أصعب لحظات علي الانسان أن يتعرض لموقف يمنعه عن تعزية عائلة لها تاريخ عندما يموت عزيز لديها.. والأصعب عندما تكون هناك عشر سنين بينك وبين هذه العائلة من أيام طلبت من القائم بأعمال السفير السعودي في القاهرة تأشيرة زيارة عاجلة ولأن السفير في الخارج للعلاج « شفاه الله « اعتذر القائم بالأعمال بحجة انه لا يتمتع بصلاحيات وكنت قد هيأت نفسي للسفر الي جدة للتعزية في وفاة المغفور لها بإذن الله الام الفاضلة فاطمة باحارث ارملة المرحوم المعلم محمد بن لادن «طيب الله ثراه».. أعترف بفشلي في تقديم واجب العزاء بنفسي لكبير العائلة المهندس بكر محمد بن لادن الذي كان يتصدر قاعة العزاء علي رأس إخوانه وأبنائهم.. ولأن بكر يتمتع بحب من الله.. أعرف كيف سيكون العزاء الذي يشارك فيه أبناء الاسرة المالكة وحشود العاملين في شركات مجموعة بن لادن من مهندسين وإداريين وفنيين الي جانب الوفود الأجنبية والعربية التي ستأتيه من خارج المملكة.. فعلا الانسان سيرة ولأن سيرتهم طيبة فقد حبب الله فيهم خلقه.. تكفي الوفود التي احتشدت في طوابير طويلة وامتدت خارج قاعة العزاء علي مدي ثلاثة ايام خلاف ألوف البرقيات التي تلقتها العائلة.. - المقربون من هذه العائلة كانوا يعرفون علاقة المغفور لها مع ربها، فقد اعتكفت بعد رحيل زوجها، وكانت تجد متعتها في السبحة والقرآن والصلاة.. رفضت ان تعترف بمتغيرات الحياة ولذلك فضلت عليها عيشة البسطاء بعد أن قررت أن تصنع من ابنائها « سالم وبكر وغالب « رجالا ينفعون أنفسهم وينفعون إخوانهم وأحفادهم ومن بناتها أمهات صالحات.. كانت تعلم بالتركة التي تركها الأب من أبناء وبنات في احضان أمهاتهم الفاضلات وهم صغارا وكانت تعلم أيضا بالمسئولية الكبري التي سيتولاها اكبر الأبناء بعد بلوغه سن الرشد بدلا من مجلس الوصاية الذي عينه المغفور له الملك فيصل في ايام حياته محبة منه للمرحوم وبعد ان كبر ابنها الاكبر « سالم « وتولي المسئولية كانت أولي اهتماماته ان يحقق لأبيه حلمه فاستكمل لإخوانه وأخواته البنات تعليمهم في الجامعات الأوروبية والأمريكية وكان « بكر وأخوه يحيي « يدرسان الهندسة في أمريكا وسالم وغالب في سويسرا ..وبقية إخوانه يتعلمون ما بين القاهرة وسوريا.. - واذكر ان اول رحلة للام فاطمة الي القاهرة كانت في السبعينيات فاستأجر ابنها «سالم بن لادن « شقة لها علي النيل لمدة شهر وكان إيجارها في ذاك الوقت عشرين الف جنيه وطلب مني يوم ان تسألني عن قيمة الإيجار أقول لها الف جنيه في الشهر وبالفعل سألتني ويومها ثارت لماذا اختار لها شقة غالية علي النيل وهناك شققا عادية بين خلق الله بأقل من الألف .. قلت في داخلي أه لو عرفت بالحقيقة.. فعلا كانت رحمها الله إنسانة بسيطة جدا لا تحب الاسراف او البذخ وكثيراً أراها وهي تدعو الشغالات لتناول الطعام معها.. عاشت وهي لا تعرف الترف او الرفاهية.. وللحق العيشة الناشفة التي شاركت فيها رفيق حياتها المعلم محمد بن لادن في بداية مشوار حياته عندما كانت خلفه بين الجبال والوديان تعد الطعام للعمال خلقت منها شخصية قوية حازمة صارمة.. الي ان كتب الله النجاح له وأصبح أول مقاول سعودي يدخل موسوعة جينيس بعد التوسعة السعودية الاولي للحرمين أيام المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود.. وتستمر عجلة الحياة بعد رحيله ورحيل سالم الابن.. ليتولي «بكر بن لادن» المسئولية كاملة.. فقد كانت امه تمطره كل صباح بدعواتها الطيبة فأصبح المهندس المسئول عن تنفيذ وتوجيهات مشروعات خادم الحرمين الشريفين «أطال الله في عمره» .. وأخوه «يحيي بن لادن» تولي مسئولية إدارة شركات المجموعة أما بقية الابناء فقد تولوا إدارات المشاريع.. يعني جميع ابناء بن لادن وضعوا انفسهم خداما لوطنهم المملكة.. وللحرمين الشريفين.. .. ويشاء القدر أن ترحل الام فاطمة باحارث بعد أن صنعت جزءا من تاريخ العيلة.. وكانت شاهدة علي بناء عائلة «بن لادن» لقد كانت رحمها الله تتمتع بقلب لا يحمل غلا لأحد ولا خصومة مع احد.. فقد كانت محبة للتسامح .. كانت تخاف ان تظلم بريئا ولو بمعلومة مسمومة فترتكب إثما عند الله .. لذلك كانت مع الله الي ان ناداها فلبت النداء فرحة باللقاء.