وهذا هو هدف قطر وتركيا، إظهار مصر كأنها فقدت دورها في القضية الفلسطينية، وأن النظام السابق كان أكثر قدرة علي التعامل مع حماس. لماذا نكتب، ونحن نعتقد أحياناً أن الكتابة كالحرث في البحر، لم أجد اجابة علي السؤال، ولكنني بعد دعوة كريمة من الاستاذ ياسر رزق قررت إعادة المحاولة بعد أن مارست هذا الأمر في صحيفة الجمهورية وبعدها في مجلة أكتوبر في فترة صعبة مرت بها مصر خلال حكم الإخوان. وعندما أراجع هذه الكتابات اجدها متسقة تماماً مع نضال الشعب المصري في تلك الفترة الحالكة من تاريخ الوطن. عدت من زيارة للعاصمة الفرنسية، حيث التقيت بمجموعة من السياسيين والخبراء في محفل لمناقشة التطرف الديني في المنطقة، ووجدت أن مصر وأحداثها تحتل اهتمام الجميع ولن أبالغ إذا قلت أن هناك شبه إجماع علي أن استقرار الأوضاع في مصر سيؤدي الي استقرار المنطقة وأنحسار التطرف الديني. ولكن مشاهدات كثيرة قد تدلل علي مدي الاهتمام بالشأن المصري والحرص عليمتابعة كل ما يجري في وطننا العظيم. كان سائق السيارة المخصصة لي شابا من بنجلاديش وعندما عرف إنني من مصر سألني هل تؤيد الرئيس السيسي فقلت له نعم، فبادرني بقوله أنا أحب مرسي، فكان ردي حاداً وقلت انت شاب من بنجلاديش وتعيش في باريس لا أعتقد أنك تستطيع تقييم رئيس دولة أخري وماهي المقومات التي تدفعك الي حبه وتقديره؟ وكان رده الديمقراطية، طبعاً تتوقعون الجدل الطويل حول هذا الموضوع مع هذا السائق. المهم هو مدي تأثير هذه الجماعة، وأن هناك من لم ير أو لا يريد أن يري أن هناك شرعية جديدة تدحض أي دعاوي آخري. في الجانب الآخر نجد أن أحداث غزة الأخيرة يتخذها أنصار الجماعة ذريعة للهجوم علي النظام المصري. واختصار الأمر في ضرورة فتح المعابر، أمرغريب. وتصادف اثناء وجودي في باريس انعقاد مؤتمر لوزراء خارجية بعض الدول الغربية بالإضافة إلي قطر وتركيا وكأن الحرب في غزة وسقوط القتلي من الفلسطينيين يأتي في المرتبة التالية لإشراك قطر وتركيا في جهود وقف إطلاق النار، وأن المسألة تمس كرامتهم ودورهم ولا يهم الدم الفلسطيني وليتهم توصلوا الي هدنة حقيقية. وخلال هذا المحفل تلاحظ أن هناك تأييداً لمصر ودورها من السياسيين والخبراء من عدة دول عربية وغربية والاهم ان ممثلي دول (غيررسميين) من تونس والمغرب واليمن وسوريا يرون في النموذج المصري الحل الامثل لمشاكل دولهم والاقليم. هناك نظرة واضحة لخطورة الجماعات التكفيرية المتطرفة التي اصبحت عابرة للحدود بتسليح متقدم وأعداد يصعب دحرها. كنت أقول أننا ننتظر صيفاً ساخناً، وبالفعل هذا الصيف سيشهد حسماً لقضايا كثيرة ورسماً لحدود جديدة. ولكن أين نحن من كل هذا؟ مصر في قلب هذه الاحداث بل أدعي أنها في قلب العاصفة وستظل مستهدفة بل ان كل حدث في المنطقة سوف يتم استغلاله ضدها مثل ما حدث فيالحرب علي غزة كان نظام الإخوان يروج نفسه فيالغرب علي أنه ولي أمر حماس، ويستطيع كبح جماحها إذا لزم الأمر قد دلل علي ذلك في أحداث غزة العام الماضي وقت حكم الرئيس المعزول. وهذا هو هدف قطر وتركيا، إظهار مصر كأنها فقدت دورها في القضية الفلسطينية، وأن النظام السابق كان أكثر قدرة علي التعامل مع حماس. هل ستظل المنطقة اسيرة لمنطق الإخوان؟ أعتقد أن امامنا بعض الوقت وخاصة أن قوي إقليمية ودولية مازالت تراهن علي قدرة الإخوان علي الصمود والوجود، لذا نحن في حاجة شديدة لبلورة نظام عربي جديد يصون الأمن القومي العربي ويضع محددات صارمة لتدخل دولة عربية في شأن دولة عربية أخري. هل سنفكر في ذلك قريبا، لا اعتقد. كانت احداث غزة كاشفة لأمور كثيرة وللاسف دفع الشعب الفلسطيني الثمن غاليا ومازال. الولاياتالمتحدة متمسكة برؤيتها الاستراتيجية وتزج بحلفائها في المنطقة في عملية سياسية مظهرية وبغض النظر عن إحتمالات نجاحها ولم تقدم واشنطن دعمها للفكرة المحورية وهي وقف اطلاق النار والضغط علي اسرائيل لتنفيذ ذلك حماية للمدنيين الفلسطينيين. ودول اقليمية مصرة علي التزاحم للحفاظ علي بريقها السياسي بعد أن انتظرت لفترة طويلة أثارت الاستغراب وبدون تحقيق أي حل عملي لوقف اطلاق النار. للأسف حاول الجميع استغلال الدم الفلسطيني للتذكير بأهمية الإخوان علي الساحة السياسية للمنطقة، اما اسرائيل فكعادتها تجيد فن الخسارة،واقصد الخسارة السياسية والأخلاقية ولا أعلم ماذا جنت من هذه العملية العسكرية بعد أن كانت تشعر براحة استراتيجية منذ بداية ما عرف بثورات الربيع العربي. هل قصدت إعادة تفتيت القوي المناهضة لها في ظل صمت حزب الله وإيران وداعش وغيرها من القوي التي تدعي نصرة الشعب الفلسطيني. فعلاً نعاني من فوضي غير خلاقة كادت أن تطيح بالمنطقة وتدخلها في مرحلة عدم استقرار لن يتمكن أحد من إعادته مرة أخري. من هنا نري صدق رؤية الدول التي تقف مع مصر لأنها مقتنعة أن مصرالجديدة هي العامل الفعال والمؤثر للحفاظ علي المنطقة. ولكن الطريق طويل والأخطار محدقة وستظل مصر مستهدفة وهنا نؤكد أن قوتنا الذاتية هي الاساس في تعاملنا مع المعطيات الجديدة بالمنطقة، وقوتنا الذاتية تعتمد في الاساس علي شعب مصر الذي يملك قدرات عظيمة لكن ينقصه روح العمل الجماعي. لا يوجد بديل الا النجاح والنجاح فقط والإ ستكون المنطقة كلها مهددة بالتفكك والانحدار إلي نتائج كارثية. الصبر والصمود وتحمل حرب استنزاف جديدة نستطيع الفوز فيها بالوقوف صفاً واحداً خلف قيادتنا، ندعمها لكي تنجح مصر وتنطلق إلي مستقبل أرحب.