هذا الحوار دار بين الرئيس الأسبق حسني مبارك وواحد من المقربين الذي حاول في مرة من المرات أن يكون صادقا مع مبارك وينقل له بعضا من معاناة الشعب، خاصة أن الحوار دار في توقيت جمع مناسبات عدة ضمت شهر رمضان ومن بعده عيد الفطر متلازمين مع موسم دخول المدارس، وكلها مناسبات تتطلب مصاريف استثنائية تفوق كل منها منفردة دخل أي أسرة. جاء مضمون الحوار كالتالي: سيادة الرئيس..معاناة الناس هذه الأيام أصبحت فوق احتمالهم خاصة أن الدخول والمرتبات كما تعلم سيادتك ضعيفة..قال الرئيس: احنا بنعمل اللي علينا عشان نخفف عنهم..بس سيادتك أدري مني بمتطلبات رمضان والعيد وكمان جاي دخول المدارس والمسألة محتاجة مساندة شوية..الناس يا فندم بتحبك ولما بتتعب بتعلق أملها في حضرتك بعد ربنا..رد الرئيس: يعني عايزني أعمل إيه؟!..ياريت لو سيادتك تصدر تعليمات للمالية بتوفير منحة تخفف عن موظفي الدولة بعضا من معاناتهم..يرد الرئيس بانفعال: يعني عشان الناس تحبني أخرب ميزانية الدولة؟!..غير الموضوع ده واتكلم في موضوع تاني..طبعا صاحبنا اتلبش من رد الرئيس وغير الحوار إلي أي كلام لايودي ولا يجيب خاصة وأن الصدمة من رد فعل مبارك قد أربكته! المحلل لمضمون الحوار الذي جري قصيرا في مدته قويا في معانيه ومضامينه يستطيع أن يتوصل ببساطة شديدة إلي الحقيقة وراء تجاهل الحكومات في عهد حسني مبارك توفير الحد الأدني لاحتياجات الناس والاكتفاء بالتصريحات الرنانة التي أكل الناس منها وشبعوا حتي انتفخت بطونهم وتلبكت أمعاؤهم، فما دام رأس الدولة - كما ظهر من الحوار الذي يشهد الله أنه ليس ضربا من الخيال أو الفنتازيا الصحفية - علي هذه الدرجة من الاستهتار بأحوال الناس ومشاكلهم ومعاناتهم، فكيف نتوقع اهتماما جادا من رئيس الوزراء أو الوزير أو المحافظ أو رئيس الحي؟! نتيجة لهذا التجاهل واللامبالاة من رأس الدولة، لم يكن مستغربا أن يصل الحال بالفقراء والمعدمين أن يفتشوا في صناديق قمامة الأغنياء بحثا عن لقمة أو بقايا «زفر» أومجرد عظام بها رائحة لحم يسدون بها صرخات الجوع التي تنطلق من أعماق بطون صغارهم، وهي الصرخات التي لم يكن يسمعها أو يبالي بها أحد، في الوقت الذي كانت بقايا الموائد الفاخرة سواء منها ما كان يقام في قصوررجال السلطة أو المنافقين والمتربحين من رجال الأعمال أو تلك التي كانت تعد خصيصا للحفلات والاحتفاليات التي يقيمونها في الفنادق الكبري ثم لا يلتقطون منها ولا يدخل بطونهم إلا النذر اليسير ويلقي بفاخر الطعام الذي تكلف عشرات الألوف في سلال القمامة، في وقت كانت هناك أسر يبيت أطفالها وأمعاؤهم تتضور جوعا ! من أجل هذا كان من المنطقي والطبيعي أن ينفجر البركان ويثور مرة ومرتين ليطيح بمبارك ومن بعده، فقد طال صبر الشعب كثيرا حتي لم يعد هناك فائض من الصبر والتحمل يعينه علي تقبل وضع مترد ومهين من المعيشة لاتقبله ولا ترضي به الحيوانات، في الوقت الذي يقرأ ويسمع عن العيشة الناعمة الرغدة التي يهنأ بها أهل السلطة ومن تزاوج معهم من الانتهازيين والأفاقين. سيدي الرئيس القادم..أنا علي يقين أنك بحكم مواقعك التي توليتها قبل أن يأذن الله لك أن تصل إلي سدة الحكم تعلم أكثر مني كيف كانت تدار الدولة في العقود الأخيرة، وإلي أي مدي بلغت معاناة الناس نتيجة استئثار فئة قليلة مفترسة متوحشة بكل شئ دون أن يتركوا حتي النذر اليسير ليعيش منه الغلابة.. وقد لفت نظري أنك استخدمت في خطاب لك جملة «أن الشعب لم يجد من يحنو عليه».. وصدقني أن الشعب رغم ارتياحه لعودة بلده المختطف إليه فإنه حتي هذه اللحظة لم يجد من يحنو عليه بالفعل.. وكما قلت فإن الناس قد نفد صبرها.. صحيح أن المشروعات التي وعدت بها يمكن أن تحرك المياه الراكدة في حركة البلاد الاقتصادية، ولكن صدقني أن الناس الغلابة تنتظر انفراجة في جيوبها، وإذا كانت الدولة هذا الكيان الكبير نفسه لم يستطع الصمود في وجه المحنة التي مر بها خلال السنوات الأخيرة إلا بدعم تلقته من الأشقاء والمحبين من إخواننا العرب الذين أدركوا في لحظة فارقة أن انهيار مصر فيه نهايتهم، فما بالك بحال شعب استجاب أكثر من مرة وفي أكثر من عصر لنداء ربط الأحزمة علي البطون من أجل أن تتجاوز الدولة عثراتها. سيدي الرئيس.. أخشي أن يكون سقف طموحات الشعب متوقفا عند الجملة التي ذكرتها أنت في خطابك ومازال منتظرا ومترقبا ليري كيف ستحنو عليه..ولسيادتكم خالص احترامي ودعواتي بالتوفيق.