاد بمقدور اي رئيس يساري من رؤساء دول الاتحاد الاوروبي »هم حاليا سبعة من بين 72« ان ينفذ شيئا من وعوده الانتخابية اللهم الا في حدود محدودة: كأن ينفذ وعدا بتبني حق الزواج الرسمي بين المثيلين بل وان يتبنوا ايضا صبيانا وبناتا فهؤلاء كتلة انتخابية لا يستهان بها.. كما ان يفرض تشغيل نسبة اكبر من المعاقين و... ان يتبني تقديم تشريع يبيح للمرضي بلا أمل في شفاء ان يجدوا المساعدة الطبية لانهاء حياتهم بنحو كريم!... وبالمرة يستطيع ان يحقق وعوده بان يجعل البوليس الفرنسي يحسن من معاملة الاقليات من عناصر المهاجرين وابنائهم بنحو افضل عما كانوا عليه في عهد سلفه ساركوزي.. هذا هو الطريق الممهد امامه... اذن كيف يتمكن أولند هذا الاشتراكي من تطبيق رؤيته الاقتصادية؟ انه يريد تشغيل ما لا يقل عن 06 ألف معلم مدرسي بأسرع وقت ويخفض اسعار الكهرباء علي الطبقات الفقيرة والمحدودة ويحمي البرامج الاجتماعية والتأمينات علي البطالة والصحة وغيرها من استقطاعات الميزانية ويريد ان يدعم الفلاح المزارع اكثر بل ويدعم الابقار الفرنسية التي يقال انها تعيش عيشة يحسدها عليها ما لا يقل عن 2 مليار نفس بشرية علي سطح الارض ثم... ما من سبيل لتمويل ذلك كله غير رفع سقف الضرائب الي حد 57٪ كما وعد علي كل من يزيد دخله عن مليون يورو سنويا »مليون و003 ألف دولار« وفرض ضريبة جديدة علي جميع الصفقات المالية من بيع، شراء، سمسرة، وخلافه اي ما بشر به من وعود اساسي هو: وظائف جديدة وتنمية اقتصادية كبديل عن اجراءات التقشف التي رزء بها الاتحاد الاوروبي كل من اليونان والبرتغال واسبانيا وايطاليا... ولكنه لو حاول ولو حاول سيجد من يطارده ولا مطاردة كلاب الصيد للفريسة، فالاتحاد الاوروبي يقف بالمرصاد ليمنع اتخاذ اي اجراء آحادي في هذا الاتجاه... فماذا سيفعله هذا الرئيس الاشتراكي؟ هل يصارح الشعب الفرنسي بان يمضي في التضحيات من اجل البنوك؟ وهل يؤدي ذلك بالفرنسيين الي الثورة حيث انهم يعتبرون مرجعا مهما في تاريخ الثورات؟! المشكلة من الاساس ان فرنسا وهي احدي 72 دولة عضو في الاتحاد الاوروبي واحدي 71 دولة اختارت ان تأخذ بالعملة المشتركة- اليورو- اصبحت عمليا تحت نظام الحوكمة الاوروبية.. كل من تلك الدول اصبحت اشبه بالذي قد يتعرض ليوم يواجه فيه بحكم غير القادر علي تصريف شئونه فيحال امره الي وصي قانوني ليدير احواله، وهكذا اتخذت مفوضية الاتحاد الاوروبي في بروكسل دور الوصي القانوني علي الشئون الاقتصادية للدول الاعضاء فما عاد بامكان دولة منهم ان تتخذ قرارا مهما لها علي المستوي الاقتصادي القومي.. بل من الوجهة الواقعية حدث تفريغ لعملية الديمقراطية الانتخابية كما يتضح الوضع حاليا مع انتخابات فرنسا التي رغم التغيير الايديولوجي الذي طرأ سيصعب ان لم يستحل علي الرئيس الفرنسي الجديد ان ينفذ وعوده الاساسية! فهل سنشهد بداية معارك نري فيها هذا الاشتراكي وهو يعلن تمرد فرنسا علي شروط اللعب داخل الاتحاد الاوروبي؟ اي يلعبها بقواعد مضادة للنيو- ليبرالية التي تعرف احيانا بالمتوحشة؟! سنري.. ربما لو حصل حزبه علي اغلبية في الانتخابات التشريعية الشهر القادم سيتمكن »مسيو لو بريزيدون« هذا من الوفاء بعهوده دون ان يطلب الاذن من بروكسل او من »الاسواق« المتحررة! اولاند امامه امتحان صعب وموعده قريب في شيكاجو اواخر الشهر الجاري لدي اجتماع القمة لدول حلف الاطلنطي ولنتابع اداءه ونشهد اذا ما كان سيجد من يؤيده من داخل الدول الاوروبية ممن طهقوا الزج بهم مرة في افغانستان ومرة في ليبيا.. من جهته هو فقد وعد الناخبين الفرنسيين بان يسحب جميع جنود فرنسا من افغانستان مع نهاية هذا العام انما حربه الحقيقية ستكون بداخل اوروبا.. ففي حملته الانتخابية وعد الرئيس الاشتراكي الجديد ناخبيه بانه سيطلب من الاتحاد الاوروبي الحفاظ علي برامج الخدمات العامة للشعب ولو ضد تعاليم اقتصاد السوق تلك التي تفرض علي الدول التي تسير في فلك الولاياتالمتحدة.. ثم ان هذا الرئيس الفرنسي لديه طموح لم يخفه وهو ان يشارك في التيار العالمي الذي يستهدف انهاء احتكار الدولار كعملة وحيدة للاحتياطي العالمي واستبداله بسلة عملات متعددة.. اي واقعيا اخراج العالم من عباءة امريكا وتحديث النظام المالي علي مستوي الكون... تري هل سنشهد معركة؟ ام دون كيشوت جديد يحارب طواحين الهواء بسيف من خشب؟!