بعض الموتورين سيرون الترشح أمام السيسي لرئاسة الجمهورية جريمة خيانة عظمي.. بل ان المرشحين أنفسهم قد يقفون أمام قرار الترشيح طويلا قبل ان يقدموا عليه خوفا من التجريح والاتهام بالخيانة والعمالة وهو أمر مؤسف. لقد صنع المشير السيسي حالة فريدة في التاريخ فهو حتي اللحظة لم ينطق الكلمة ويعبر صراحة عن رغبته في الترشح لرئاسة الجمهورية، ورغم ذلك فقد قررت تيارات شعبية اختياره جبرا.. وظهرت حملات بعنوان »السيسي رئيسي« و»كمل جميلك« تقطع الطريق أمام الرجل وتفرض عليه الترشح فرضا ليتولي مسئولية أمة بأكملها في مرحلة من أحلك المراحل. ورغم ذلك فليس من مصلحة السيسي علي الإطلاق ان تخلو الساحة إلا منه.. ولا ينفعه ان يكون المرشح الوحيد في وقت نري فيه الانقسامات في الشارع المصري وهي تظهر بوضوح ان الاتفاق علي شيء واحد بين الجميع أمر بعيد المنال. وهذا ما يجعل المرشح الوحيد محل تجريح هو في غني عنه.. بل انني أتصور أهمية ان تظهر مبادرات تفسح المجال لأكثر من مرشح حرصا علي السيسي نفسه.. وبهدف شق قنوات تستوعب بشكل شرعي وديمقراطي اية معارضة مفترضة ضد السيسي حتي تعبر عن نفسها بالدعوة لاختيار مرشح آخر غيره دون ان يتعرض انصارها للتنكيل والاتهام بالعمالة والخيانة وهما السلاحان المشهران باستمرار في مواجهة كل من يعبر عن رأيه المعارض للسيسي أو للدستور علي السواء ولنتصور الآن ان مرشحا قدم نفسه وتبعه مؤيدوه في مسيرة تدعو الناخبين لاختياره علي حساب السيسي. وحملت هذه المسيرة شعارات تدعو لسياسات ضد السياسات التي أصبح السيسي رمزا لها.. تري ماذا سيكون موقف الأمن منها وبماذا سيرد الإعلام عليها؟! هذه الاشكالية يجب وضعها علي بساط البحث فورا حتي لا نجد أنفسنا في مواجهة قبلية متعصبة تسيء إلي البلد كلها قبل ان تسيء إلي أشخاص المرشحين.. وبصراحة أي دارس للشخصية المصرية سيجدها تتصف بالتطرف في المشاعر فهي تحب بشدة وتكره بشدة. ولا مانع عندها ان تعبر عن هذه المشاعر باندفاع وأحيانا تهور وقد شاهدنا طويلا حوارات انقلبت إلي صراعات واتهامات لمجرد اختلاف في وجهات النظر بشأن عوارض سياسية. فإذا انتقلنا في المرحلة القادمة إلي الشارع كساحة احتواء للتيارات المتعارضة فان الأمر لا يسلم من حدوث مواجهات تفسد علينا العملية الديمقراطية برمتها. ورغم ان باب الترشح للانتخابات الرئاسية لم يفتح بعد، إلا ان عمليات التسخين بدأت بالفعل تتوعد كلا من الفريق سامي عنان وحمدين صباحي وعبدالمنعم أبوالفتوح وهم الفرسان الثلاثة الذين ظهرت أخبار تشير إلي احتمال قبولهم الترشح.. وقد بدأت التلويحات لهم تعلو في الإعلام وسمعنا جميعا زمجرة ما قبل الوثوب علي لسان نجوم التوك شو الإعلامي وكدابين الزفة من المنافقين الذين يتنقلون من فضائية لأخري حتي أصبحوا عارا علي الإعلام المصري من فرط ما ظهروا ومن كثرة ما تحدثوا لا فضت أفواههم.. القضية الآن ان كل مرشح من هؤلاء إذا أراد ان يقدم نفسه علي أنه الأجدر بالرئاسة سيكون عليه ان يقدم برنامجه وربما يقدح وينتقد برامج الآخرين.. ومناظرة موسي وأبوالفتوح كنموذج ليست منا ببعيدة. فهل سيقبل المصريون مثل هذا التجريح في السيسي وهم يرفعونه إلي مرتبة التقديس ولا يتحملون كلمة نقد ضده رغم ان الرجل حتي الآن لم يقدم برنامجا أو يعرض خططا لطريقته ورؤيته لانتشال مصر من بحر البؤس الذي تغرق فيه منذ سنين.. وليس سرا ذلك الفيديو الذي يتداوله الناشطون علي موقع الواتس اب والذي يظهر الرئيس السوري حافظ الأسد قائد انقلاب عام 0791 وهو يعارض مظاهرات تطالب باختياره رئيسا للجمهورية ثم رضوخه في النهاية لإرادة الشعب ثم تحوله بعد ذلك إلي طاغية دموي يفتك بمعارضيه، ومن الواضح ان انتشار هذا الفيديو يستهدف إجراء نوع من الاسقاط علي قدر التشابه القائم بين الحالة المصرية الراهنة والسورية القديمة. إلا أن الواعين يدركون ان الفيديو ليس أكثر من ورقة لعب مع غيرها من الأوراق ستلقي اليوم وغدا لتشكيك المصريين في المصير الذي يقدمون عليه. لذلك فمن الضروري قبول فكرة المنافسة الحرة والسماح بحرية التعبير ووقف سيل التخوين والاتهام بالعمالة والإرهاب لكل المخالفين بالرأي. وبمنتهي الوضوح فإن ظهور السيسي بمفرده في ساحة الانتخابات أو وجود مرشحين صوريين في مواجهته سيصيب العملية الانتخابية نفسها في الصميم. وسيظهر الانتخابات علي مستوي العالم وكأنها صورة خالية من المضمون في دولة من دول العالم الثالث تلتهب فيها مشاعر الجماهير. أنا دون شك أدرك حجم المعاناة الثقيلة التي عاني منها الشعب المصري طوال الأعوام الأخيرة، واعرف انه ارتاح بوضع الأمل علي عاتق رجل رأي فيه شجاعة لا يقدم عليها إلا الابطال. ولكن يبق إلآن صياغة المشهد الأخير بالقدر الذي يحفظ لمصر صورتها البهية وكرامتها العلية.