وكأن السنوات لم تمض بهذه السرعة فمرت 45 عاما علي رحيل الزعيم جمال عبد الناصر عام 1970.. لكنه يظل الحاضر الغائب دون أن يتمكن كارهوه والحاقدون عليه من تشويهه وتظل صورته مرفوعة في كل المناسبات الوطنية.. رفعها المصريون في 25 يناير وفي 30 يونيو لأن كلتا الثورتين رفعتا نفس مباديء ثورة يوليو 1952 وكانتا امتدادا لها فالعيش والحرية والكرامة الإنسانية تلخص مباديء الثورة الستة التي حفظناها عن ظهر قلب وكانت مكتوبة علي ظهر الكتب والكراسات وأهمها تحقيق العدالة الاجتماعية وإقامة جيش وطني قوي.. ذلك الجيش الذي ساند الشعب في ثورتيه فخلع حسني مبارك في 18 يوما فقط ثم خلع محمد مرسي بعد عام من حكم الإخوان ذقنا فيه حكم الرجعية واعتبار باقي الشعب من الدهماء.. وظلت الأغنيات الوطنية الخاصة بعيد الثورة خالدة وأعادت لنا مشاعر الفخر والاعتزاز بالوطن التي عشناها زمن عبد الناصر بكل ما فيه من انجازات وانكسار هزيمة 1967 وما أعقبها من حرب استنزاف أعدت الجيش لانتصار أكتوبر 1967.. والغريب أن جيل الشباب الذي فجر ثورة 25 يناير وحمل صور عبد الناصر لم يولد في عصره.. هذا الجيل الذي اتهمناه بأنه لا يقرأ التاريخ فإذا به أكثر وعيا وشجاعة منآبائه.. عندما طبق جمال عبد الناصر شعار طه حسين: التعليم كالماء والهواء وجعل التعليم مجانيا في جميع المراحل أتاح الفرصة للتغيير الاجتماعي وفتح باب الاجتهاد لأبناء الفقراء ومتوسطي الحال ليصلوا لأعلي المناصب والآن أصبح التعليم الجيد متاحا لمن يملك المال وأصبح التعليم الموازي والاجنبي مقصورا علي الطبقة العليا التي يستولي أبناؤها علي أفضل الوظائف، أما القاعدة الصناعية الضخمة التي بناها عبد الناصر فبيع معظمها بأبخس الأثمان تحت شعار الخصخصة وفقد الفلاح المصري الكثير من المميزات التي اكتسبها من قوانين الإصلاح الزراعي التي جعلته مالكا لخمسة أفدنة بعد تأميم مساحات شاسعة من كبار الإقطاعيين وتخلت الدولة عن دعم الفلاح مع إلغاء سياسة الدورة الزراعية التي كانت تقدم للفلاح مستلزمات الإنتاج وتشتري محصوله بسعر مناسب فضربت الفوضي السياسة الزراعية وتآكلت الأراضي الخصبة وصرنا مهددين بفقدان أجود أراضينا وكان لهيبة عبد الناصر ودعمه لحركات التحرر ومواجهته للاستعمار دور مهم في زعامة مصر للوطن العربي وظل يعطي ويتفاني من أجل مصر حتي غيب الموت جسده ولم يغيب مبادئه واحترامه لذاته وفخره بعروبته.