في حدود ما قرأت عن تاريخ اللغة المصرية القديمة الخط الهيروغريفي فإن أقدم ما كتب في هذا للباحث المصري انطون ذكري بعنوان «مفتاح اللغة المصرية القديمة» طبع في العشرينيات من القرن الماضي وأعاد طبعه الحاج محمد مدبولي رحمه الله أذكر فصلا عن اللغة القديمة واستمراريتها في لهجاتنا الحالية، خاصة العامية، للدكتور محرم كمال، تضمنه كتاب «آثار الفراعنة في حياتنا الحاضرة» صدر ضمن مشروع الألف كتاب عام 1955 عن دار الهلال من أساتذة اللغة القديمة المرموقين الدكتور عبدالحليم نورالدين، ولكن جهوده ومؤلفاته علي النطاق الأكاديمي، وأتمني أن تعيد مكتبة الأسرة طباعتها. قرأت كتابا هاما للباحث السوداني عبدالقادر عبدالله ويعمل استاذا في جامعات المملكة السعودية وصدر عن جامعة الملك سعود، أما الجهد الأشمل فقام به مهندس مصري تعلق بتاريخ وطنه العريق وأشرت إليه أكثر من مرة، أعني سامح مقار. إن ظاهرة اهتمام بعض المصريين بتاريخهم ودراسته بدافع ذاتي علميا والتعريف به علي مستوي عام تستحق الانتباه، وعندما يقوم المصريون بدراسة اللغة القديمة فإنهم يؤسسون لمدرسة جديدة تؤصل الحضارة المصرية من داخلها وهذا مختلف عن الجهود التي بذلها ويقوم بها أجانب مع ملاحظة أنهم أصحاب فضل في اكتشاب اللغة القديمة. وأخص بالذكر شامبليون الفرنسي الذي فك أسرارها ولولاه لكانت الآثار كلها طلاسم. سامح مقار قدم موسوعة من ثلاثة أجزاء أصل الألفاظ العامية ندرك منها أن لغة حديثنا اليومي فيها الفاظ عديدة من مصر القديمة. سامح يؤصلها ويشرحها ويعيدها إلي أصولها ويقارن اللفظ بما اشتق عنه في لغات أخري منها اللاتينية والعبرية، وبالطبع القبطية التي تعتبر آخر مراحل اللغة المصرية القديمة. أصدر أيضا «غرائب التعبيرات والأمثال الشعبية» عن الهيئة العامة للكتاب. وأضرب مثالا واحدا كنموذج لما يقوم به من جهد أصيل يورد مثلا شعبيا يقول فيه. «يا فاحت البير ومغطيه لابد من وقوعك فيه». يشرح المعني ثم يقول: أصل كلمة بئر مصري قديم «بار» بمعني «بئر»، ثم اشتقت منها كلمة «بيارة»، «بير»، ومن الأمثال التي وردت فيها، «البير الحلوة نازحة».. كل بير ينزح ما فيه «أو» يفحت البير بابرة. من المصرية القديمة انتقلت الكلمة إلي اللغة العربية وأصبحت «مؤنثة» قدم أيضا «المعجم الوجيز» هيروغليفي عربي، وقد بذل فيها جهدا علي المستوي الفردي لا يليق إلا بمؤسسات، وقدم أخيرا قاموس الجيب عربي هيروغليفي العصر الوسيط الكتاب أنيق، في حجم الكف يقع في ستمائة صفحة. انجاز علمي يبذله الرجل بعيدا عن الضوضاء أو السعي إلي جوائز أو نجومية كاذبة، جهد يحقق من خلاله هدفا عميقا وهو تعريف المصريين بلغة أجدادهم.